U3F1ZWV6ZTMxMjc0MDY2Mjc3MzYyX0ZyZWUxOTczMDM4NTMwMzE2MA==

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السابع والخمسون بقلم رانيا ابو خديجة

الحجم

 رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السابع والخمسون بقلم رانيا ابو خديجة 

رواية 365 يوم أمان 

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السابع والخمسون بقلم رانيا ابو خديجة

الفصل السابع والخمسون 
#٣٦٥_يوم_أمان
#رانيا_أبو_خديجة

_ أنا أكتشفت إن أنا ...مبخلفش.
التفتت بحدةٍ إليه، قطع ضجيج أفكارها كلمته القوية التي لم تتوقعها على الإطلاق، بينما والدته فقد امتقع وجهها بحالة يشفق عليها، سريعًا ما رفعت كفها تضرب به على صدرها بصدمةٍ قائلة:
_ يالهوي!!
 أغمض "تميم" عينيه بشدة من ردة فعلها ثم فتحهم يلتفت إلى تلك الجالسة واضعة أصابعها على فمها بعدم تصديق مما استمعت إليه، التقت أعينهم فحركت رأسها بالنفي، رافضة ما يفعله بنفسه اضافتًا لكل ما فعله من تضحيات وتنازل من يوم ما إن أصبحت بحياته، فكفى، لاتريد أو تطلب المزيد، كفى.
أومأ إليها إماءة بسيطة بغمضة من عينيه في رسالة خفية بألا تتوتر أو تخشى شيء من جديد بعد الآن.
عاد يلتفت لوالدته وهنا توسعت عينيه صدمة هو الآخر، يدرك ما فعله للتو، فكانت ناظرة بالفراغ أمامها بشرود صامت وقد فاضت عينيها بدموعٍ بدأت أن تنساب على وجنتيها ومازالت يدها المرتجفة على صدرها وكأنها نسيتها هناك.
سريعًا ما نزل على ركبتيه أمامها يمسك بكفيها قائلًا من بين تقبيلهما بقوة:
ـ يا أمي أنا والله مبسوط في حياتي، ومش حاسس إن ناقصني حاجة، مش عايزك تعملي في نفسك كدا.
احتوا كفيها بداخل كفيه يربت عليهم بحنانٍ وتابع:
_ يا أمي أنا نفسي مش متضايق ولا الموضوع فارقلي، فاليه انتِ تعملي في نفسك كدا بس، مش انتِ كل اللي يهمك إني أكون مبسوط، أنا مبسوط ومش حاسس إن ناقصني حاجة، الحمد لله.
مازالت على حالتها ناظرة بالفراغ أمامها بينما دموعها تنساب دون توقف، حول نظره إلى تلك الجالسة تتابع بصمتٍ وقال:
_ مي كانت بالنسبالي حلم صعب تحقيقه، ولما بقت معايا خلاص والله ما بقيت عايز حاجة تاني.
عضت "مي" على شفتها السفلي تقاوم رغبة قوية في الصراخ ونفي ما يقول، فهيئة والدته جعلتها تشفق عليها ما بال إحساسه هو، عادت تتطلع اليه بصدمة من جديد غير قادرة على النطق بتكذيبه حتى عندما تابع:
ـ مي كتر خيرها إنها صابرة على حالتي وعايشة معايا بعد معرفتنا ان العيب مني أنا..مش منها، يبقى جزائها بقى كل شوية نضايقها ونزعلها كل ما حضرتك تيجي.
لم تنطق والدته بكلمة، فقط تتطلع إليه بعيون تفيض دمعًا
ثم تابع بعدما عاد يلتفت إليها:
_ مي تعبانة يا أمي، وبتتعب زيادة كل ما الموضوع دا بيتفتح، عشان خاطري ارضي بقضاء ربنا زي ما أنا راضي، وكفاية كلام فيه لحد كدا.
مسحت والدته دموعها قبل أن تنهض مترنحة ثم وجهت همسها لتلك الجالسة لم تشعر بشيء من حولها:
ـ كتر ألف خيرك يا بنتي، وحقك عليا في كلامي متزعليش.
ثم ربطت على وجنت ابنها بيد مرتجفة وقالت من بين بكائها الصامت:
_ مش هسكت، هسألك على أكبر الدكاترة في البلد لحد ما ربنا يجيب الفرج وأشوف عوضك يا حبيبي، مش هسكت أبدًا.
ثم التقطت حقيبتها الموضوعة بجانب تلك الجالسة صدرها يعلو ويهبط بتنفس عالي، واقتربت تربت على كتفها عدة مرات قبل أن تتجه لباب البيت وتخرج غالقة الباب خلفها برفق.
ظل واقف عينيه على الباب وكأنه يود الذهاب خلفها يجذبها بداخل أحضانه ويطمئنها، ينفي كل ما قال وتسبب في مشيتها متخبطة بتلك الحالة.

أجفل على تلك اليد الرقيقة على ظهره، فالتفت إليها، حركت رأسها برفض قائلة من بين دموعها:
_ ليه كدا يا تميم، أنا كنت مستنية تقولها الحقيقة، وبرضو كنا هنخلص من الموضوع كله وأنا أرتاح بقى بدل اللي عملته دا وجعني زيادة.
التفت إليها بكامل جسده وقال:
_ عارفة لو أمي عرفت الحقيقة دي، هتعمل إيه؟
 اقترب يحيطها بذراعه يقربها منه بينما اليد الأخرى تمسح دموعها ثم تصعد على رأسها ترفع خصلاتها لأعلى وقال:
_ هتستحملي اتجوز عليكِ؟!
حركت رأسها برفض قوي صارخة تنفجر في بكاء من بين حديثها المرير:
_ لأ، لأ، والله فكرت فيها بس مش هقدر، أموت فيها دي يا تميم، يارب أموت قبلها، يارب أموت قبل ما يحصل.
ثم رفعت وجهها إليه وتابعت تحاول أن تتحكم في بكائها أمامه:
_ أنا عمري ما كنت أنانية، بس انت، لأ عمري ما هقدر على واحدة تشاركني فيك، تلمسك، تعيش دفا حضنك زيي، تكلمها زي ما بتكلمني، تحط راسها على صدرك مكاني، مش هقدر ياتميم.
ثم قالت بهيستريا:
_ يارب أموت قبلها، يارب أموت قبل ما أشوفها معاك يارب أ...
وضع كفه على فمه يختطفها داخل حضنه يطبق عليها ذراعيه قائلًا بعد أن أغمض عينيه بألم:
_ بس، بس، مسمعش منك الكلام دا تاني، اسكتي.
ظل يربت عليها كثيرًا حتى هدأ بكائها قليلًا فرفع وجهها إليه وهمس:
_ أنا عملت كل دا، واستحملت أشوفها كدا عشان مش عايز أشوفك تعبانة تاني، مش عايز أشوفك موجوعة بكلامها تاني كل ما بتدخل البيت، مش هستنى أما حالتك تزيد عن كدا وتروحي مني بسبب ضغط الموضوع دا.
ثم رفع كفيه يمررهما على وجنتيها يزيل دمعاتها وتابع:
_ من بعد النهاردة خلاص الموضوع دا اتقفل، وأنا رضيت من البداية ومينفعش أغير رأيي وإلا هكون بضحي بيكِ انتِ ودا برضو اللي أنا مش هقدر عليه.
نظرت إليه ببكاء ونحيب صامت ثم ارتمت بحضنه مرة أخرى تحكم ذراعيها على ظهره تضم نفسها إليه أكثر تمرر وجهها بصدره الدافئ فتابع يغمض عينيه بألم أشد:
_ أنا رضيت، رضيت الحمد لله.
ثم عاد يعتصرهم بألم أشد، لكنه يعلم أنه في حالته تلك عليه أن يختار وكان اختياره من البداية...هي.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
توقف بالسيارة أمام المشفى، مازالت جالسة بجانبه بشرود صامت وكأنه اختطفها ومازالت تبحث عن عودة، فمنذ أن غادرت معه خارج المشفى بعد أن مروا بالطبيب الذي أبلغهم ببداية التجهيزات للعملية الجراحية من أجل والدتها بالفعل، على أن تتم بعد مرور يومين من الآن.
عاد يحتضن كفها الرقيق بكفه يجذبها خلفه حتى وجدت ذاتها واقفة أمام سيارته تتطلع إليه ثم إليها بحيرة، أشار إليها أن تستلقي السيارة بجانبه، وقفت بتردد بادي على ملامحها شديدة الخوف، فنظر إليها من داخل سيارته يضيق عينيه يفهم ما يدور بعقلها، ثم أجفلها بقوله بحدة:
_ اركبي اخلصي.
ترددت بقلبٍٍ يضرب بعنف، ثم مالت تحدثه من خارجها بعد أن ابتلعت ريقها بصعوبة وقلق وقالت:
_ هن..هنروح فين بالظبط؟
_ملكيش دعوة، اركبي واخلصي متأخريناش، أنا عندي شغل.
ارتجفت في وقفتها من حدته وصوته الغاضب بأخر حديثه، ثم وبيد ثقيلة فتحت باب السيارة الخلفي وكادت تدخل لولا صوته القوي ناظرًا بالمرآة أمامه:
_ أنا مش السواق بتاع سيادتك، تعالي اركبي هنا خلي عندك دم...وذوق.
ارتفع حاجبيها من وقاحته في الحديث وكادت أن ترد لولا أنه فهم ما تنوي عليه فقال بقوة:
_ اتأخرت!!
أغلقت الباب ثم عادت تركب بجانبه، لتتوقف السيارة بعد لحظات ليعود ويأخذها من كفها يسير وهي بجانبه لتجد نفسها تدخل لمكتب مدون على بابه "مأذون شرعي"، لن تنسى نظرته بحياتها وهو جالس على المقعد المقابل لها يردد خلف المأذون ويده قابضة على يدها، أخفضت عينيها قليلًا ثم عادت بهما إليه لتتفاجأ به مازال عينيه تدور حول ملامحها دون كلل أو ملل.

اختلف تمامًا في نظراته بعد أن انتهى المأذون من عقد القران، فوقف أمامها وهمس بصوتٍ خفيض للغاية بينما عينيه مازالت تتجول على كافة وجهها:
_ مبروك..مبروك عليا يا هنا.
ثم اقترب يقبل رأسها برقة جعلتها تغمض عينيها، أخفض عينيه لباقي وجهها تستقر عينيه على وجنتها وشفتيها وقبل أن يقترب سمع صوت مَن بالغرفة يقول بنبرة يتخللها الحرج:
_ مبروك يا جماعة، بالرفاء والبنين إن شاء الله.
أجفلت تفتح عينيها تدفعه بعيدًا عنها.
_ انزلي، ولا عجبتك القاعدة هنا؟!
فاقت من دوران عقلها بكل ما حدث في خلال ساعتين لا أكثر على صوته الحاد، فالتفتت إليه بعدم إدراك لما يدور حولها واستقرت قليلًا على وجهه الناظر أمامه مدعي اللامبالاة بحالتها تلك، ثم عادت برأسها ببطء شديد _يعبر عن حالتها_لباب السيارة تفتحه، لكن أوقفها صوته:
_ استني.
توقفت يدها على الباب ثم عادت تلتفت إليه ببطء وضياع فتابع بقوة بعد أن استدار إليها بكامل جسده:
_ من دلوقتِ حالًا انتِ بقيتي مراتي، يعني على اسمي، وأي فعل هيصدر منك هيمسني وعشان كدا مفيش أي فعل أو حركة أو خروج بدون علمي..مفهوم؟
ظلت صامتة ثم أومأت إليه، فتابع:
_ احتمال أعدي عليكِ في أي وقت أخدك مشاوير تخص تحضيرات الجواز مفيش لأ، وإذا كان على حالة والدتك فعايزك تطمني مفيش حاجة هتحصل إلا بعد ما نطمن عليها.. تمام.
عقدت ذراعيها أمام صدرها بضيقٍ ثم قالت:
_ أي أوامر تانية؟!
قال دون تردد:
_ آه، أهم حاجة في كل دا.
هزت ساقها ببوادر غضب أوشك على الإنفجار بينما تابع هو:
_ من اللحظة، مفيش شغل تاني في مكاتب ولا محاكم ولا اقسام شرطة.
فتحت فمها على وسعه ثم قالت:
_ أه، هشتغل مع بياعين الخضار صح؟
كور فمه كاتكويرة فمها بضيقٍ وملل ثم قال:
_ مش معقول هموت من الضحك، لأ يا ظريفة أقصد مفيش شغل خالص.
شهقت تعقد حاجبيها تود لكمه بوجهه بقوة عدة مرات حتى يدمي فمه وأنفه الغليظ وكامل وجهه ثم قالت صارخة تلوح بيدها أمام وجهه حتى كادت أن تدخل إصبعها بأنفه:
_ لأ، انت كدا صدقت نفسك بقى، ومحتاج اللي يفو...
شهقت تبتر حديثها فجأة عندما قبض على فكيها يطبقهم ببعضهم ليغلق فمها يخرسها ثم قال من بين أسنانه أمام وجهها:
_ لما أقول مفيش زفت شغل يبقى مبهزرش ومفيش زفت على دماغك، ودا اللي عندي وبعد كدا لسانك دا هقطعهولك لو مقصرش شوية، سمعاني.
أغمضت عينيها بقوة ينحني جانبي فمها ببغض، تحاول أن توجه طاقة غضبها لضغط جفنيها ببعضهم حتى لا تصرخ بوجهه وتفسد كل شيء.
 ارتخت يده من حول وجهها تعود عينيه تتجول بملامحها القريبة منه للغاية، استقرت عينيه على تغميضة عينيها تذكره بنفس الهيئة الذي رأها بها عند المأذون بعد عقد القران عندما اقترب وقبل جبهتها.
رغمًا عنه اقترب من وجهها يميل عليها لم يرى سوا بشرتها البيضاء الناعمة أمامه، فتحت عينيها، فشهقت بقوة عندما رأت نظرته يميل عليها هكذا، دفعته بصدره بقوة ثم فتحت باب السيارة وتركته تركد لداخل المشفى، ظل يحدق بها تهرول أمامه حتى اختفت، فزفر بحدةٍ يومئ لنفسه أكثر من مرة بأنه قد فات الكثير وما بقي على وجودها معه بين يديه سوا القليل.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
طوال طريق عودته وهو شارد بالأمر ويعيد التفكير مرارًا ومرارًا، ثم يعود ويهز رأسه بالرفض بقوة، كل شيء كان خطأ من البداية، فهو بشر، حتى لو كان ضابط شرطة مُدرب أشد التدريبات عنفًا وتحكما بالذات لكنه يظل بشر، رفع يده ببطء إلى صدره وكأنه يترجم أفكاره، أحبها، نعم أحبها بل يقسم أن ما يشعر به من شتات وتخبط حتى عدم قدرته على الإنتباه لعمله يعود لذلك القلب وما فعله به بعد أن مال إليها.
منذ أن تخرج من الجامعة والتحق على الفور بعمله الشاق، يصعد العديد من المهمات منها المشابه لتلك ومنها المغاير تمامًا، قابل الكثير والكثيرات لكن لم يحدث له ما حدث منذ أن وقع بغرامها.
زفر بحدة، بداخله رغبة قوية في إنهاء الأمر برمته، رفع رأسه فجأة يتطلع أمامه بانعقاد حاجبيه عندما يتسائل لماذا فشلت مهمته، بماذا سيجيب!!
أغمض عينيه بقوة يهز رأسه بضيق، هو أيضًا لا يعلم السبب الحقيقي، أهو بالفعل عدم تحمله لرؤيتها تكون بين يدي أخر أمام عينيه، أم السبب هو الخطأ من الأساس بمكوثه معها تحت سقف واحد؟!
عاد يغمض عينيه يزفر بحدة وضيق عندما مر بذهنه مهمته ورسالة عمله القوية، يعلم خطورة الموقف هناك، يعلم ضرورة نجاح القضية، ضرب بقبضته على ركبته بعنف، لأول مرة يتذوق طعم الفشل الحقيقي ويعود ذلك لقلبه الذي مال فمال معه كل شيء، السبب في عنائه هو عشقه الذي يختبره قلبه لأول مرة بحياته.
قست عينيه فجأة عندما تذكر تعبيرات مَن يتاجرون بالسموم هناك بتلك البلدة الصغيرة وبجميع البلدان المجاورة لها، لا لن يفشل، لن يفقد إحساسه بعمله وضرورة وأهمية نجاح تلك القضية.
دق باب منزله فوصله صوت والدته الحنون والذي اشتاق إليه كثيرًا قائلة:
_ أيوا حاضر.
أخفض رأسه ترتسم ابتسامة بسيطة فور استماعه لصوتها، يشعر بأنه وأخيرًا سيحصل على هدنة ضرورية لشتات نفسه وضياعها الذي يشعر به بشدة.
فُتح الباب لتتوسع عيني والدته صارخة باسمه قبل أن تقترب لينتشلها بحضنه يغمض عينيه بقوة هامسًا:
_ يا أمي، ااااه.
كانت تبتسم بشدة، سعيدة لرؤيته بعد غياب طويل، لكن تقلصت ابتسامتها ببوادر قلق عندما أحست بذراعيه تزيد من ضمنها بشدة إليه حتى كادت أن تتألم يدفن رأسه بحضنها قائلًا بنبرة شعرت بها متعبة للغاية:
_ ااااه، كنت محتاج حضنك دا قوي، كنت ادفع عمري كله وأحس الراحة اللي داوت قلبي دلوقتِ، وحشتيني يا أمي.
ظلت تربت عليه بقوة تقول بملامح قلقة فعليًا:
_ مالك يا حبيبي، انت كويس؟
لانت ذراعيه من حولها ثم قال بتنهيدة قوية:
_ حاسس متلغبط، ضايع، فاشل لأول مرة بحياتي، أنا تعبان يا أمي، ومش لاقي نفسي، مش محتاج غير وجودك بس دلوقتِ.
ظلت تمرر كفها الحنون على ظهره وقد قررت الصمت بالفعل تعطيه كل ما يحتاج بدفء ذراعيها، ظل على هذا الحال لدقائق حتى خرج من حضنها فربتت على وجنته بحنانٍ قائلة بقلبٍ يخفق بالقلق حقيقي:
_ قلبي وجعني من امبارح ومعرفش على مين فيكوا، بس دلوقتِ عرفت.
ثم تابعت بملامح حزينه:
_ بس كله إلا أنت يا حسام، انت بالذات حتة من جوة قلبي بتوجعني لو حسيت انك كدا، دا أنت سندنا يا حبيبي.
هبط كتفيه بتراخي شديد وكأنه ضعف من بعد قوة، ودخل غالق الباب خلفه. رفع كفه يمررها على وجهه بقسوة وقال:
_ أنا تعبان، محتاج أنام بس، وهصحى هبقى كويس ان شاء الله.
ثم تركها ودخل غرفته، تطلعت لحقيبة البسيطة الملقاة أرضًا ثم اتجهت تدخل خلفه بملامح قلقة، لم تعلم ماذا أصابه لأول مرة تراه بذاك الضعف، دخلت بالفعل، وجدته قد ألقى بنفسه على الفراش رأسه مدفونة بالوسادة فاقتربت تربت على كتفه ترفع رأسه تأخذها على ساقها، اقترب يضم نفسه كطفل صغير إليها، ظلت يدها بخصلاته بحنانٍ شديد حتى غرق في سباتٍ عميق.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
بعد مرور ثلاثة أيام...
انتقلت والدتها لغرفة رعاية خاصة بعد إتمام العملية الجراحية، بينما جالسة هي بجانب خالتها التي لم تعلم شيء مما يدور فقط تأتي تطمئن وتعود لمنزلها.
جالسة واضعة كفها أسفل خدها تفكر كيف يمكنها الفرار منه من جديد بوالدتها، دار ذهنها في كل اتجاه كيف يمكنها أخذ والدتها والهرب بها وهي بحالتها تلك!! عادت تزفر بقوة بقلة حيلة كيف سيكون الوضع ان تعرضت حالتها لتدهور من جديد فهي للأسف تحتاجه، نعم تحتاجه بشدة، رمشت بعينيها عدة مرات بحرجٍ من نفسها تتذكر وقوفه بجانبها ليلة العملية وعدم مغادرته إلا الخامسة صباحًا بعد انتقال والدتها لغرفة خاصة بعد نجاحها، تتذكر قلقه حينها حتى كان يأتوا إليه مساعدين الطبيب ويطمئنوه قبلها، ورغم كل ذلك القلق الذي بدى على ملامحه، كان يقترب منها من حينٍ  لآخر يومئ إليها يربت على ذراعها يبث لها الطمئنينة خاصتًا عندما يراها ترفع وجهها الباكي تناجي ربها كان يقترب يهمس إليها يطمئنها بأن الطبيب أخبره سابقًا بأن العملية لم تكن بتلك الخطورة المتوقعة، وأن الوضع مستقر باذن الله، نعم تحتاجه ليس فقط ماديًا، بل وجوده ككل شعرت به ضروري للغاية معها بتلك الليلة.
قطع ضجيج أفكارها عندما رفعت عينيها لتجده واقف أمامها منذ دقائق لكنها لم تشعر من شدة شرودها، نهضت واقفة قائلة:
_ انت...انت جاي منين كدا، وهنا في المستشفى من امتى؟!
رفع رأسه إليها يضع كفيه بجيوب بنطاله وقال:
_ من شوية، كنت عند الدكتور وطمني جدًا على والدتك... حمدالله على سلامتها.
ابتسمت رغمًا عنها براحة شقت صدرها، تهمس بحمد الله، تطلع لابتسامتها كثيرًا قبل أن يقول:
_ اعملي حسابك فرحنا بعد اسبوعين من دلوقتِ، أنا هجهز كل حاجة، بس ببلغك عشان تكوني مستعدة.
توسعت عينيها تفغر فمها، بينما نهضت خالتها تقول بعدم فهم:
_ فرح مين على مين!!، مين الجدع دا يا هنا، مش أول مرة أشوفه.
ابتسم إليها يقترب يقدم نفسه قائلًا:
_ أنا علي...جوزها.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
ضيق عينيه يتطلع إليه كثيرًا يحاول إدراك ما يتفوه به أخيه منذ أكثر من ساعة، يحاول ترديد بعض الكلمات بتلعثم وتردد واضح، جعل والدتهم تنظر إليه بعدم فهم ثم تعود بنظرها لذلك الواقف يوزع نظره بينهم اثنان حديثه المرتبك، فنظر إليه طويلاً ثم هتف بعدما وصل إليه للتو:
_ علي... انت جاي تعزمنا على فرحك، ولا أنا اللي فهمت غلط!!
وزع نظره بينه وبين والدته التي شهقت ما إن استمعت لكلمات شقيقه ثم نهضت تقترب منه وهدرت قائلة:
_ يعني اللي وصلي أنا كمان صح!! وتعالى هنا يعني ايه أنا وهي متفقين على كل حاجة دي!! وأهلها فين من دا كله!! واحنا ايه يا ابني!! ما تفهمني، ولا انت جايب واحدة ملهاش أهل!!
نهض بحركة سريعة يقترب منها يحاول تهدئتها قائلًا:
_ يا أمي صلي عالنبي بس كدا واسمعيني، أنا... أنا وهنا متفقين على كل حاجة ودا عشان بس ضيق الوقت وشغلي و.. وكمان شغل حسام ووقته، أنا ... أنا عايز ألحق اجازة حسام ووجوده معايا هنا!
أشار على أخيه بأخر جمله، يتطلع إليه "حسام" بصمتٍ يربت على أسفل ذقنه باصبعه فتابع "علي" بعدما أولاهم ظهره:
_ أنا... أنا بقالي فترة بجهز في شقة المهندسين وأظن حسام عارف الكلام دا ومعندوش مانع أن أنا اللي اتجوز فيها، و..و 
التفت اليهم ثم تابع:
_ وبصراحة بقى يا ماما أنا لو متجوزتش هنا في أسرع وقت... ممكن أخسرها للأبد.
صرخت به تنفض يده من عليها:
_ استنى هنا وبراحة عشان أفهم، شقة المهندسين إيه دي اللي عايز تتجوز فيها إن شاء الله!! الشقة دي أبوك الله يرحمه كان جايبها لحسام أخوك الكبير والأحق بأولوية الجواز منك.
ثم أشارت إليه وتابعت بضيق:
ـ إنما انت يافرحتي بيك، مبتفكرش في حد غير نفسك، غير.. غير ما انك لسة صغير وقدامك كتير لكن أخوك أحق بالشقة الجاهزة دي منك.

نظر إليها بوجوم وعبوس شديد وكأن كلماتها قد داست على أوتاره، ثم سأل باندهاش وغضب:
ـ مش فاهم يعني، أومال حضرتك لما جيتي معايا عشان تخطيبهالي قبل كدا كنتي جايه ليه!!
جلست تستند بكفيها لركبتيها وقالت:
_ أنا مجتش معاك وقتها إلا لما أخوك اللي قاعد قدامك دا اقنعني إننا نخطبهالك وبعدين تجهز نفسك على مهلك، لكن السربعة دي وتبص لشقة أخوك لأ يا علي.
شعر "حسام" بتوتر الموقف بينهم خاصتًا بملامح والدته الغاضبة وعبوس الآخر فقال:
_ وفيها ايه يا أمي لما يتجوز في شقتي، مش أنا واخويا واحد، ثم ان...
 تنهد بقوة ينظر لأسفل قدمه بشرود وتابع:
_ ثم إن أنا مش هتجوز .. 
قالها وصمت قليلًا فتوسعت عيني والدته كادت تصرخ بوجهه فتابع:
_ دلوقتِ...مش هتجوز دلوقتِ وبدام علي جاهز ولقى شريكة حياته خلاص ، مبروك عليه.
التفت إليه "علي" بلهفة ثم ارتسمت ابتسامة تدريجية على شفتيه وتعبير عميق، لكنه سريعًا ما التفت على حديث والدته:
ـ يا أبني انت عايز ايه بالظبط!! انت عارف عندك كام سنة ولا عايزني أفكرك، و.. وبعدين انت اللي زيك عمره ما فكر في نفسه ولا هيفكر... أنا يا حسام عايزة أشوف عوضك قبل ما أموت.
تطلع لأخيه بتفكير وصمت.
_ بعد الشر عليكِ يا ست الكل.
ثم نهض يقترب منه وقال بيقين:
ـ  قولي يا علي، هي دي نفس البنت اللي روحنالها قبل كدا؟
تطلع إليه بصمت ثم أومأ بوجهه وقال:
_ كانت...كانت والدتها تعبانة وفي المستشفى وأنا مكنتش أعرف.
نظر إليه لحظة ثم تابع:
_ ووالدتها دلوقت بقت كويسة؟
أومأ بوجهه فقالت والدته بانكسار وحزن:
_ وروحت بقى وخطبتها من ورانا زي ما يكون معندكش أهل؟
اقترب منها وهمس:
_ عشان خاطري يا أمي مدققيش معايا في الشكليات دي، مفيش وقت ليها والله، وبعدين مش حضرتك يهمك إني اتجوز من البنت اللي أنا اخترتها وأكون مبسوط، أهو أنا حاسس دلوقت إني أسعد إنسان في الدنيا والله.
التفتت والدته لشقيقه وقالت:
ـ وانت....موافق على اللي أخوك بيعمله دا؟
نهض "حسام" يتنهد بتعبٍ وعدم القدرة على الجدال، مَن يراه يشعر بمدى ثقل ما يستقر على صدره من هم، فقال قبل أن يتجه لغرفته:
_ علي مش صغير يا أمي، متخافيش عليه، وبدام جواز على سنة الله ورسوله ومن اللي هو اختارها خلاص هنحتاج إيه تاني.
ثم توقف والتفت إليه وقال:
_ لو احتجتني في حاجة أنا موجود هنا شوية، أي وقت هكون معاك.
اقترب "علي" بابتسامة متسعة يشعر بأن أكبر ثقل قد انزاح من على صدره، فكان يحمل هم كيفية اخبارهم بشدة، أقترب يحتضنه قائلًا:
_ ربنا ما يحرمني منك يا حسام، انت أبويا مش بس أخويا.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
 وضع مفتاحه بباب المنزل ودخل يغلقه خلفه بهدوء شديد، فالوقت متأخر بشدة ويخشى أن يوقظها فزغة، منذ أكثر من ثلاثة أيام وهو متغيب عن البيت في سفرية عمل مفاجئة بالنسبة لها.

دخل "تميم" غرفتهم وفور فتحه للباب بهدوء شديد ووقع عينيه عليها ابتسم باتساع يقترب بخطواتٍ أصبح لم يأبه بهدوئها، منذ ما حدث أمام والدته وهو يشعر بها مختلفة كليًا؛ فرغم شرودها طويلًا وكأنها غارقة بحسبة غاية في الصعوبة، لكنها وفور رؤيته ووقوع عينيها عليه، تسرع في خطواتها تغرقه حبًا والمزيد من الأحضان والقبلات، يشعر بعد ما حدث ازدياد حبها له في قلبها، لكنه يقسم أنه لم يتعدى عشقها عشقه لها مهما زاد، خاصتًا بعدما تحولت فترة إعيائها لليالي من العشق وبثه كلمات تعبر فيها عن مدى عشقها إليه، حتى والدته قلت كثيرًا مرات ذهابها إليهم وكأن السبب الرئيسي لتواجدها المتكرر قد انتهى.

اقترب يميل عليها بعدما جلس على طرف الفراش بجانبها، شعرت "مي" بلثمات كالفراشة في نعومتها على وجهها، فتحت عينيها ببطءٍ وهدوء يتناسب مع رقتها المعهودة في كل شيء يصدر منها، ابتعد يتطلع بعينيها قبل أن يلتفت يعقد حاجبيه على شيء ثقيل شعر به للتو على ظهره، وقد تبين أنه ومن لهفته عليها قد نسي تلك الحقيبة المعلقة في ذراعه تحمل أغراضة، فوضعها أرضًا يعود إليها هامسًا:
ـ وحشتيني.
اعتدلت "مي" جالسة تجيب ويدها تحتضن يده بين كفيها:
_ وانت كمان، كل دا غياب!! بقالي تلات أيام بنام لوحدي، وباكل لوحدي، بعمل كل حاجة لوحدي.
ثم سألت بعبوسٍ:
ـ وليه مقولتش انك جاي النهاردة؟
أجاب وعينيه تتجول عليها بلهفة واشتياق في ثوب نومها الحريري:
_ أنا نفسي مكنتش أعرف اني جاي النهاردة، بس أول ما خلصنا والشغل تم على خير، لقيت نفسي بطير على هنا ومفيش في بالي غيرك.
ابتسمت لعينيه قبل أن ترتمي بحضنه تضع رأسها على صدره هامسة:
ـ ماما زهقت تكلمني أروح اقعد معاها في البيت على ما ترجع، لكن مرضتش كأن قلبي حاسس انك هتيجي في أي وقت.
ثم تابعت:
_ كمان عارفة نفسي، مش هعرف أنام في مكان غير مكانا.
أخرجها من حضنه سائلًا:
_ وحشتك؟
أومأت إليه بقوة بابتسامة واسعة، فأشار بإصبعه لفمه بالصمت قبل أن ينهض يغلق الباب جيدًا ثم عاد إليها بعدما خلع سترته القطنية، ابتسمت "مي" لكن تلاشت ابتسامتها كليًا عندما فتح درج الخزانة الصغيرة بجانب الفراش يخرج منها علبة العقاقير المعتادة بينهم قبل اقترابه منها والتقط واحدة بعجالة يقربها من فمها، فتحت فمها كالمعتاد يناولها كوب الماء أخذت منه بابتسامة تطلع بها إليه، مر دقيقتين بينهم لتستغل انشغاله بها ولهفته عليها تلتقطها من بين أسنانها تلقيها بعيدًا بعشوائية بالغرفة، كما امتنعت عنها منذ أيام دون علمه أو علم أحد.
رأيكوا وتوقعاااتكوااا للي جااي..
استعدوا لفرح علي...ياترى إيه اللي مستنيه..هنعرف الفصل الجاي.
ومي ناوية على ايه... واضح انه مش عاادي.
وحسام هيقدر ميرجعش تااني ولا في جديد هيضطره يرجع؟
متنسوش رايكوا في الكومنتان عشان بقرأها كلها... قراءة ممتعة ♥️ 
رانيا أبو خديجة 


تعليقات
  1. بارت جامد جدا ❤️ كملي

    رد على التعليقحذف التعليق
  2. مافيش تعليق الفصل مافيش حاجه توصفه انا لسه مصدومه 😳😳😳😳😳😳😳😳😳😳
    تسلم ايدك علي الفصل بجد🙈❤️❤️
    مستنيه حساك لما يرجع ومشهد البداية للرواية😍😳🙈🙈🙈

    رد على التعليقحذف التعليق
  3. واضح ان مي قررت تحمل بس يا ترى قلبها هيتحمل…… مبدعة كالعادة 🥰

    رد على التعليقحذف التعليق
  4. اختياري لحسام ماطلعش من فراغ ... ممكن واحد حسام لو سمحت😂😂😂😂🤭❤️
    مي بتعمل ايه ده حسام هيعلقهم 🫣🫣🫣🫣🫣

    رد على التعليقحذف التعليق
  5. تحفه جدا تسلم ايدك 💞

    رد على التعليقحذف التعليق
  6. تحفه يارانيا مبدعه كعادتك
    موقف مو صعب اووى
    وعلى ده مجنون مالوش حل

    رد على التعليقحذف التعليق
  7. صدقتى يارانيا اللى فات حاجه واللى جاى حاجه تانيه خالص

    رد على التعليقحذف التعليق
  8. استمرى فى الإبداع 🥰

    رد على التعليقحذف التعليق
  9. التطورات فعلا رهيبه
    تسلم ايدكى
    مى تضحى ب قلبها عشان تميم
    على لازم يتكلم مع هنا فى حاجات كتير
    حسام محتاج يعرف مشاعره اكتر ازاى عايز يتمم المهمه ويبعد عن العيلة دى
    كمان ممكن يتجوز رقيه ويعيش مع مامته واخوات رقيه معاهم
    دا طبعا بعد نجاح المهمة بتاعته 🤣🤣🤣🤣

    رد على التعليقحذف التعليق
  10. روعه روعه روعه روعه روعه 😍😍🥰😍

    رد على التعليقحذف التعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة