U3F1ZWV6ZTMxMjc0MDY2Mjc3MzYyX0ZyZWUxOTczMDM4NTMwMzE2MA==

روايه ٣٦٥ يوم أمان الفصل الاول بقلم رانيا ابو خديجة

 روايه ٣٦٥ يوم أمان الفصل الاول بقلم رانيا ابو خديجة 

رواية ٣٦٥ يوم أمان الحلقه الاولى

 بقلم رانيا ابو خديجة 

الفصل الأول 


#٣٦٥_يوم_أمان


#رانيا_أبو_خديجة


ليلًا بتلك المدينة الهادئة، والتي يزيدُ الليل من هدوئِها فيجعلها خالية إلا من أصوات تلك النسمات الباردة مع إضاءة أعمدة الإنارة الخافتة، بداخل ذلك المنزل البسيط رغم ذلك الدفئ الذي يحيط بجدرانه، تجلس هي ممدة على جانبها بأريحية على تلك الأريكة البسيطة و بيدها قلمها تتلاعب بيه بشرود بينما عينيها  غدروا بالكتاب الموضوع بصمت أمامها وظلوا مثبتين على التلفاز والصوت الكرتوني منبعث منه ليكسر صمت المكان بشرود أصحابه به، فتكتمل تلك الصورة الدافئه بذلك الثنائي الصغير الجالس أسفل الأريكة مربعين ساقيهم الصغيرين بينما عيونهم متوجهة لذلك الفيلم الكارتوني الصاخب الذي يحظى بكامل انتباه حواسهم.

تأففت "أحلام" فاجأة ناظرة للصغيرين المحدقين بالتلفاز هاتفة بتزمر:

_ هات يا زياد الريمود بقالكوا ساعة بتتفرجوا عالكارتون وأنا عايزة أشوف المسلسل ..لو سمحت.


نطقت جملتها الأخيرة بغيظ من بين أسنانها بينما الأخر وكأنه غير موجود بل متواجد بداخل الشاشة يشارك أحداث الفيلم الكارتوني، بينما هتفت أخته وتوأمة ذو الخمسة أعوام بصوتها الطفولي الخفيض:

_ لأ يا زياد متديهاش الريموت أنا عايزة أشوف هيعملوا في الملكة ايه.

_ يا ستي ما شوفنا ميت مرة دة قبل كدة ... أنا عايزة أشوف المسلسل يا أميرة متزهقنيش عليكوا.


قالت كلماتها بعصبية ولكن ومن الواضح لم يهتز أحد من أخويها الناظرين للتلفاز بأهمية وابتسامة تداعب فم الصغيرة الجميل بينما الأخر فمازال شارد بأحداث الفيلم الكارتوني.


زفرت "أحلام"بغضب وطفولة تماثل طفولتهم، ثم نهضت تسحب "الريموت" من يد الصغير بعنف، انتفض "زياد" ثم نهض يصرخ بها بينما " أميرة" الصغيرة فصرخت باكية هي الأخرة تصيح بالنداء على والدها.


خرج والدهم من غرفته على أصواتهم قائلًا بقلق من سماعه لبكائهم:


_ ايه في ايه، اخواتك بيعيطوا ليه يا أحلام؟!!


وقفت "أحلام" مستقيمة ترد على والدها باحترام بينما عينيها تتطلع عليهم بغيظ:


_ مفيش يا بابا.

تقدم الصغيرين من والدهم الذي طالما كان حنونًاعليهم خاصتًا من بعد وفاة والدتهم أثناء ولادتهم 

قائلين بعبوسهم الطفولي المحبب:

_ عايزة أشوف الكارتون يا بابا وأحلام مش راضية.

بينما هتف الصغير وهو ينظر "لأحلام" الواقفة ترمقهم بغيظ ووعيد:

_ قولها يا بابا تذاكر احنا خلصنا الواجب بس هي بص لسه.

وأشار بإصبعه الصغير لكُتبِها المُلقاة على الأريكة بإهمال 

نظر والده الواقف يستمع لهم لما يشير ثم نظر "لأحلام" التي تمرر يدها على ذقنها بوعيد وتضيق عينيها لهم بشر ثم قال بلين:

_ متزعليش اخواتك يا أحلام، وأدخلي ذاكري جوا في أوضتك متنسيش انك ثانوية عامة السنادي والمفروض تجيبي مجموع حلو عشان تدخلي كلية كويسة زي أختك رقية.

وعند ذكرها وتذكرها بحث بعينيه وهو يتسأل:


_ أومال رقية فين ومش قاعدة معاكوا ليه؟!


_ تلاقيها في أوضتها بتذاكر يا بابا يا اما نايمة.

ربت والدها على شعر الصغيرين بحنان ثم اتجه لغرفة أبنته الكبيرة" رقية" 

طرق والدها الغرفة طرقة واحدة ثم فتح الباب ودخل، نظر بعينيه بأرجاء غرفتها الصغيرة البسيطة وجدها شبة مُظلمة بينما هي نائمة على الفراش والغطاء يحتويها من رأسها لأخمَصِ قدميها فلم يتبين سوا خصلات شعرها الأسود خارج الغطاء، اطمئن والدها عليها ثم أغلق الباب.


اتجه لباب المنزل  وقبل أن يخرج التفت يُوجه حديثه لابنته "أحلام" :

_ انا خارج يا أحلام ومش هتأخر، ومتزعليش اخواتك ومتعملوش دوشه عشان اختك تعرف تنام.

أماءت "أحلام" الجالسة أرضاً وبجانبها " زياد" بينما مستلقية " أميرة " على البساط واضعه رأسها على قدم " أحلام ".


_ حاضر يا بابا.

خرج والدهم صافقاً الباب خلفه برفق بينما هي فقالت بغيظ وهي تمسك بريموت التلفاز وتثبتة على القناة التي تريدها:

_ عجبكوا كدة أهو المسلسل خلص أهو...منكوا لله.

وظلوا يشاهدوا التلفاز بتلك البساطة المنبعثة من هدوء حياتهم الذي وبطبيعة الحياة لا يدوم، دون التفكير في الغد وما يحدث به، وكيف ستتغير حياتهم وينقلب ذلك الأمان والدفئ لخوف ورعب يكادُ يوقف القلوب.


!!!!!****!!!!!****!!!!!!

 يخرج من بيته ... ليسير في ذلك الهدوء السمعي والبصري، هيئته متوسطة الحال فليست بسيطة أو متهالكة، بل يرتدي جلباب يعطيه وقار سنه مع وشاح من القطن الأبيض حول عنقه، سار كثيرًا بخطوات متمهلة هادئة حتى وصل لمكان أشبه بالمهجور بأخر تلك البلدة الصغيرة المغلقة على أهلها، وهنا بدء يلتفت حوله يميناً ويساراً ليتأكد من عدم رؤية أحد له ثم دخل لمكان جانبي مفتوح مكون من ثلاث حوائط من الطوب اللبن دون سقف أو باب، بعيداً تماماً عن العمار والبشر.


 دخل بوقار يرمي السلام على من وجدهم بالداخل فرد السلام مجموعة من رجاله وجلس بينهم وأخذوا يتحدثون طويلاً عن أمور عملهم السرية....  وتدريجياً بدأت أصواتهم تعلوا واحتدم الأمر كأخر لقاء بينهم منذ مدة، وبعد الكثير من المناقشات الحادة بينهم، نهض بعنف، مُلقياً بكلماته الغاضبة قبل أن يغادر المكان بأكمله: 

_ وأنا قولت قبل كدة اني مش هشتغل تاني ...ومحدش يقدر يجبرني.


ثم أضاف بثقة وهو يشير على رجاله الغاضبين:


_أنا بس اللي بجبر وبدي أوامر.

نهض رجل من الطرف الأخر يتحدث بخفوت ولكن نبرته بها حدة ونظراته قاسية: 

_ بس الباشا الكبير مش هيعجبة كلامك دة يا منصور.

_ وأنا مش مستني كلامي يعجب حد.

هدر بغضب هو الأخر ثم تحولت نبرته لقلقة خائفة وهو ينظر في الفراغ أمامه: 

_ أنا عندي بنات وعيال صغيرة محتاجيني وملهمش غيري، والجو بقى لبش، مش أمان، والحكومة بقالها رجل هنا في البلد وكل يوم والتاني نسمع عن واحد ورا التاني من إللي بيقعوا في ايديهم، وأنا ولادي محتاجيني، وأخاف عليهم يتبهدلوا من بعدي، وعشان كدة ده آخر كلام عندي.


ثم نظر اليهم وتابع بصرامة:

_ وده هيكون أخر مرة أقابلكم هنا وياريت مشوفش وشكم تاني، 

واذا كان عالشغل فأنا هصفي كل حاجة مع الباشا.

 ثم وأخيرًا  نهضوا جميعًا وتفرقوا منصرفين وأخذ هو نفس الطريق الذي أتى منه وبعد عدة خطوات؛ فقط ابتعد عن المكان وأصبح وحيدًا بذلك الشارع المظلم، وقبل أن يسمع صوتها شعر بها تخترق جسده فوقف متصلابًا مكانه أثر تلك الطلقة النارية بصدرة ثم سقط صريعاً، تاركًا خلفه أربعة براعم، فقدت من كان يرعاها، تاركهم في مهب الرياح العكسية كي تُنشأ أعاصير بحياتهم لتحدث عواصفها مُقلبة حياتهم رأسًا على عقب.


!!!!****!!!!****!!!!!


_ قتلته، ازاي يا غبي وليييه، انت تعرف ده عنده بضاعة بقد ايه لسه لا سلم فلوسها ولا رجعها!


_ يعني كنت عايزني أعمل ايه يا رياسة أسيبة يهرتل بكلامه ده قدام الرجالة ويخوفهم...طب ده كان لازم يموت بدام مش معانا يبقى علينا.


صرخ به وهو ينهض بعنف من مقعده:


_ غبي، غبي، كان لازم قبل أي تصرف ترجعلي الأول، ونصفي معاه كل حاجة وبعد كدة نتصرف فيه بمعرفتنا، لكن تقتله وعنده الكمية دي كلها ولسه ولا خدت جنية من تصريفها.


ثم هجم عليه يجلبه بعنف من ملابسه يصرخ في وجهه:


_ بقولك ايه انت تقب وتغطس وتجيبلي البضاعة دي... دي فلوس نااس يا رووح أمك ..فاااهم.


ابتلع ريقه بصعوبة ثم هتف بهلع:

_ طب ...طب أعمل ايه يا رياسة.. منصور..منصور مات ومحدش عارف كان بيخبي البضاعة فين ولا ازاي.


نفضه بعيدًا عنه ثم هدر صارخًا: 

_ انت عارف بيت منصور كويس...عايزك تقلب عليه واطيه.. شالله حتى تنسف الورشة بتاعته وبيته باللي فيه ...المهم عندي تقب وتغطس تلاقي الحاجة.


أبتلع ريقه بتوتر ثم صاح فاجأة:

_ تحت أمرك يا كبير...ليك عليا متشوفش وشي ده تاني إلا والبضاعة اللي كانت عنده كلها معايا.


!!!!!***!!!!!*****!!!!!!!*****!!


على جانب آخر وبإحدى استراحات محطة القطار حيث الصخب من حولهُ ومرور المسافرين ذهابًا وإيابًا، يندث هُنا بين الزحام على إحدى الطاولات في ركن بعيد هادئ بعض الشئ، منتظرًا وبجانبه حقيبة كبيرة، فمنذ وصوله المدينة نَزل من القطار قاصد مكتب سيده، ولكنه أتاه هاتف يخبره بأن المكتب أصبح غير أمن، وليتم التسليم بأي مكان أخر، ومن حينها وهو هنا بمحله يخشى التحرك انشً واحدًا، جالس ينظر حوله بريبة وخوف، رجل بالعقد الرابع من عمرة ببذلته السوداء الأنيقة، نظر بساعة يده بملل حتى لفت انتباهه صوت يصدح من بعيد وشاب يحمل على أكتافه أدوات المشروبات ويسير بين المارة.


_ شاي..قهوة...معدنيه...


نظر "حسام" نظرة جانبية خاطفة وهو يحمل على أكتافه تلك المشروبات متخفي بزي صبي من الكافيتريا الأمامية بالمحطة، بينما بطاولة أمامه أقترب "تميم" شاب وسيم أنيق مع فتاه من نفس عمره تقريباً "أمينة"  يتسامرون بخفة مبتسمين يجلسون بطاولة بجانبه.


لم يركز بنظره عليهم طويلاً بينما في الخفاء كان ينظر" تميم " لعامل المشروبات"حسام" نظرة ذات معنى وأيضاً الفتاه الجالسة معه فتظاهرت بأنها تهمس" لتميم "وتضحك بينما نظرت خلفه لشخص أخر "بدير" حامل أسفل ذراعه صندوق خشبي ويسير ليلمع أحذية من يناديه، أماء لها ثم تقدم من الرجل الجالس بالطاوله صائحاً بنبره صبي محترف بعمله:

_ في ثواني يا بيه وتبقى مرايا اؤمرني.

ثم جلس أمام قدميه وبدء يمسح ويلمع حذائه رغماً عنه حتى تحدث الرجل متأففاً محاولاً جذب ساقه من "بدير":

_ حد طلب منك حاجه يا جدع انت ... ابعد ايدك دي عن رجلي انت بتوسخها.

 لم يتحرك" بدير" بل ظل يثرثر بابتسامة متسعة ومازال مستمر بعمله فيأس الرجل وأشار بيده إلى"حسام" عامل المشروبات الساخنه الذي يسير هنا وهناك حامل أدواته 

ابتسم "حسام" ثم تقدم  منه قائلا بحماس:

_ أؤمر يا بيه ... شاي قهوة.. سخن ..ساقع.

_ اديني واحد قهوة وخلصني.

ثم تابع بتحذير وعلامات مشمئزة

_ بس تكون حاجتك نضيفة بلاش قرف.

_ تحت أمرك يا بيه وبميا معدنيه كمان.


ثم التفت مدعي بأنه يصنع المشروب ينظر للطاولة خلفه ..فنهض" تميم " و"أمينة" الفتاة الجالسة معه وتحركوا بالقرب من الطاولة وساروا بجانبها ولكن افتعلت "أمينة" اصطدامها بالطاولة مصدرة صوت فزع ..تقدم منها "تميم "قائلاً بلهفة أجادها.

_ ايه اللي حصل يا حبيبتي؟

ثم توجه للرجل بنبره حادة.

_ كدة كنت هتوقع المدام ... يا أخي احترموا نفسكِوا بقى.

نهض الرجل في ذهول مما حدث في أقل من ثانية ثم حاول التحدث مبررًا:

_ وأنا مالي ..مدام حضرتك هي اللي دخلت فيا زي القطر.


وهنا وأثناء الشجار استغل "بدير "وقوف الرجل وانشغاله معهم فترك أداة التلميع بيده وأخرج من جيب ثيابه جهاز صغير مسجل للصوت وضعه بالطاوله من أسفل.

بينما "حسام" اقترب ليضع القهوة ملقي بكلمات ليفض بها الخلاف ولكن في حقيقة الأمر ليحاصر  انتباه الرجل بينه وبين صديقه" تميم".

_ ماتصلوا عالنبي كدة يا جدعان يا ما بيحصل في المحطة دي.. دة الواحد بيشوف بلاوي.

وأثناء الحديث والشجار بين الثلاثة تحركت "أمينة" من خلفه مستغلة انشغاله بالحديث والجدال معهم وقامت بسحب حقيبته ووضعت خلفها حقيبة أخرى صغيرة انتبه "تميم" أن الأمر تم فنظر ل"حسام" مبتسماً براحة قائلاً:

_ عموماً خلاص حصل خير. 

ثم توجه بالحدث للرجل المذهول مما يحدث معه منذ دخوله المحطة.


_ بس بعد كدة تاخدوا بالكوا محناش ناقصين البلاوي دي.

ثم تحرك مغادرًا يتبعه "حسام" متمتم هو الأخر بكلمات مشابهه.


وبعد لحظة دخل الرجل المنتظر لساحة الاستراحة ملقياً التحية جالساً.


فرد الأخر : بقولك ايه بينا نمشي من هنا أنا اتشائمت من المكان اللي كلة مصايب ده من ساعة ما جيت.

ولكن زجره الأخر قائلاً:

_ أقعد يا سليم ...أقعد ..فين الحاجة خلينا نخلص مفيش وقت.. انت متعرفش أنا عملت ايه عشان أعرف أجيلك هنا من غير ما يكون حد قاطرنا، اخلص هات الشنطة.

جلس الأخر متراجعاً.

بينما بغرفة بعيدة  يجلس "تميم" وبجانبة "بدير" و"حسام" يستمعون لكل ما يدور بينما "أمينة" تدور بالغرفة تتحدث بجهاز بيدها لتخبر أحد زملائها بأخر تطورات الأمر وضرورة حضوره بعد لحظات مع رجال الشرطة.

رفع"حسام" يده يضغط دوار السماعة على أذنه لينتبه بتركيز بالغ لما يسمعونه.


_ أتفقنا على التوزيع هيبقى ازاي مع رجالتنا وكل حاجه بس خلي بالك البضاعة الأيام الجاية هتيجي بطرق مختلفة وجديدة لازم نتكلم فيها.

تأفف سليم قائلاً : طب ما تبقى تبعتلي بأي طريقة او اي رسالة وأنا هفهم ..أنا مش هقدر أقابلك تاني.


_ مينفعش  جو الرسائل والإشارات ده بقى قديم و معروف للحكومة وبقوا يعرفوا احنا بنفكر في ايه وازاي، لكن كدة احنا اتنين رجال أعمال قاعدين في مكان عام بنتكلم في شغل.


ثم تابع حديثه يقر بمعلومات وتفاصيل هامة للغاية، ظلو يستمعوا إليهم حتى نظروا الثلاثة لبعضهم بانتصار ثم توجه "تميم" ناظراً "لأمينة" باشارة فقد استمعوا حتى أقروا  بكلمات صريحة تصبح أدلة عليهم أثناء التحقيقات ولا يستطيعوا الفرار منها.


بعد دقائق تقدم زميلهم ومعه رجال الشرطة احاطوا بالطاولة فوقف الاثنين مصدومين. 


_ خ....خير يا باشا في ايه؟!


نطق بها "سليم" برعب فور رؤيته دخول رجال الشرطة قاصدين طاولتهم. 

_ هنعرف حالاً كلنا في ايه.

ثم بدأ بسحب الحقائب من جانبهم يقوم بتفتيشها فسأل الأخر بتوتر بالغ:

_ بتهمة ايه يا فندم .. أنا ..أنا لسه جاي من السفر حالاً وده ..ده صديقي جاي يقابلني وبنتكلم في شغل.


_ وهو ده بقى الشغل!


هتف بها وهو يسحب حقيبة تلو الأخرى ليفتحها أمام أعينهم، نظر الرجل الأول بذهول للحقيبة الصغيرة التي وضعتها أمينة وصرخ دون تفكير عند رؤيته لأكياس بها مادة بيضاء تشبه الهروين ولكنها مادة مزيفة:


_ يا نهار أزرق... أقسم بالله يا باشا الشنطة دي ما بتاعتي، والله ما بتاعتي...دي مش بتاعتي.


ثم أشار للحقيبة الكبيرة والتي تبين منها صناديق صغيرة بها مستحضرات تجميل ولكن بداخلها المواد المخدرة:


_ دي بتاعتي.. لكن دي لأ والله.


هدر به الأخر بغضب:


_ اخرس يا غبي..اخرس هتودينا في داهية.


وعند استماعهم لذلك الاعتراف اللحظي بداخل الغرفة، هبوا واقفين الثلاثة يصيحون بفرحة ونجاح خطتهم يحضنون بعضهم البعض، ويدورون حول بعضم باحتفال كاحتفالات لاعيبة الكورة ومعهم "أمينة" فارحين بنجاح الخطة والقبض على أهم عناصر تلك الدائرة المغلقة بين رجالها من تجار مخدرات.


!!!***!!!!!****!!!!!****!!!


- وعشان كدة يا فندم أنا واثق فيهم وبرشحهم بقوة للمهمة دي.

قال كلماته بصدق وثقة تامة بذلك الثلاثي، يفتخر بهم، فهُم تربوا على يده، وكل ما حصدوا من نجاح كان له الفضل به.

_ هما فين دلوقتي يا هاني، من بعد أخر مهمة دي محدش سمع عنهم حاجة.


رد اللواء "هاني":

_ يا فندم هما دايمًا في الانتظار ومستنيين الأوامر.


_ طيب يلا متضيعش وقت واجتمع بيهم حالاً، انت عارف المهمة حساسة جداً ومتستناش أكتر من كدة.


!!!!***!!!!***!!!!


بعد مرور يومين.. بمكتب اللواء..

جالسين جميعهم على طاولة الإجتماعات، نظر "تميم" إلي "حسام" يرفع حاجبية بملل من ذلك الصمت الطويل، تأفف "حسام" ينظر إلى "بدير" الذي نظر للواء الناظر بدقة لملف موضوع على مكتبه وقال بهدوء واحترام:


_ حضرتك طلبتنا يا فندم.


لم يعيره انتباه، بل ظل مدقق النظر بذلك الملف الموضوع أمامه على سطح المكتب، وبعد نصف ساعة إضافي لساعة كاملة من الانتظار ينظرون لبعضهم بملل، ثم يتهامسون بحركات من الشفايف فقط، ودقائق أخرى يشاورون لبعضهم ويضحكون بصمت مستغلون انشغال مديرهم.


_ وربنا لو رميتها عليا تاني لأقوملك.


رفع اللواء "هاني" نظره عن الورق فاجأة ونظر لذلك الصوت المفاجئ فوجد"بدير" يقبض على عنق "تميم" الضاحك بينما "حسام" فترك ملف كان قد سحبه من على طاولة الاجتماعات يفحصه بملل، وبدأ يضحك، نظروا ثلاثتهم للواء الناظر لهم، ثم تنحنحوا بحرج يعود كل واحدٍ لمقعده باحترام.


نهض اللواء "هاني" يتقدم من طاولة الإجتماعات يجلس على رأسها، ثم سألهم بعد أن خلع نظارته يضعها على الملف وسأل:


_ انتوا هنا من امتى؟


نظر ثلاثتهم له بعيون متسعة،ثم نظروا لبعضهم ليرد "حسام":


_احم...احنا هنا من أكثر من ساعة يا فندم، حضرتك طلبتنا.


أماء أكثر من مرة وبعد صمت دقائق أردف قائلًا:


_ طبعا انتوا عارفين بما اني جامعكم انتوا التلاتة، يبقى أكيد في مهمة جديدة.


انتبهوا ثلاثتهم يعتدلوا أكثر في جلستهم، بينما تنهد اللواء "هاني" ناظراً إليهم مكملاً:

_ لكن المهمة المرة دي غير كل مره نظراً لحساسية الموقف وسرية المهمة وده اللي خلاني أرشحكم ليها لاني واثق فيكم.


نظر "تميم" إلى صديقيه بسعادة نابعة من فخرهم الثلاثة بنجحاتهم بالجهاز، ورد بابتسامة ثقة:

_ ان شاء الله نكون عن حسن ظنك يا فندم.

رد "اللواء" بنبرة تأكيد:

_ لازم يا تميم تكونوا قد الثقة دي ... انتوا مش متصورين المهمه دي خاصة قد ايه.

نظروا لبعضهم بترقب ثم تحدث "بدير" قائلاً:


_ خير يا فندم؟


فتح الملف أمامه وأشار لهم بتوضيح:

_ الجهاز بقاله فترة شغال على المهمات اللي بتحصل في الأقاليم البعيدة عن العاصمة، ومن أكتر من شهر جتلنا إخبارية ان في توريد بيحصل من الخارج لداخل مصر عن طريق ناس معينة مندثة في دواخل محافظات الأقاليم دي.

بدء "اللواء" بسرد التفاصيل حتى وصل عند بداية مهمتهم، فقال "تميم" مستفسرًا:

_ ومين ده يا فندم؟

_ منصور المهدي،  تشوفه تقول راجل غلبان يدوب بيشغل الورشة بتاعته، لكنه ومن تحرياتنا الأخيرة عرفنا انه يد مهمة جداً للناس الكبيرة، لانه زي العادة كلهم بيستخبوا في رجالتهم اللي زي دول.


سأل  "حسام":

_ طب وبعد ما قتلوا يا فندم؟

_ هنا بقى ظهرت المشكلة ... من جهة اننا كل تحرياتنا اللي فاتت بقى ملهاش لازمة بوفاته، وبكدة مضطرين نبدأ من اول وجديد، ومن جهة تانية الراجل ده عنده بنتين شابات وطفلين صغيرين، ومن بعد وفاته وشركائه بيدورا على المخدرات اللي كانت عنده وللأسف ده جه على ولاده بالسلب، وهقولكم ازاي.


!!!!****!!!!!*****!!!!!***!!!!


ليلاً وبعد أن اطمأنت على أخواتها، تلف "رقية" شال من الكتان الأسود الثقيل حول كتفيها وتفتح باب المنزل، تنظر بالخارج أولاً لتتأكد بعدم وجود أحد من هؤلاء؛ الذين يقفون أمام المنزل في الليل او النهار من بعد وفاة والدهم، فأصبح الجميع يعلم بأنهم أصبحوا بمفردهم ضِعاف من بعده، ففي الصباح من بعد أذان الفجر تخرج " أحلام" لتذهب لمدرستها ولكنها تجدهم أمام المنزل منذ الليل يشربون المخدرات ويتسامرون وعندما يروا واحدة منهم ينهضوا ليقفوا لها ويعترضوا طريقها، لا تملك الواحدة منهم إلا أن تغلق الباب على الفور ولا تستطيع الخروج إلا بعد أن تتأكد بأنهم ليسوا بالخارج.


 تسير ولا تكف عن النظر حولها بخوف، تنفست "رقية" الصعداء بعد وصولها إلي ورشة والدها، ورؤيتها للعمال من على بُعد، فبعد وفاته أُغلقت الورشة لفترة ليست بقليلة حتى اضطرت هي لفتحها و عودة العمال بها فهي مصدر رزقهم الوحيد الذي تركه لهم والدها ...تذهب للجامعة صباحًا اذا استطاعت الخروج من المنزل من الأساس وترك أخواتها، ثم تعود للمنزل سريعًا لتعتني بهم وتطمئن بشأنهم وبعد الإنتهاء تخرج للورشة وتقف قليلاً مع العاملين بها لتطمئن على أحوال العمل وبأن الأمور تسير على خير، وتأخذ رزق اليوم ثم تعود مرة أخرى للمنزل لتباشر دراستها قبل نومها.


واقفة هي معهم تتابع بعينيها سير انتهاء العمل وهي واضعة يدها بجيوب الجاكت التي ترتديه من البرد.

وأخيراً تحدثت عند ابصارها بانتهائهم

_ الله ينور يا عم توفيق .... بس كفاية شغل كدة بقى النهاردة، يدوب نقفل.

أحد العاملين وهو ينهي العمل بإحدى السيارات البسيطة المتهالكة. 

_ ادخلى انتِ يا ست رقية من البرد و احنا هنخلص ونعدي عليك المفاتيح وشغل اليوم.

_ لا يا اسطى ميصحش وبعدين انا هقفل معاكوا وبعدين ادخل.


_ اسمعي الكلام يا رقية يا بنتي وأدخلي لأخواتك الجو برد عليكي كمان عشان الجو ليل وأخواتك ميبقوش لواحدهم.


"توفيق" رجل خمسيني كان معاون وصديق لوالدها بالعمل بالورشة، فهو من كان يديرها من الأساس بينما الأخر فكان منشغل بأعمال أخرى.

_ متخافش يا عم توفيق اخواتي بت.....


وقبل أن تنتهي من حديثها وجدت موتوسيكل يتوقف أمام الورشة ... ثلاثة رجال يدخلون بطريقة همجية مخيفة وبدون كلمه واحدة ازاحوا العاملين من أمامهم ودخلوا يبحثون هنا وهناك حتى  اندفع إليهم الرجل الكبير وتحدث بحدة لعجرفتهم.


_ الاه!! مين انت وهو وعايزين ايه من هنا في ساعه زي دي؟!

لم يعيروا له انتباه 

وقفت "رقية" من خلفه قائلة بحدة يشوبها الخوف وهي تعتقد أنهم هؤلاء الشباب الذين يقفون لها ولأخواتها ليعترضوا طريقهم عند المنزل كل مساء 

_ انت .. انت وهو، انتوا مين وعايزين ايه؟


ظلوا يبحثوا بالورشة وما يجدوا بطريقهم يلقوه بعيداً بلا إهتمام فنظر الشابان العاملان بالورشة لبعضهم ثم اتجهوا إليهم ليوقفوهم وبدؤوا بالاشتباك معهم وسط هَلع "رقية" مما يحدث ولكن أخرج واحد منهم مسدسه وصوبه باتجاههم فأبتعدوا عنهم وظلوا على ما يفعلونه حتى انتهوا ولم يجدوا شئ مما أتوا من أجله فأتجهوا إلى"رقية" يسحبوها من ذراعيها من خلف الرجل الكبير والصقوا ظهرها بالحائط وتحدثوا بفجاجة رغم خوفها الواضح على وجهها:

_ البضاعة فين...البضاعة فين انطقي.


حاولت فك يده من حولها وتحدثت برعب دق قلبها واستقر به من بعد وفاة والدها وملاذها الوحيد بالحياة:


_ بضاعة ايه اللي بتتكلم عنها، أنا..أنا معرفش حاجة.


رفع يده لأعلى لينزلها على وجهها بقوة، لكن وقف أمامه أحد العاملين يحاول ابعاده، اشتبك الإثنان من جديد بجنون وهما يصرخون بها.


_ انتوا هتستعبطوا، الحاجة فين ياروح أمك انت وهي؟


يصرخ ويصرخ وعينيه على الواقفة بتجمد، نظر لخوفها بجنون فأقترب منها يحاول الوصول إليها من بينهم، ولكنها أسرعت تختبئ خلف الرجل المسن، وقفوا رجال الورشة أمامهم ليحموا "رقية" من ايديهم وهنا وبذلك الجنون صوب أحدهم سلاحه الناري عليهم فخرجت منه طلقة نارية.


!!!!!****!!!!!*****!!!!!!!


_ ومن وقت قتل منصور وشركائه وأعوانهم بيدورا على المخدرات وبيحاولوا يترددوا على أولاده لحد ما جالنا البلاغ ده.


أمسك بيده ورقة يقرأ عليهم ما بها:


_ بلاغ من مستشفى المحافظة العام يفيد ان رجل خمسيني جاء في حادث طلق ناري من مجهولين.


ثم نظر لهم وقال:


_ ومن خلال البحث والتحريات عرفنا ان البلاغ ده يخص ولاد منصور والحادث في ورشته، يعني القضية اللي الجهاز شغال عليها بقاله شهور وهي تطهير المنطقة  من العصابات دي.


سأل "تميم":

_ وطبعاً المهمة يا فندم الحصول على المخدرات دي والقبض على التجار دول.


رفع "اللواء" سبابته موضحاً:

_ مش بس كدة يا تميم .. احنا حاليًا منعرفش العصابة دي بتفكر في ايه ولا طريقة تعاملها الفترة الجاية هتبقى ازاي... هما دلوقتي متجننين بالبضاعة اللي كانت عند منصور ومش عارفين يوصلولها...عشان كدة من ضمن مهمتكم حماية ولاد الراجل ده، منعًا لحدوث كارثة جديدة، وعشان كدة الخطة هتكون كالتالي.


سأل "بدير": 

_ ايه الخطة يا فندم؟


نظر بالأوراق أمامه، ثم أخرج منها ملف بغلاف رمادي وفتحه وأعطاهم نسخته وهو يسرد عليهم ما به:


_ إياد منصور المهدي، من خمستاشر سنه تقريباً قرر يسافر بهجرة غير شرعية وللأسف زيه زي كتير من الشباب والمراهقين في الوقت ده ملحقش يخرج بره البلد وغرقت بيهم المركب اللي كانوا مسافرين بيها زي بالظبط الحوادث اللي كانت منتشرة في الوقت ده وتوفى، ولما اتعرفنا على هويته وبعتنا لأهله لقيناهم نقلوا بعد سفره علطول وسابوا البلد كلها واستقروا في اسماعيلية، مكانهم دلوقتي، ولحد دلوقتي هما ميعرفوش عنه حاجه ولا يعرفوا بوفاته.


نظر الثلاثة باهتمام للملف والصورة الموضحة به؛ شاب مراهق بالخامس عشر من عمره، متوسط الطول، عيون لم يتبين لونها اذا كانت سوداء قاتمة أم فاتحة فتتدرج للون العسلي، ملامحه حادة، يبدو عليها عدم الارتياح.


 سأل "حسام" مستفسراً:


_ وده يا فندم ايه علاقته بالمهمة؟


_ ده بقى أساس المهمه يا حسام ، وعايزكم تركزوا معايا في اللي جاي قوي وتسمعوني كويس، عشان التنفيذ هيبقى على الفور، خلاص مفيش وقت نضيعوا.


!!!!*****!!!!!*****!!!!!!!


ليلاً، تحديداً الثالثة فجراً، تجلس هنا بمفردها بصالة المنزل وعينيها على الباب، تنظر له بخوف شديد، فهذا أصبح حالها من بعد ما حدث، مررت يدها على وجهها بتوتر ثم نهضت تقترب من الباب لتأكد على مقافله جيداً، نظرت للكرسي الكبير الموضوع خلفه والأنبوبة الثقيلة، ثم أسرعت لطاولة متوسطة الحجم احياناً يذاكر عليها الصغيرين وبضعف حالتها حاولت جرها و وضعتها خلف الباب مع باقي تلك الأشياء،ثم عادت محلها مرة أخرى، تتذكر والدهم الذي ما مر على وفاته سوا شهرين فقط وحدث لهم ما حدث، همست "رقية" بحزن شديد ويأس في نبرتها:


_ الله يرحمك يا بابا، روحت وسيبتنا لكل ده، مبقتش عارفة أنام من الخوف والرعب.


ثم زفرت بقوة تحاول حبس دمعاتها، تكوم ركبيتها لصدرها وتهبط برأسها عليهم بغلب


_ أعمل ايه بس، أعمل ايه.


رفعت رأسها تمرر يدها المرتعشة على وجهها أكثر من مرة وتتذكر ما حدث بذلك اليوم المشئوم، الذي ومن بعد ما حدث به أصبح ليلها صقيع من البرد الناتج عن عدم الأمان، ونهارها بحث عن مصدر عيش لها ولأخواتها.


فبعد ذهابهم المشفى بعدما حدث بالورشة وإصابة عم "توفيق" تركتهم جميعاً بالتحقيق، وأسرعت تركد وتأخذ الطريق بانهيار، فكل ما حدث يشير بأن من في البيت بالتأكيد ليسوا بخير.


!!!!!*****!!!!!****!!!!!***!!! 


تجلس "أحلام" بينهم بينما هما يرددون خلفها وهم يتلاعبون بأصابعهم دون تركيز.


_ تاني قولوا ورايا..cat.


رددوا خلفها بصوت عالي، فهتفت هي مرة أخرى:


_ cat

وهنا نظرت لها الصغيرة ونهضت بشقاوتها وأتت من خلفها تقتربت من أذنها تصرخ بصوتها الطفولي:


_ caaaaaaat.


ثم أسرعت تجري بعيدًا، صرخت "أحلام" وسط ضحكات الصغيرين، والتي كادت ان تختفي من ذلك البيت من بعد وفاة والدهم لولا وجودهم.


نهضت "أحلام" تجري خلفها وهي تتمتم بوعيد لتلك الصغيرة التي كانت تجري أمامها وتضحك، بينما الصغير الأخر يقفز وهو يسقف بيديه بتشجيع لهم.


ولكن قطع ذلك الضحكات والمرح، طرق عنيف على باب المنزل، أسرعوا الصغيرين بخوف من ذلك الطرق المرعب.


ضمتهم "أحلام" إليها وهي تتمتم بخوف:


_ خير اللهم اجعله خير، مين ممكن يخبط كدة دلوقتي.


الطرق يزداد حتى كاد الباب أن ينكسر، صرخ الصغيرين برعب، فهمست "أحلام":


_ فينك يا رقية، اتأخرتي كدة ليه النهاردة!!


صرخ الثلاثة معاً برعب عندما فُتح الباب بقوة حتى كاد أن ينكسر، وهجموا يبحثون بكل إنشٍ بالمنزل، ويلقون بالأشياء هنا وهناك دون اهتمام،حتى أصبح المنزل كتلة من الخراب.


بينما تقف "أحلام" والصغيرين متشبثين بساقها متجمدين الثلاثة برعب، حتى أقترب منها بعنف أحدهم يصرخ بها بعدما جلبها من ثيابها بقسوة:


_ الحاجة فين، الحاجة فين انطقي أحسنلك، الحاجة والفلوس فين؟


صرخت "أحلام" برعب تحاول الفكاك من قبضته وملامحه التي تبث شر بوجهها:


_ حاجة ايه، والله ما أعرف حاجة، ومش معايا فلوس، مصروف البيت مع رقية.


_ انتي هتستهبلي!!!


ونزل على وجهها بكفة بقوة حتى سقطت أرضاً غير قادرة حتى على الصراخ.


انحنى يسحبها له بعنف من الأرض وأكمل صراخه بوجهها ويده تقبض على ملابسها بعنف.


_ البضاعة والفلوس فين، انطقي أحسن اولعلكوا في البيت ده باللي فيه.


تساقطت دموعها بغزارة من قسوة ضربته وهول الموقف واخذت تكرر وتقسم بارتعاش في صوتها:


_ والله.. والله ما أعرف حاجتك فين وفلوسك، والله والله....


لم تكمل حديثها فأمسكلها من خصلاتها بقوة.


_ استهبال مش عايز، انطقي ياروح أمك أبوكي كان بيخبي شغله فييين!!!!


ظلت تصرخ وتبكي مع صراخ وبكاء الصغيرة والتي تكومت على نفسها نختبئ من ذلك المنظر المرعب خلف باب المنزل برعب، أحس بشئ يدق بساقه من أسفل، فنظر وجده الصغير يضرب ساقه بيده الصغيرة حتى يترك أخته، نظر له بشر، فشعر الصغير برعب وتراجع للخلف وهنا ترك "أحلام" يلقيها عالأرض بقوة، وانحنى يسحبه من الأرض بعنف.


أسرعت اليه "أحلام" تصرخ به وتحاول التشبث بيده الحاملة للصغير الذي يبكي ويصرخ:


_  سيبه ...سيبه ...ده أخويا الصغير وميعرفش حاجة...حرااام عليك.


وهنا وبمنتهى الجنون القاه بقوة من أعلى على الأرض.


صرخ الصغير حتى لامس الأرض بذلك العنف وهنا قطع النفس، أسرعت اليه "أحلام" بينما هما فنظروا لبعضهم بقلق عندما رأوه قطع الصوت والوعي فاجأة، وأشاروا لبعضهم وخرجوا من البيت سريعًا.


تجري وتجري هي وكل ما يدور بخاطرها هما، اقتربت من المنزل وهنا وجدته مفتوح على أخره، أسرعت في خطواتها حتى دخلت، وجدت الجيران يلتفون بالمدخل، فدق بصدرها الرعب، وظلت تبعدهم بيدها وبعيون مُتسعة نظرت لذلك المشهد المميت، فوجدت "أحلام" جالسة أرضاً تصرخ وتبكي حتى تجمع حولها الجيران وبأحضانها الصغير فاقد للوعي تماماً، وبعد ذهول لعدة ثوانٍ أقتربت سريعاً تحمل الطفل بين ذراعيها وتسرع بخطاها للمشفى.


رفعت "رقية" راسها تجفف ذلك السيل من الدموع وهي على نفس جلستها، وهمست بضعف وذلك المشهد يدور بعقلها:


_ أعمل ايه يا ربي... أعزل من هنا وأخدهم وأمشي..بس هروح فين.. هروح بيهم فين بس .. وازاي هلاقي الأمان وأعرف أنام تاني واحنا لواحدنا .. ياريتني ما كنت أنا الكبيرة... حاسه برعبي وخوفي ده اني أصغر ما فيهم.


ثم همست ببكاء مرير نابع من رجفت صوتها:

_ نفسي أنام...نفسي أنام يارب وأحس بالأمان زي ما كان بابا هنا...موجود ...ازاي يارب بس.. ازاي.


ثم وضعت رأسها بين كفيها بقلة حيلة وضعف وجسدها يرتجف خوفًا وهلعًا وهي تتذكر عندما عادت من المشفى حاملة الصغير على يدها بعدما تم انقاذه بأعجوبة وبحمد الله وستره، دخلت المنزل المفتوح، فوجدت الجيران تفرقوا، بعضهم ذهبوا لها عالمشفى والبعض الآخر دخلوا بيتهم فالوقت متأخر للغاية، دخلت وخلفها "أحلام" التي لازالت دموعها على وجهها تبكي بمرارة وألم.


وضعت "رقية" الصغير على فراشه تقبل جبهته وتداسره بالغطاء جيداً، ثم التفتت إلى"أحلام" بعدما نظرت حولها بقلق


_ أحلام...أختك فين؟


نظرت " أحلام" حولها ثم خرجت من الغرقة تبحث بالمنزل بعجالة، ثم صرخت بوجه "رقية".


_ الحقيني يا رقية، أميرة مش في البيت.


أسرعت "رقية" تسأل جيرانها والذين أخبروها أنهم عندما خرجوا من البيت لم يكن أحد به، عادت "رقية" للمنزل تبحث عنها هنا وهناك.


_ دوري في أوضتك يا أحلام تكون نايمة.


صرخت بها "رقية" وهي تذهب لغرفتها، نظرت بها لم تجدها ولكن عند خروجها سمعت صوت أنين.


توقفت "رقية" مكانها ثم نظرت بداخل الغرفة مرة أخرى، ودخلت تبحث هنا وهناك عن مصدر الصوت، وجدته يأتي من تحت الفراش.


فنزلت على ركبتيها تنظر أسفله وهنا الصوت بدأ أن يعلو واستمعت لصوت الصغيرة الباكي الخائف:

' لأ لأ م..معملتش حاجة..اااه..الحقيني يا رقية..يا أحلام هيموتني زي زياد ..يا أحلاااام.


اانحنت "رقية" أكتر ومدت يدها تحاول سحبها من تحت السرير.


_ متخافيش، متخافش يا ميرا ، أنا رقية يا حبيبتي متخافيش.


لكنها ظلت تصرخ وتصرخ بصوت أعلى وتبتعد عن الايد الممدوده لها:


_ مش تموتوني... والله ، والله ما عملت حاجة ، يا رقية يا أحلام ، هيموتني زي زيااااد.


ضغطت "رقية" عينيها بشدة ثم نهضت تصرخ بالنداء على "أحلام" وبدأوا يسحبوا الفراش للأمام، مع صراخ الصغيرة والذي لا يتوقف، ظلوا يبعدوا حتى ظهرت.


أسرعت اليها "رقية" وجدتها تبكي ومنكمشة على نفسها بعد إزاحة ذلك الساتر عنها تخبئ وجهها بين ذراعيها وركبتيها ومازالت تصرخ بتقطع وأنفاس مقطوعة:


_ لاااا لااااا، مش عملت حاجة..مش عملت حاجة.


حاولت "رقية" فك ذراعيها الصغيرين من على وجهها وأجبرت نفسها على التوقف عن البكاء وقالت بصوت حاولت جعله رائق:


_ أنا رقية يا ميرا، انا رقية طب..طب بصيلي كدة...بصيلي.


وبعد معاناة فكت يدها، وبرعب وصراخ نظرت لها وصرخت وهي ترتمي بحضنها عندما رأتها وأخيراً صوتها وصل لأذنها:


_ رقية، ز..زياد ..زياد مات، مات يا رقية، ..الراجل الشرير ...ااا ضرب أحلام و..وقتل زياد..


ربتت ""رقية" عليها بعدما أخذتها تحتويها بحضنها


_ لأ لأ زياد كويس وأحلام كويسة والراجل الشرير خلاص مشي حتى قومي معايا، قومي شوفي.


نهضت تخرج من الغرفة، بينما تقف "أحلام" واضعة يدها على فمها تكتم شهقاتها.


دخلت "رقية" غرفة الصغير ومازالت تربت بيدها عليها لتهدئتها وتبثها بكلمات مطمئنة:


_ تعالي، تعالي يلا نطمن عليه.


نظرت الصغيرة بعيونها البريئة الغارقة بالدموع وشهقاتها التي تكاد توقف قلبها لأخيها النائم بالفراش، ثم نظرت إلى"رقية" بلهفة وهدرت من بين شهقاتها التي غير قادرة على ايقافها:


_ ز..ز...زياد ..زياد يا رقية...ع..عايش؟


ومن يومها والصغيرين يفزعون ليلاً بنومهم ولذلك تنام معهم "أحلام" بينما "رقية" فتسهر هنا يهرب النوم من خوفها ورعشت جسدها، تظل مستيقظة وكأنها تحرصهم خوفًا من أن أحد يقتحم المنزل وهم نايمين.


_ رقية، انتي لسة صاحية؟!


فزعت"رقية" لنداء "أحلام" التي تخرج من غرفتها بتعاس بعينيها.


_ اه يا أحلام، عايزة حاجة؟


اقتربت منها "أحلام" تجلس بجانبها وقالت بهم:


_ هنعمل ايه يا رقية، الورشة من بعد اللي حصل مقفولة والبيت مبقاش فيه أكل ولا فلوس، أنا خايفة ييجي علينا وقت منعرفش نأكل أخواتك الصغيرة.


تنهدت "رقية" فهي تعلم كل ما تقوله "أحلام".


_ مش عارفة، من بعد اللي حصل لعم توفيق في الورشة والعمال خايفين يقربوا منها.


ثم نظرت لأختها.


_ وعم توفيق ربنا يشفيه لسة ايده بتوجعه ومش ممكن يشتغل دلوقتي، ده، ده يعني لو رضي يشغلها تاني، أنا حتى.....


صمتت فاجأة تلتفت للباب عندنا سمعوا الإثنين خبط بذالك الوقت وبتلك الساعة المتأخرة، نهضت "أحلام" تهمس برعب:


_ رقية، مين هييجي دلوقتي... الساعة 3 الفجر، ليكونوا هما تاني جايين يموتونا المرادي.


#٣٦٥_يوم_أمان


اه يا ترى مين ممكن يخبط عليهم بالشكل ده في الوقت ده..تتوقعوا ميت يا تراا؟؟


وايه الخطة اللي هينفذوها التلاته عشان يحموا النبات ويلاقوا المخدرات...ولا رقية واخواتها هيفضلوا مرعوبين كدة من غير ٣٦٥ يوم أمان🫣؟؟


وعلى فكرة إحنا كدة لسه بنفتتح أول قصة معانا لسه في عظمة جااايه بس الصبر بقااااا♥️♥️♥️♥️🔥🔥🔥


شكلنا كدة داخليين على شغل جااامد بحق وحقيقي يعني ♥️♥️😂🤌


ده أول باارت معاناااا رايكو بقى عشان هستناه بجد وهقرا كل التعليقات♥️♥️🥹 ويارب تكون عجبتكم...استنوا البارت الثاني بكرة باذن الله في نفس الميعاد 9 برضو... يلا قراءة ممتعة ❤️🥰


   يمكنك متابعة صفحتي على الفيس بوك 👇

                 👈 الانضمام 👉

او الانضمام علي جروب الفيس بوك 👇

       👈👈 جروب الفيس 👉👉

👆👆👆👆

✍️لقراء الفصل الثاني من 365 يوم أمان هنا 👇

                //// الفصل الثاني  👉


✍️ لقراءه رواية ٣٦٥يوم امان من هنا 👇

            👈 365 يوم امان 👉

#رانيا_أبو_خديجة

تعليقات
5 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة