رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل الستون بقلم رانيا أبو خديجة
رواية 365 يوم أمان
الفصل الستون
#٣٦٥_يوم_أمان
#رانيا_أبو_خديجة
يسير بالرواق بخطوات ثابتة، حامل ذلك الملف المطوي بين أصابعه وكأنه يعلم بأنه أخر ما يربطه بهناك. اقترب من المكتب المنشود، توقف فجأة يقطب حاجبيه برفضٍ وعدم رضا عما يسببه لقلبه من عذاب بما يفعل وحتى إن لم يفعل، زفر بحيرة ونار يزيد اشتعالها بداخله مع كل خطوة يخطوها اتجاه المكتب رغمًا عنه، لكنه يعلم، العمل ومصلحة تلك البلدة وإنقاذها مما تغرق به لهو أهم ألاف المرات من مشاعره المختبئة اختباء أشبه بالحبس الأبدي، فهي لن تكن لهو حتى بعد مرور الأمر وإتمام تلك المهمة، يعلم علم اليقين بأنه غارق بها وبعذاب إحساسه المشتعل بعشقه لها والذي لم يختبره قلبه ومشاعره إلا على يدها، بينما هي لم تراه من الأساس سوى شقيق، شقيق!!
اتجه يقف بغضب يستند بكفيه إلى حافة سور الدرج يغمض عينيه بقسوة حتى ضرب بقبضته على حافة السور يريد الصراخ برفض يصل لأعماق قلبه بكل ما يختلج به صدره، لم يعلم لما الآن يصاب بتلك المشاعر المتوهجة، يتذكر مرارًا في مهماته يقابل الكثيرات ومنهن الفتيات اللواتي يبدين الإعجاب الشديد به، لكنه دومًا لا يبالي بل يتجاهل ليصب جم تركيزه على عمله ومهماته التي ما دومًا تنتهي على أكمل وجه ليعترف الجميع بعدها بتركيزه الشديد بأدق التفاصيل التي تمر عليه، يعرف عنه الإنتباه الشديد لكل ما يجري حوله من تفاصيل دقيقة وجده واجتهاده لإنتهاء كافة المهمات على وجه يفوق النجاح بكثير.
قبضت أصابعه يزفر بعنف يخرج طاقة نارية في حركات جسده وتعبيراته حتى تجعد الملف أسفل أصابعه لم يعلم ماذا دهاه تلك المرة والتي لا توصف سوى بأنها مستحيلة، لتجعله يصب كامل تركيزه على تلك الدوامة تاركًا عمله الذي يقسم أنه لم ينشغل عنه مطلقًا طوال حياته، حرك رأسه في نفي صريح يعزم على سحق كل تلك الأفكار حتى تختفي من داخله تمامًا ليعود لسابق عهده لا يهتم سوى بعمله ووالدته وشقيقته، لذلك عليه بالإنشغال بعمله ترقياته واحدة تلو الأخرى كالمعتاد فقط، لا يريد المزيد.
انتبه فجأة من شروده على زميل له هنا يمر عليه يلقي عليه التحية فاستدار إليه مبتسمًا رغمًا عنه اقترب الآخر منه يحتضنه باشتياق ويحدثه قليلًا عن أمور الإدارة وماجرى بها في غيابه وعمله بخارجها الأشهر الماضية، كان "حسام" يستمع إليه يومئ برأسه في صمت ويشك إن كان قد استمع إليه في شيء مما قال، ثم تركه ورحل بعد أن أخبره بأن سيادة اللواء الذي جاء لمقابلته يستقر الآن بمكتبه ومباشرة عمله، تنهد بقوة قبل أن يتقدم من باب المكتب ويطرقه ثم دخل.
ظل جالس صامتًا، بينما ينهي الآخر ذاك الملف أمامه مبتسمًا منذ أن رأه ونهض يتقبل تحيته بحرارة وحبٍ وفخر. أغلق الملف أمامه ثم رفع عينيه إليه قائلًا:
_ خير يا حسام، إيه الجديد عندك؟
رفع الملف يقدمه إليه قائلًا بثبات:
_ دا ملف فيه كل التقارير اللي حصلت عليها من يوم ما طلعت العملية دي لحد النهاردة، كل المعلومات والتفاصيل اللي حضرتك ممكن تسأل عنها...اتفضل.
التقط الملف من يده يتطلع إليه ويدور بين صفحاته مع إماءاته الراضية المستمرة ثم قال:
_ كويس.
ثم عقد حاجبيه وتابع دون أن يرفع عينيه إليه:
_ مش ملاحظ إن تركيزك وشغلك في أول كام شهر كان رائع وتقريبًا كل يوم فيه جديد.
ثم رفع عينيه إليه وتابع وهو يشير لأخر الصفحات:
_ لحد أخر كام شهر، تقريبًا مفيش جديد ولا حتى....
صمت يعقد حاجبيه بشدة أكبر وعدم فهم يلتقط تلك الورقة الأخيرة الملحقة بالملف بنهايته ورفعها عن الملف يتطلع إليها بتركيز ثم قرأها على مهل حتى رفع عينيه إليه ببطء وقال وهو يرفع الورقة إليه:
_ إيه دا !
تنهد "حسام" بقوة ثم رفع عينيه إليه وقال بإصرار ينم على تفكير طويل وقد اتخذ قراره النهائي أخيرًا:
ـ أنا مش راجع الإسماعيلية تاني يا فندم.
تطلع إليه يقطب حاجبيه بعدم فهم لما تفوه به فتابع منهيًا حيرته:
_ دا اعتذار عن استكمال العملية، أنا بعد إذن سيادتك شايف إني مش هقدر أكمل هناك، أنا أسف، لكني مش راجع تاني..مش قادر.
صمت اللواء للحظات ثم استند بمرفقيه إلى سطح المكتب وقال:
_ لأ مش فاهم، انت جاي تعتذر عن شغل مكلف بيه!! من امتى الكلام دا يا حسام!!
صمت قليلًا يرف بأهدابه عدة مرات يحاول تدارك مرارة فشله لأول مرة بعد سلسال طويل من النجاحات والترقيات، ثم عاد بعينيه إليه وتابع بعد أن ابتلع مرارته بقسوة تذوق ألمها كاملًا رغمًا عنه:
_ أرجو حضرتك تعفيني من التفاصيل، غصب عني دا قرار نهائي.
ثم تابع بعد أن لاحظ غضب الآخر المتصاعد تدريجيًا بعينيه:
_ المهمة والخطة الموضوعة ليها ...شايف إنها مكنتش أنسب حاجة من البداية.... أنا أسف.
تراجع في مقعده يرجع ظهره للخلف رافعًا رأسه بحدة قائلًا:
_ آه، وأنت بقى شايف إيه العمل دلوقتِ، خصوصًا بعد مجيك لهنا واعترافك انك فشلت في شغل مكلف بيه من شهور طويلة.
ثم رفع عينيه لأعلى بتذكر وتابع:
ـ داخلين على سنة في قضية مش عايزه تتقفل ولا تخلص عشان البيه اللي هو سيادتك اكتشف فجأة إن الخطة كانت محطوطة غلط، ومش أنسب حاجة للمهمة!!
تنهد بقوة يتضاعف ألم صدره قائلًا بنفاذ صبر وعدم قدرة على تحمل المزيد:
ـ من فضلك يا فندم....
قاطعه بحدة يضرب على سطح مكتبه بغضب:
ـ حسام!! أظبط، واعرف انت بتقول إيه، هو شغلنا فيه التردد والهزار دا!! انت سامع نفسك بتقول إيه وبعد كل المجهود دا منك ومن زمايلك والجهاز كله اللي مستني إنتهاء قضية زي دي، قضية هتسمع في البلد كلها وكل الجهات اللي هتشيدلك وتشيد للجهاز كله بعد منك، كل دا رميه ورا ضهرك، وجاي تقولي مش قادر أكمل وكلام فارغ من دا، مش فاهم منك ولا كلمة!! جرالك إيه؟!!
ـ يا فندم باختصار شديد... أنا بعترف بفشلي وبعتذر عن القضية دي.
ضرب الآخر بقبضتبه بقوة عدة مرات حتى يفيقه مما هو عليه، لكنه عاد يتابع بإصرار:
_أنا مش راجع الاسماعيليه تاني، مبقاش ينفع ولا بقى فيه منه فايدة، أنا بقيت حاسس إني بضيع وقت، أنا بعترف قدام حضرتك اني فشلت وياريت حضرتك تشوف طريقة تانية للقبض على المجموعة دي، وانهاء القضية على خير نتيجة.
ثم رفع عينيه وتابع بتأكيد يشدد على كل حرف:
_ بس ياريت يكون بأي سبيل غير إتخاذ ولاد منصور كطعم أو وسيلة، دول ملهمش ذنب ولا عندهم فكرة عن حاجة أبدًا تخص القضية دي...من فضلك يا فندم.. صدقني دا رجاء في مصلحة القضية قبل ما يكون في مصلحتهم.
عاد يرفع قبضتيه عن سطح مكتبه يتراجع في مقعده، يتطلع إليه طويلًا بعد أخر ما تفوه به حتى اهتزت عيني الآخر ينحرف بهما عن مجرى عينيه يتطلع أرضًا، حتى نهض وسار إتجاه عدة ملفات ملقاة على حافة طاولة هناك، وبحث بينهم قليلًا حتى لاحظ "حسام" فالتفت إليه ثم قال بتهذيب:
_ حضرتك بتدور على حاجة...أساعدك؟
ثم أشار على العديد من الملفات المرتبة بمكتبة عمودية في الحائط بعيدًا وقال:
_ أدور هناك أساعد حضرتك.
حرك رأسه بنفي قائلًا ومازالت يديه تبحث باهتمام:
_ لأ ملحقش ينتقل لهناك، دا لسة جايلي من كام يوم.
عقد حاجبيه وعاد يعتدل في جلسته، بينما تقدم الآخر يلقي بتلك الورقة أمامه بعد أن سحبها من أحد الملفات وقال ومازال واقفًا يحدق به:
_ اقرا البلاغ دا كدا؟
تطلع إليه قليلًا ثم التقط الورقة فتابع الأخر وعينيه تحدق به بقوة:
_ دا بلاغ جالنا من يومين، انت عارف مفيش أي حاجة بتحصل في القسم هناك إلا ولازم توصلنا بيها تقارير هنا، ودا من أهم ما جالنا الفترة اللي فاتت.
أخفض "حسام" عينيه بيأس وملل من أي تفاصيل تخص هناك، لن يريد التحدث في أي عمل يخص تلك القضية بأكملها، لكنه سريعًا ما بدأت عينيه تتوسع تدريجيًا عندما التقطت عينيه إسمها المدون بالبلاغ فاستقر عنده طويلًا يبتلع ريقه بقلقٍ قبل أن يخفض عينيه لباقي الأسطر وبحركة انفعالية حادة نهض ومازالت عينيه منكبة على الورقة فقال الواقف يحدق بانفعالاته المتتالية بقوة وعيون ضيقة:
_ مش محتاج أقولك إن اللي حصل دا لولاد منصور واللي لسة هيحصل كله هيبقى بسببنا وبسبب الخطة اللي بدأت ومكملتش...ولا انت رأيك إيه؟
رفع عينيه الواسعة القاسية إليه وصدره ينخفض ويرتفع بلهاث قوي، بينما توهجت ملامح الآخر بغضبٍ عندما لمح تغيير جزري بتقاسيم وجهه من البرود ولامبالاة متناهية إلى ذلك الغضب والانفعال الواضح بشدة بعينيه المشتعلة بالغضب والقلق المفاجئ، يسحب الورقة من يده يلقيها أرضًا بإهمال وقبض على مقدمة قميصه يهزه بعنف قائلًا بعنف وقسوة وكأنه والد يعنف ولده الذي ارتكب جرم للتو بحقه وحق مستقبله لا مباليًا:
_ انت اتجننت!! فيك إيه قولي!
ثم هزه بعنف وتابع:
_ لما صاحبك لمحلي بمجيك وسبب تطويلك في الإجازة المرة دي مصدقتش!! من امتى!! من امتى بنسيب عواطفنا تسوقنا وننسى شغل يتحكم في أرواح ومصاير ناس!! فوق وإلا وقسمًا بالله أخد قرارات وأحكام ضدك انت مش قدها، دا لو محتاج تتربى من جديد على هنا وتعرف يعني إيه تدريبا كلية الشرطة من أول وجديد.
أخفض رأسه يلهث بعنف غير قادر على مواجهته بعد علمه بوصول تلك المناطق السوداء المختبئة بداخله إليه ظاهرة بذلك الوضوح المخزي، حتى اهتز يتفاجأ بضربة قوية بصدره يليه كلماته القاسية الحادة:
_ دا ميحسش إلا للشغل وبس...للمهمة الرسمية اللي انت فيها وبس، مستقبلك يا غبي اللي هتخسره في شوية استهتار ومشاعر مشتعلة غبية شوية وهتنطفي وترجع انت تندم على اللي عملته في نفسك وفي الإدارة كلها.
ابتعد عنه يلهث بقوة بينما ظل "حسام" واقفًا مخفض رأسه مذنب، حتى استقرت عينيه على تلك الورقة الملقاة أرضًا فألتقطها ثم عاد بنظره إليه نظرة أخيرة خجولة متخاذلة واتجه لباب المكتب ينوي المغادرة لكنه توقف عندما هدر الآخر صارخًا بإسمه من خلفه، التفت إليه فاقترب وقال بتأكيد يرفع إصبعه بعنف وتحذير بوجهه:
_ قدامك شهر، مش أكتر من شهر وتكون جايب أخر القضية دي، وبعديها ترجع الظابط حسام الكفء اللي مستني تكريم من الإدارة كلها على نجاح غير مسبوق في قضية كبيرة زي دي.
تنهد بقوة يستقيم ظهره متابعًا:
_ مستني قضية جديدة تحط فيها كامل تركيزك من جديد وغيره وغيره لحد ما توصل للي أبوك ياما اتمنى توصله في يوم من الأيام...مش هتفشل.. وأنا هنا ومش هسمح بدا...سامعني؟
ظل واقف يستمع إليه ثم رفع عينيه إليه أخيرًا قبل أن يتجه للباب ويخرج منه يغلقه خلفه بهدوء ميت.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
انتهى من أخذ الحمام الخاص به، بعدما أنهى ترتيب كل ما طالته يديه بالبيت، كما ملء المبرد بكل أنواع الطعام المعلب، دخل الغرفة ويديه تسحب القطعة القطنية ذات أنصاف الأكمام لأسفل يرتديها على مهل، كانت شفتيه تتحرك بهمس وهمهمات متتالية وعينيه على تلك النائمة غارقة في سبات عميق، أطال الوقوف أمام الفراش قليلاً ومازالت شفتيه تتمتم حتى تحرك يخرج سجادة صلاة من تلك الحقيبة الخاصة بملابسه ووضعها على الأرض يقف بعد انتهائه من أذكار بعد الوضوء استعدادًا للوقوف للصلاة، وقف يرفع يديه مع تغميضة عينيه بخشوع لم ينكر بأنه جديد عليه منذ فترة.
كانت قد أحست بحركة في الغرفة فتململت في نومها تعقد حاجبيها بشدة مع الإطباق الشديد على شفتيها واضعة كفها على بطنها بألم، حاولت الاعتدال قليلًا قبل أن تفتح عينيها ببطء وإعياء، حركت رأسها على الوسادة تأن بألم حتى وقعت عينيها عليه أرضًا في وضع السجود، توقفت عينيها هناك كثيرًا حتى ارتفع رأسها عن الوسادة بغير إدراك منها تحدق بذلك المشهد الغريب على عينيها بينما يتنافى بشدة على عقلها كي يصدقه، هزت رأسها في حركة خفيفة بعيون ذاهلة فتلك اللقطة لا تتوافق تمامًا مع تلك الصورة الملتصقة بعقلها لذلك الشاب الأناني المستهتر، عديم الضمير والمسؤولية متلاعب بالفتيات حد الإيقاع بهم وبحياتهم!!
التوت شفتيها في حركة ساخرة، يفعل كل ما فعله ثم يقف بين يدي الله يصلي!! تناقد يمكنه أن يحدث خاصتًا مع شخص غريب الأطوار مثله.
لكنها عادت تعقد حاجبيها عندما أطال في سجوده، لم يرفع رأسه منذ أن فتحت عينيها ورأته على وضعه وكأنه بينه وبين مَن يسجد إليه سبحانه وتعالى حديث طويل ومناجاة لا تنتهي، حتى نهض متمهلًا ارتفع حاجبيها فجأة تحاول أن تحدق ترفع رأسها أكثر بقدر ما تستطيع لترى تلك الدمعات المضيئة على أحد وجنتيه، ارتفع كفه يمرره على وجنتيه معًا في حركة متمهلة كتمهل جميع حركات جسده في صلاته وكأن ذاك التهور وجنون السرعة الخاص بشبابه قد ولى وانتهى بأبشع النهايات.
عادت سريعًا تخفض رأسها للوسادة تغمض عينيها لوهلة عندما وجه وجهه يمينًا ثم يسارًا ينهي صلاته. مرت دقيقة حتى عادت تفتح عينيها بحذرٍ لتجده مازال جالس على وضعه مغمض عينيه يتمتم بشفتيه بهمس غير مسموع بينما كفيه مرفوعين قليلًا في وضع تضرع ورجاء حتى انتهى يمرر كفيه على كافة وجهه ثم نهض يلملم السجادة من بعده، يلقيها على ذات الحقيبة الخاصة به التي أخرجها منها.
ظل واقفًا عينيه عليها طويلًا ثم اقترب منها جلس بجانبها على حافة الفراش يتطلع إليها نائمة ثم اقترب يزيح عنها الغطاء جانبًا وبحركة يده عليها توقفت أنفاسها بترقب وقلق... ماذا يريد!!
ثم رفع جانب سترتها يكشف عن جرحها وبأصابع حنونة مراعية للغاية أزاح الغطاء الطبي المكون من قطنة كبيرة الحجم وشاش على جرحها، عبس بملامحه يعقد حاجبيه بألمٍ عندما وقعت عينيه على جرحها المفتوح والذي بالتأكيد سوف يترك ندبة بعد التأمه، أغمض عينيه يزفر لحظة قبل أن يلتقط بيده المطهر من جانب الفراش ومرر قطنة عليه يطهره جيدًا، رغم ألمها الذي جعلها تحبس أنفاسها تضغط شفتيها معًا بقوة إلا أنها مازالت تدعي النوم حتى اقترب بقطنة مليئة بالمطهر يمررها برفق على الجرح، لهنا لم تستطع القدرة على منع نفسها من أن تأن بألم متوجعة، توقفت يده يرفع عينيه عن جرحها إلى وجهها وجدها مازالت مُغلقة عينيها تضغطهم بشدة فرفع كفه على شعرها يربت بحنان حتى سكنت ثم عاد لجرحها من جديد فعادت تتململ حتى تأوهت بصوت غير قادر على التحمل فقال بتلقائية هامسًا ويده وعينيه على الجرح:
_ معلش، معلش حقك عليا.
لم تعلم كيف كلماته جعلتها تصمت تتمعن في كل حرف فيها ينحرف انتباهها عن ألمها إليه.
انتهى يسحب ردائها لأسفل ثم داثرها بالغطاء قبل أن يرفع عينيه إليها ليجدها مازالت مغمضة عينيها وقد ارتخت ملامحها قليلًا بارتياح، همس بإسمها مرتين فلم تجيب ليتأكد من عمق نومها ما جعله ينحني ويقبل جبهتها قبلة طويلة قبل أن يعتدل ليمدد ساقه بجانبها يتنهد براحة يصيح بها جسده طالبًا، بعد دورانه بالشقة الواسعة يرتب كل ما طالته يده، حتى نزل في الفراش ومازالت عينيه عليها يرفع كفه على وجنتها المقابلة له مررها في حركة ناعمة قبل أن يربت عليها برفق وحنان ليغلق عينيه رغمًا عنه بعد قليل في نومٍ عميق.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
نائمة بينهم تحتضن الصغيرة بين ذراعيها كقطعة من جسدها منذ أن كانت تربت عليها تمرر كفها بحنان حتى انتهت من بكائها الطفولي تسأل عن توأمها بصراخ ورعب يفوق تحمل قلبها الصغير، بينما من الجهة الأخرى تحتضنهم "أحلام" بذراعها تضم نفسها إليهم وكأنها تحتمي بهم من خطر يمد يده يحاول الحاق بها. مَن يراهم يشعر وكأنهم كتلة واحدة بمنتصف الفراش الواسع من حولهم.
فتحت عينيها فجأة بفزعٍ ترفع رأسها عن الوسادة بملامح يملؤها الخوف، وبرفق شديد أزاحت ذراع الصغيرة من على خصرها لتنهض، لكنها توقفت تشعر بيد أخرى ملفوفة عليها بإحكام شديد من الخلف، فالتفت تزيح يد "أحلام" هي الأخرى لتنهض بخطوات متمهلة، وساقين مرتجفتين حتى وصلت للباب الخشبي الذي يزداد الطرق عليه وبعنف وعند اقترابها منه رفعت رأسها تلهث بحدة وبعد أن أغمضت عينيها لوهلة تقدمت من الباب بشجاعة مصتنعة وتلفتت حولها لتقبض يدها على أداة حديدية تستخدمها بالورشة ووضعتها خلف ظهرها، خافت ودق الرعب بقلبها كثيرًا ما الذي حدث من حينها حتى الآن سوى الموت ألاف المرات خوفًا، اقتربت تنوي المواجهة بمفردها دون أخيها الأكبر حصنها المنيع وخط دفاعها الأول والأخير لها ولأخواتها، دون أحد معها فهي الكبرى حاليًا، وعليها المواجهة لذا اقتربت ووضعت يدها على المفتاح وهمست مرددة برجاء:
_ يارب...يارب خليك معايا... أنا .. أنا لوحدي.
فتحت الباب بحذر متوقعة هجوم أحدهم عليها فرفعت الأداة الحديدية بوجهه. تراجع "حسام" للخلف بعيون واسعة بينما شهقت هي هامسة بعدم تصديق تخفضها بعنف:
_ إياد!!!
سقطت الأداء من يدها على قدمها بقوة فصرخت تنحني تمسك بمقدمة قدمها، دخل في حركة مُسرعة مغلق الباب خلفه ثم انحنى إليها بملامح قلقة عابسًا بملامحه بقلق هادرًا ويده تفحص قدمها:
_ وريني حصل إيه..اوعي إيدك!!
ظل يفرك أصابع قدمها بين كفيه بقوة وعينيه تتطلع لحركة يده عاقد حاجبيه بقلقٍ ثم رفع عينيه إليها سائلًا:
_ حاسة بإيه.. الألم خف شوية؟
ظلت محدقة بوجهه بعدم تصديق مطلقًا لم تكن تتوقع عودته حتى بأحلامها وكأنها على يقين بأنه غادر ولن يعود، إطالة تحديقها به جعله يطيل هو الآخر النظر إليها، عينيه بعينيها قبل أن تنحرف لتصعد يمررها على كافة وجهها بإشتياق بالغ، بينما هي فظلت ناظرة إليه بعيون ذاهلة تحرك رأسها بنفي وعدم تصديق لرؤيته هنا مجددًا معهم، أهو عاد بالفعل أم أنها تتوهم، لم تشعر بذاتها إلا وهي تندفع ترتمي بأحضانه تضم نفسها إليه بذراعيها، اهتز قليلًا في جلسته على ركبتيه أمامها من قوة اندفاعها إليه قبل أن تتوسع عينيه ذاهلًا من شدة إطباقها لذراعيها من حوله، أغمض عينيه ومن شدة شوقه إليها أطبق ذراعيه هو الآخر عليها بقوة للحظة خاطفة يضمها لصدره حتى أطبق عليها ذراعيه لأول مرة بينهم، لأول مرة يتناسى كل الموانيع ويترك لجام سيطرته على ذاته يغمض عينيه بشوقٍ دق له قلبه بعنف قبل أن يفتح جفنيه فجأة تتوسع عينيه على آخرها عند نطقها مشددة عليه بذراعيها باكية:
_ هان عليك تغيب عن اخواتك كل دا!!
لانت ذراعيه من حولها قبل أن يمسك ذراعيها بكفيه يبعدها عنه، فتابعت هي باكية محدقة به بينما جسدها يقاوم ذراعيه تريد أن ترتمي بين ذراعيه مرة أخرى تتابع بكائها:
_ هونت عليك أنا تسيبني في وش كل حاجة لوحدي!! أنا مش مسمحاك، وكنت كل يوم بشتكيك لبابا وماما وهما أكيد مش راضيين عنك دلوقت في اللي بتعمله فيا وفي اخواتك دا.
أجبر عينيه يخفضهم بعيدًا عن عينيها المحدقة به والتي لم تأخذ الكثير من الوقت لتقرأ شوقه العاطفي بهما، رفعت كفيها تجفف دمعاتها ثم قالت بقوة متابعة:
_ كلمتك كتير قوي تليفونك طول الوقت مقفول، حتى الاتصال يا أخي، مكالمة مش هتاخد منك دقايق تعرف بيها اللي بيجرالنا استخسرتها فينا، عملتك أنا إيه لكل دا؟!
نهضت واقفة، واستدارت لتجلس على الأريكة الموضوعة في منتصف الصالة والتي طالما جلسوا عليها كثيرًا أربعتهم، وتابعت بعد أن جلست تتنهد بهم:
_ وطبعًا متعرفش اللي حصل لأخوك...هتعرف منين وانت غايب عننا بقالك اسبوعين من تبص وراك وتشوف جرالنا إيه.
اعتدل في جلسته أمامها يسأل بلهفة واهتمام:
_ أيوا، قوليلي يا رقية، إيه اللي حصل بالظبط.
نظرت إليه قليلًا ثم رفعت كفيها على وجهها تنفجر باكية قائلة بمرارة وقلق من بين بكائها:
_ زياد اتخطف يا إياد، اتخطف... وأنا مش عارفة ألاقيه ومش عارفة أعمل إيه...جوايا إحساس بيقولي إنه مش راجع تاني... أنا هموت وراه همووت.
رفع كفيه تخفض كفيها من على وجهها وقال بلهفة:
_ عرفتوا منين إنه اتخطف، ما يمكن...
قاطعته تشير بالنفي بإصبعها متابعة:
_ لأ، كان هو وأميرة بيلعبوا عندي قدام الورشة هناك، وكنا بالليل وفجأة لقيت أميرة جاية تجري بترتعش ومش فاهمة منها حاجة من عياطها وصراخها اللي مبيوقفش ووشها غرقان دم.
توسعت عينيه برعب أكبر على الصغيرة هي الأخرى بينما تابعت هي:
_ فين وفين أما فهمت منها إن كان في ناس بعربية خطفت زياد وهي عرفت تجري منهم وعشان يلحقوها هي كمان خبطوها بالعربية.
نهض واقفًا بصدمة وكأن لدغته حية فنهضت هي الأخرى وتابعت وعينيها بعينيه المصدومة القلقة:
_ متخافش كدا، الحمد لله جات سليمة وكان جرح بسيط في دماغها.
اتجه في حركة سريعة ..ساقيه تسوقه لغرفة الصغار و"أحلام"، اوقفته "رقية" قائلة من خلفه:
_ أميرة وأحلام نايمين عندي في أوضتي.
توقف على باب غرفتهم، ثم التفت يتجه لغرفتها بقوة، ودخل وعينيه على الصغيرة التي جلس على حافة الفراش من جهتها ولم يستطع منع ذراعيه التي ترتجف، من أن تلتقطها بخفه يرفعها لحضنه ومازالت نائمة يمرر كفه على طول ظهرها ثم تطلع بوجهها ومال يقبل مكان جرحها، راقبته "رقية" بعيون لامعة بالدموع مجددًا وجدته يغمض عينيه بتنهيدة مثقلة وملامح متألمة ويديه تضم الصغيرة إليه أكثر وكأنه يلوم ذاته على غيابه وما حدث لهم خلاله.
رفع الصغيرة المستغرقة بالنوم يقبل جبهتها المجروحة، ثم رفع كفه يفحص جرحها بأصابعه يزفر بعنف وغضب وعاد يضعها بحنان في الفراش يداثرها بغطاء "رقية" الذي يمتزج برائحتها المليئة بالغرفة من حوله. نهض يخرج من الغرفة واتجه لباب المنزل، توسعت عينيها تهرول خلفه قائلة:
_ انت رايح فين وسايبنا تاني في ساعة زي دي؟!
فتح الباب ثم التفت إليها وقال بإصرار وغضب:
_ هرجع زياد.
وأغلق الباب خلفه واختفى، ظلت واقفة تردد الكلمة وقد تضاعف القلق بداخلها يتصاعد بدرجات تفوق تحملها، وقلبها الخافق بعنف يخبرها بأنه لن يعود هو الآخر...ما يحدث حولها يجعل عقلها يخبرها بما يجعل قلبها تزداد دقاته بقوة حتى أوشك على التوقف رعبًا.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
اقترب من ذلك الشباك الخشبي المغلق، وتطلع حوله بترقب وعيون متسعة ثم رفع أداة رفيعة حادة بعض الشيء وحاول فتحه، يعلم ذلك المكان جيدًا لكن بداخله قلق بالغ أن لم يجده بالداخل، حينها لن يعود إليها بدونه بل سيمر على كل الأماكن التي يعلمها وتخصهم ويبحث بها حتى يجده، يعلم لما فعلوا ذلك ولهذا يزداد القلق على الصغير بداخله.
تمكن من فتح الشباك الخشبي ودخل من خلاله يقفز نزولًا إلى المكان الواسع الخالي سوى من بعض الأشياء الخاصة بعملهم هنا، وقف بالمنتصف يدور حول ذاته بحيرة، لا يوجد شيء، لا يوجد صوت يدل على وجود أحدهم بذلك المكان الخالي تماما، زفر بحدةٍ يغمض عينيه يرفع كفيه لخصره يتجول بعينيه بحيرة بالغة بالمكان إلى أن وقعت عينيه على مقعد كبير الحجم هناك، تقدم منه يضيق عينيه وكأنه يرى شيئ صغير الحجم يتوسطه.
حتى اقترب بخطوات بطيئة متمهلة إلى أن وقعت عينيه عليه... صغير الحجم للغاية في نومته تلك وكأنه قل وزنه للنصف اضافتًا لنحافته وصغر حجمه من الأساس، نائم متكوم على ذاته بمنتصف المقعد الكبير، اندفع إليه تتوسع عينيه بتوهج وراحة ارتفع إليها صدره ثم انخفض بحدة لمجرد رؤيته، لكن وقبل أن يمسه بكفيه سمع صوت الباب الحديدي يُفتح من خلفه، فاستدار على الفور ليظهر أمامه عدد من الرجال يدخلون من الباب وعينيهم عليه وعلى الصغير النائم من خلفه.
_رانيا أبو خديجة _
المشهد اللي الكل بيبعتلي وبيسأل هييجي امتى بقى... خلاص توقعوا المشهد اللي كله بيسأل عنه دا من أول الرواية في الفصل الجاي أو اللي بعده أي خدمة ومعانا حرق احداث كمان أهو 😂
بالنسبة للفصل اللي وعدتكوا بيه تعويض عن الاسبوع اللي فات.. مقدرتش أنزله اليومين اللي فاتوا بس مش نسياه توقعوه مني اليومين الجايين باذن الله بحيث هيبقوا تلات فصول مش اتنين وأحب اقولكوا إن دا أحسن عشان في ضرب ناار جااي وحبس انفاس الأحداث الجااية... أهم حاجة متنسوش رايكوا وتوقعاتكوا في الكومنتان وتفاعل حلو بقى... قراءة ممتعة ♥️
جميله جدا
ردحذفيالهوي علي حلاوة وجمال الفصل 😍
ردحذفتحفه
ردحذفبجد بجد🫣🫣🫣🫣🫣🫣🫣🫣😍
ردحذفبرافو يا رونى روعه
ردحذفجميله تسلم ايدك
ردحذف😍😍😍😍😍😍😍😍
ردحذفروعه كالعادة تسلمي حبيبتي
ردحذفحلووو اووى
ردحذف♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذفروعه روعه روعه روعه روعه روعه روعه 😍😍🥰😍😍
ردحذفجمييله جدا
ردحذفروووعه
ردحذفحسام اتأخر عليهم اووى
ردحذفتحففففه
ردحذفرائعه جدا
ردحذف😭😭😭😭😭😭😭
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذف