U3F1ZWV6ZTMxMjc0MDY2Mjc3MzYyX0ZyZWUxOTczMDM4NTMwMzE2MA==

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والخمسون بقلم رانيا أبو خديجة

الحجم

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والخمسون بقلم رانيا أبو خديجة 

رواية 365 يوم أمان 

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والخمسون بقلم رانيا أبو خديجة
الفصل السادس والخمسون 
#٣٦٥_يوم_أمان
#رانيا_أبو_خديجة

خرجت تبحث عنه بعينيها خارج الرواق لتجده يقف مع الطبيب بالخارج يتحدث بابتسامة واسعة ويومىء بوجهه إليه أكثر من مرة فاتجهت اليه على الفور، وعندما رأها استأذن من الطبيب يقترب وقال بعد لحظة صمت يتفرس ملامحها:
_ عايزة ايه، في حاجة تانية نسيتي تقوليها؟!
اهتزت شفتيها قليلًا قبل أن تهمس بضعف حقيقي لأول مرة يراها به:
_ أنا موافقة، بس...بس على شرط.
ضيق عينيه قليلًا بعدم إدراك لكن سريعًا ما استيقظت كل حواسه بتفاجأ واضح، وكأنه لم يستوعب أنه استمعها منها، افترقت شفتيه عن ابتسامة سعيدة واسعة لكنه سريعًا ما قدر على تحجيمها وقال بجدية رغم تلك النبرة المنتصرة التي تتخلل أوتار صوته:
_ شرط!! قولي، خير؟
رفعت أصابعها تلتقط تلك الدمعة من عينيها، دمعة الهزيمة أمامه وقالت:
_ أمي مترجعش السجن تاني، والقضية تتقفل على كدا.
أجاب سريعًا سرعة تقترب من اللهفة:
_ القضية أصلًا تعتبر خلصت، بدام مش هيظهر أي جديد تبقى مسألة وقت وتبقى خلصت.
عادت تقول بنبرة قاسية تبدو قسوتها بعينيها:
_ وكفاية، كفاية على أمي لحد كدا يا علي، مهما يحصل بيني وبينك أمي ملهاش دخل، وأنا خلاص هبقى تحت أمرك أهو، بس بلاش أمي تاني، كفاية عليها كدا.
رمش بعينه عدة مرات يشيح بوجهه يحاول تجاهل ذلك الشعور بالذنب والايذاء من جديد ثم أومأ برأسه بصمت فتابعت هي:
_ أخر حاجة... مفيش حاجة تتم إلا بعد العملية وأطمن انها قامت بالسلامة كمان.
ارتفعت شفتيه في ابتسامة جانبية. توسعت عينيها فور أن لمس كفه كفها يتخلل أصابعها وقال:
_ الموافقة والشروط كانت عليكِ انتِ، انما المواعيد ودا هيحصل امتى ودا هيتم في قد ايه، دي بقى كلها حاجات بتاعتي أنا.
عقدت حاجبيها بترقب لتلك النظرة في عينيه وابتسامته الغير مطمئنة على الإطلاق توسعت عينيها فجأة عندما أطبق أصابعه على أصابعها يسحبها فجأة معه خارج الرواق، لم تحاول مقاومته أو حتى سؤاله أين سيأخذها فقد علمت أنها بموافقتها تلك قد سلمت له كل أحبال قيودها يسحبها منها كيفما يشاء.

!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
ضغطت عينيها بشدة تقبض أصابعها بألم واضح، تشعر ببرودة قوية تكتاح جسدها، بينما تنفسها يضيق حتى افترقت شفتيها تتنفس من خلال فمها. التفتت تتطلع بوجهه وجدته غارق بالنوم بجانبها تنفسه منتظم دلالة على عمق نومه.

اقتربت "مي" منه تتطلع إليه عن قرب. ابتسمت رغمًا عنها على جمال تقاسيم تلك الملامح، رفعت كفها على لحيته البسيطة ومنها لوجنته تقترب بشفتيها تلثم تلك اللحية برقة لكنها توقفت يدها على وجهه فجأة تغمض عينيها بشدة عند ثقل تنفسها وسرعة ضربات قلبها تنبأها بالخطر وألم غير قادرة على تحمله أكثر، فأخفضت يدها تقترب منه أكثر تدس نفسها بحضنه كما كانت تفعل مع أبيها وأخيها من بعده عندما تزداد عليها أعراض مرضها بهذا الشكل.
شعر "تميم" ببرودة جسدها على جسده الدافئ فتململ بعدم ارتياح وفتح عينيه بتشوش من أثر النوم بهما. وجدها تضم جسدها أكثر إليه ترتجف فأطبق عليها ذراعه سائلًا ببوادر قلق بينما نبرته يتخللها بقايا النعاس:
_ مي!! مالك، جسمك متلج كدا ليه، انتِ بردانة؟
أومأت تهمس بصوتٍ خرج غير طبيعي تمامًا:
_ ش..شوية.
اعتدل يضمها إليه أكثر يقبل وجنتها الباردة بشفتيه الدافئتين بينما مازالت يده تضمها إليه برفق ثم تمر باحتكاك مقصود على طول ذراعها ليبث بجسدها بعض الدفء وهمس:
_ مي مالك، جسمك متخشب كدا، لو تعبانة عرفيني.
حركت رأسها بنفي داخل حضنه بينما شفتيها الزرقاوين زرقة جسدها الذي يرتجف بشدة تخبره بأن القادم خطِر.

منذ أن أتت إليهم والدته بالأمس وكعادتها تحدثت عن أمر الخلفة وأطفال ابنها التي تتمنى رؤيتهم بالمنزل كما ذكرت، لكنها وأمامه أفسحت في الحديث بطريقة أكثر جدية ، تسألها أسئلة خاصة للغاية لتكتشف إذا حدث وأصبحت تحمل في طفله أم لا، توسعت عيني "تميم" حينها من جراءة والدته في الأسئلة خاصتًا بعد عبوس "مي" تعقد حاجبيها تفرك أصابعها بقوة بحرجٍ بالغ، فصاح ينبهها، لكنها نظرت إليه قائلة بذات جديتها:
_ يا أبني بتأكد ان الأمور سليمة وكويسة، أنا حاسة انكوا محسودين وفي حاجة غلط في الموضوع دا.
ثم عادت بنظرها إليها قائلة تضحك بمزاح عادت تغلف حديثها به اعتقادًا منها أنه يخفف من قسوة الموقف وحرجه:
_ صراحة يا مي يا حبيبتي فات كذا شهر على جوازكوا، وأنا بدأت أقلق يا بنتي، وبصراحة أكتر بقى أنا شاكة انكوا محسودين.
رفعت "مي" عينيها عن أصابعها التي بدى عليها اللون الأحمر من كثرة احتكاكهم ببعصهم بحرجٍ كإحمرار وجهها خجلًا فتابعت حماتها تقترب منها وكأنها تهمس. مالت اليها "مي" فأستمعت:
_ صراحة أنا حاسة ان في عين في حياتكوا ومخبيش عليكِ أنا شاكة في البت شيماء بنت أختي اكمنها يعني كان عينيها من تميم وهتموت وتتجوزوه لولا هو بقى بص برة واتجوزك انتِ.

توسعت عينيها ترفعهم بذهول لزوجها الذي حرك رأسه بمعنى "قالتلك ايه" عقد حاجبيه بعدم فهم ثم حول نظره إلى والدته يجبرها على الصمت فابالتأكيد ازدادت في قولها جرئة، لكنه عدل عن ذلك عندما استمع إليها تتابع:
_ واللي خلاني حاسة ان دي عينيها انها لسة عينيها منه، عندها أمل تتجوزه وتكون ليه حتى بعد ما اتجوزك.
ظهر الوجوم والبؤس على وجه الأخرى ناظرة لزوجها بعيون ملؤها الخوف بل الرعب فجأة، تشعر بأن تلك الكلمات ليست عفوبة على الإطلاق وانما هي رغبة منها أو تفكير قوي في الأمر حين تعلم بصعوبة إنجابها منه!!
ربت "تميم" على ذراعها يضمها أكثر إليه، بينما عقله يتذكر رد فعلها الصامت بشكل مبالغ فيه بعد مغادرة والدته، حاول توضيح الأمر أمامها، وأن عليها ألا تقلق بشأن شيء طالما هو معها لكنها كل ما عليها أن تومئ برأسها في صمت، لم يعلم ما يدور برأسها.

انكمشت أكثر على نفسها تتلوى بألمٍ فأعتدل بقلقٍ وترقب ورفع وجهها إليه رغمًا عنها وجدها مغمضة عينيها بقوة تحاول أن تتخطى ما تشعر به من ألم ينبأ بخطورة ما هو قادم لكنها غير قادرة على تجاهله وكبت وجعها بداخلها أكثر فمالت فجأة عليه تضع كفها على فمها تسعل بقوة وفي شدة سعالها كان يصطحبه بعض نقاط الدم التي تفاجأ بها بكفها.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
لم يذق النوم طوال الليل، فقط يحاول إغلاق جفنيه وما هي إلا دقائق وينهض متأفف، فرغم سماعه لإعترافها لأختها بعدم وجود ما يربت بينها وبين المدعو "وليد" من مشاعر إلا أنه وقبل خروجه من الغرفة لمح بعينيها أنها لم تنوي التراجع في الأمر أو حتى على سبيل إعادة التفكير في ارتباطها به كما حثها، يصدقها عندما تقول أنها لا تعرفه او تشعر اتجاهه بأي شعور يجعلها تتقبله كزوج؛ نعم يصدقها فهو لم يظهر بذلك الشكل يتخلل حياتها باعتراف منها سابقًا أنه تعرف عليها بعد ما حدث باختبارات الفصل الدراسي السابق أي أنه لم يمر أكثر من شهر على كل ما حدث فيمكنه أن يربط بينهم، بالإضافة لعينيها الهاربة على الدوام من عينيه ونظراته لها التي تتحاشاها بقوة ورهبة. كما لاحظ ارتعاشة ابتسامتها عندما تطرق الحديث أثناء جلستهم وبعد تفوها بالموافقة للزواج وموعده وكأنها غير مستعدة تمامًا لذلك القرب بينهم الذي يؤهله ليكون زوجها حقًا.

بعد انتهائه من صلاة الفجر واستغفاره الكثير يحاول تخطي تفكيره بها خاصتًا بعدما أصبح يصدر منه اتجاهها، أغمض عينيه وهو جالس على سجادة الصلاة شفتيه تهمس مكررة الإستغفار والتوبة لله عز وجل عندما طرق بباله ذلك الشعور باللذة الغريبة التي أحسها بضمه اليها ليلة أمس ورغبته حينها بالمزيد، هز رأسه بقوة يزيد من همسه الذي تحول من الهمس لصوتٍ مسموع له بقوة لعله يتخطى تلك الأفكار ثم نهض يلملم سجادة الصلاة وألقى بنفسه على الفراش يلتقط وسادة كبيرة الحجم يلقيها فوق رأسه ليكبح ضجيج أفكاره بها والذي يشعره باقتراب الخطر.

بعد وقت لم يعلم كيف مر ومتى من التفكير بالقادم وخطورته التي أصبحت تلح عليه بضرورة ابتعاده عنها وعن البيت بأقرب فرصة، تسللت أشعة الشمس الهادئة من فتحات شباك غرفته فازاح ذراعه المغطي به وجهه يحاول فتح عينيه ومواجهة الأشعة المتسللة للغرفة ثم نهض ولم يفعل شىء سوى الجلوس مطرق الوجه عدة لحظات ثم سحب حقيبة ودس بها بعض الملابس كدلالة على سفره وغيابه لعدة أيام ومن بينها أخر أدلة ورسوم حصل عليها بتلك المهمة والتي فقد تركيزه بها كليًا.

وفتح باب الغرفة بعدما بدل ملابس النوم لقميص رمادي بسيط على بنطال من الجينز، وفور فتحه لباب الغرفة وجدها بوجهه تتطلع اليه ثم انحنت بعينيها للحقيبة بيده وزاد الصمت الذي لم يقطعه هو أيضًا بل ظل يحدق بها وكأنه يودعها، ظلت توزع نظرها بين الحقيبة بيده وبين وجهه بنظرات مبهمة لكنه يعلمها جيداً كما يعلم ما يدور برأسها الآن.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
بسيارة الشرطة جالسين منتظرين الأوامر بالهجوم وبداية مهمتهم كالمعتاد، سحب "بدير" سلاحه الناري من مقدمة السيارة يقوم بتأمينه ثم وضعه بجيب الأمان بظهره، لفت انتباهه شرود ذاك الجالس بجانبه فوكزه بيده وقال:
_ مالك يا أبني، من الصبح وانت ساكت ومش معانا خالص، في ايه؟
عدل من وضعية الأشياء من أمامه بشرود ثم أجاب:
_ مفيش، أنا جاهز ومعاك أهو.
اعتدل "بدير" اتجاهه وقال:
_ جاهز ايه، لسه مفيش أوامر بأي تحرك، أنا بسألك مالك انت، ساكت من الصبح كدا ومش على عادتك عامل دوشة يعني!!
على نفس حالته الشاردة يحرك الأشياء من أمامه بشرود وهمس:
_ مي.
اعتدل مقابلاً له وقال:
_ مالها مي؟!
التفت إليه "تميم" وقال:
_ تعباني جدًا الفترة دي.
_مي!! طب دي نسمة، تعباك ازاي مش فاهم يعني؟!
تنهد بقوة ثم قال:
_ نفسيتها زي الزفت ودا مأثر جامد على حالتها وتعبها اللي أنت عارفه، مبقاش يعدي وقت إلا ويحصلها مضاعفات، الموضوع بيطور وبدأت أخاف عليها فعلًا، مبقتش عارف أعمل ايه.
توسعت عيني "بدير" بقلق وقال:
_ وليه كل دا، ايه اللي حصل!! اللي أعرفه منك انكوا بتعيشوا أجمل أيام حياتكوا مع بعض، مش أنت يا أبني قايلي كدا بنفسك كل ما اسألك عنها.
زفر بحدة ثم سرد عليه ومازال يتطلع من نافذته بضيقٍ:
_ أمي، مش ساكتة خالص وكل ما تيجي عندنا _وهي أصلا دايما عندنا_ كمية أسئلة لمي وكلام عن تأخير حملها، أنا نفسي بزهق وبتضايق.
ثم نفخ بقوة يتطلع بسقف السيارة وتابع:
_ مكنتش أعرف ان الأمور هتبقى بالشكل المعقد دا، مكنتش أعرف.
قال "بدير" مقترحاً ببساطة:
ـ قولها على حقيقة حالة مي، وإنها مش هتقدر تخلف، حالتها متسمحش بكدا، ماهي كدا كدا لازم تعرف.
التفت إليه "تميم" يقول بملل وضيق:
_ انت بتقول ايه انت كمان!! عايز أمي تجوزني بنت خالتي من الصبح.
ثم نظر إليه وقال باندهاش:
_ أنا مش عارف شيماء دي مبتتجوزش ليه يا أخي!
ابتسم "بدير" على حديثه ثم فكر قليلًا وقال:
_ مي صعبانة عليا، شوف انت مش متحمل كلام والدتك أومال هي بقى!
زفر بحدةٍ ثم عاد يتطلع من شرفة السيارة قليلاً وقال:
_ مش عارف اقنعها إزاي إني مبسوط كدا.
ثم تابع بتلعثم وكأنه يبحث عن الكلمات:
_ أنا... أنا مش عايز عيال، كفاية عليا إني مبسوط معاها، نعيش حياتنا ونبسط ببعض وبس.... انا أصلًا كنت بفكر في كدا قبل الجواز عايز أعيش حياتي وبس، خلفة ايه ووجع دماغ ايه.
ظل "بدير" يتطلع إليه بصمت حتى لاحظ الآخر صمته فعاد برأسه يتطلع إليه يهز رأسه ثم قال:
_ في ايه بتبصلي كدا ليه ؟!
نظر للأسفل قليلاً ثم عاد يرفع عينيه إليه وقال:
_ الكلام دا كلنا بنقوله يا تميم قبل الجواز، لكن في الواقع محدش مننا بيبقى ملهوف على حاجة بعد الجواز قد الخلفة.
أغمض "تميم" عينيه بشدة اثناء حديث صديقه وكأنه لا يود سماعه، ثم عاد يلتفت إليه وقال:
_ بدير!!
صمت الآخر يتطلع إليه فتابع "تميم" بابتسامة مهتزة على شفتيه:
_ بتتكلم وكأنك مش عارف إن أنا اللي اخترت من البداية و ..وراضي كمان باختياري.
قال أخر جملته بخفوت شديد فربت الآخر على ركبته. رفع عينيه لسقف السيارة ثم قال ويده تعبث بأشياء السيارة من أعلى:
_ بفكر أخد اجازة وأخدها ونسافر كام يوم في أي حتة بعيد عن دوشة هنا خالص.
ثم تابع بذات سكونه الشارد:
_ وأهي تغير جو يمكن نفسيتها تظبط شوية وتدهور حالتها اللي رجع خطوات لورا خلال أيام دا يخف شوية.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
أغمض عينيه لحظات بتعب ثم فتحهم يتنهد بيأس وملل فتابعت هي وقد بدأت دموع الخوف تلمع بعينيها من جديد:
_ أقول لإخواتك ايه لما يصحوا ميلاقوش ليك وجود في البيت... فجأة كدا؟!
خرج من الغرفة غالق الباب خلفه ثم تخطاها يسير اتجاه الباب وقال:
_ قوليلهم أخوكوا سافر يومين وراجع...مش ههاجر يعني يا رقية.
قبضت على ذراعه تديره اليها بقوة وصرخت بوجهه:
_ ما تكلمني زي ما بكلمك وتقولي رايح فين سرقة كدا من غير ما تعرفنا إلا إذا كنت هتعيده تاني وتهرب وترمي كل حاجة ورا ضهرك...ما هو مش جديد عليك.
انفتح باب غرفة الصغار تخرج منها "أحلام" تفرك عينيها بأصابعها مترنحة من بقايا آثار النوم بعقلها وهتفت وهي تقترب منهم في ترنحها:
_ اصطبحنا عالصبح... في ايه تاني..هو انتوا ميعديش عليكوا كام ساعة بس إلا وتمسكوا في خناق بعض!!
التفتت اليها "رقية" تتحدث بتأكيد وثقة رغم صوتها الغاضب المضطرب:
_ اتفضلي اللي دايمًا تدافعي عنه وتقوليلي مش ممكن يعمل كدا، أهو بيعمل أبو كدا أهو.
ثم تابعت وهي تشير اتجاه غرفته:
_ دخلاله أصحيه عشان نتهبب نروح الورشة سوا لقيته في ايده شنطة هدومه وسايبنا من غير حس ولا خبر ومسافر زي ما متوقعة منه بالظبط.
فتحت "أحلام" عينيها على وسعهم واقتربت منه تهمس بضياع وعدم تصديق:
ـ الكلام دا صحيح يا إياد!! أنت مسافر وسايبنا تاني لوحدنا! هونا عليك تسيبنا في كل اللي حكيتلك عنه قبل كدا وترمينا ورا ضهرك من تاني!!
تطلع إليهم غير قادر على الرد مما أكد لهم ما خطر ببالهم، ظل يحدق بهم بنظرات مهزوزة متوترة فالأن أو بالمستقبل القريب.. القريب جدًا سيرحل ويتركهم بالفعل، فهما محقين على كل حال.

_ أنا عمري ما وثقت فيك وأقولك بقى الكبيرة أنا ولا لحظة حسيت انك أخويا.
توسعت عينيه فصرخ فجأة مما أفزعها:
_ رقية!!!
تابعت على الفور بصدق:
_أخويا اللي بجد يخاف علينا، ميسبناش بنغرق ويروح هو يشزف نفسه ومصلحته.

أنهت حديثها تلهث صدرها يعلو ويهبط، تطلعت اليه بيأس وإحساس عميق بالظلم فتابع متنهدًا لينهي الموقف على الفور:
_ أنا كنت خارج من أوضتي وهجيلك أوضتك، أقولك اني مسافر كام يوم بس في مصلحة خاصة بشغلي القديم ...كام يوو م ورااجع...لية بقى كل شوية الظنون دي، انا تعبت يا رقية من تفكيرك دا.
تقدمت أحلام بلهفة:
ـ صحيح، صحيح يا إياد، يعني انت راجع تاني مش هتسيبنا بالسنين زي ما عملت قبل كدا؟
ارتجفت ابتسامته قبل أن يهمس اليها بإحساس بالكذب وعدم الإقتناع:
_ بقى كدا يا أحلام ، بقى أنتِ برضو مصدقة المجنونة دي إني أقدر أبعد عنك وعن أخواتك، دانتوا بقيتوا حتة مني، قصدي انتوا أصلًا حتة مني.

ضحكت بشدة ترتفع على أطراف أصابعها تحتضنه بقوة، فربت عليها قليلاً بابتسامة وعقله غير قادر على عدم المقارنة بين شعوره بحضن أحلام العفوي بشدة وشعوره ومدى اضطرابه بمجرد اقتراب الثانية منه، أخرجها من حضنه يربت على وجنتها بابتسامة حنونة ثم حول نظره لتلك الواقفة تتطلع اليه بشكٍ يعلمه جيدًا بل أصبح معتاد عليه منها ثم قال مختصرًا يحاول عدم النظر اليها:
_ أنا سايبلك مبلغ كويس جوا تحت المخدة، مش عايز الورشة تتفتح وأنتِ لوحدك، وخلي بالك من اخواتك.
ثم تقدم يتخطاهم لكنه وقف على صوتها تقول باندفاع وقوة:
_ اخلي بالي من اخواتي ليه، أنت مش بتقول يومين وراجع!!
ظل مطرق الوجه وقد أغمض عينيه يوليها ظهره لكنه سريعًا ما التفت اليها هامسًا:
_ خلي بالك من اخواتك يا رقية على ما أرجع...ومن نفسك.
ثم عاد يلتفت اتجاه الباب لكنه توقف مرة أخرى يعود يتقدم من غرفة الصغار ودخلها أمام عينيها يقترب من الصغيرين المستغرقين بالنوم واقترب يقبلهم ويمرر يده بحنانٍ أعلى رأسهم ثم وقف يتأملهم في نومهم لحظات وكأنه يودعهم قبل أن يخرج ناظرًا نظرة أخيرة إليها وإلى "أحلام" التي ابتسمت اليه بحبٍ وحنان أخوي سيفتقده منها كثيراً وخرج قبل أن تُترجم نظرة الشك بعيني تلك الناظرة اليه تود الصراخ بوجهه وغلق الباب تمنعه من الخروج من الأساس، ظلت ناظرة في أثره طويلًا قبل أن تهمس بشك اقرب لليقين:
ـ أخوكِ مش راجع تاني يا أحلام، مش راجع.
هزت أحلام رأسها بغضبٍ منها قائلة قبل أن تعود لغرفتها تستأنف نومها:
ـ يا شيخة حرام عليكِ بقى، ارحمينا وارحميه يا رقية من تفكيرك اللي بقى اوڤر دا.
ثم تركتها على وقفتها ودخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها، بينما ظلت هي واقفة حتى سارت اتجاه الباب وفتحته تنظر للطريق الذي شقه فلم ترى سوا الفراغ وكأنه اختفى.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
بعد مرور أشهر على زواجهما، لم تنعم بسعادة مثل التي اختبرتها معه، لقد منحها كل ما ظنّت يومًا أنه مستحيل أن تطوله يدها، ومع ذلك لم تشعر أبدًا بأنه يظهر لها تقديره لما يفعله، كأنما كان الأمر شيئًا اعتياديًا بالنسبة له، لو كان يعلم كيف غيّر وجوده في حياتها، لو كان يدرك كيف تبدلت الأشياء من حولها لمجرد أنه كان يشاركها لحظاتها، تبدلت في كل شيء حتى ألمها ووجعها أصبح يحتضنه شعور مختلف مألوف للغاية لدى قلبها، عندما تشعر ببوادر الإعياء تلقي بذاتها بين ذراعيه يظل مستيقظ يمسد عليها حتى تمر الليلة على خير سوى في الحالات الخطرة والتي يصطحبها ذاك النزيف الذي يجعلها ترى قلقه وشحوب وجهه الشديد عليها حينها يطلب طبيبها مباشرتًا يشرح له الوضع فيخبره بما يفعل أو يأتي بها للمشفى على الفور تحتاج لجلسات من التنفس وغيرها.
منذ زواجهما وابتسامتها أصبحت لا تفارق وجهها، وضحكتها أصبح للجدران حق التعرف عليها فور انطلاقها، حتى هو عندما يأتي من الخارج يفضي جيوب بنطاله على الطاولة ويتحدث إليها بابتسامة متسعة قبل أن يتجه اليها يحاوطها بذراعيه يقبلها بحبٍ وفور سؤاله عن يومه وما جرى به تكون الإجابة الأقرب لقلبها:
_ من يوم ما بقيتي معايا وكل حاجة بقت أحسن، حتى شغلي الكل ملاحظ تغييري فيه.
حينها تسأله بلطف ابتسامتها:.
_ ملاحظين تغييرك إزاي يعني؟!
يداعب ابتسامتها بإصبعه ويجيب:
_ بقوا بيلقبوني بصاحب الدوشة، من كتر الصخب والسعادة اللي بعملها أول ما ننجح في مهمة... ميعرفوش ان سر السعادة دي مش نجاح الشغل والعمليات بس لأ، السبب وجودك في حياتي يا مي.
لكن بدأت الإبتسامات تتلاشى والضحكات تتحول لصمت والنظرات المليئة بالحب والشغف لبعضهم تحولت لشرود صامت، رفعت وجهها تتطلع لوالدته التي تتحدث منذ أن دخلت من الباب ولم تتوقف عن الحديث بدافع التقاط أنفاسها على الأقل.
ظلت "مي" تتجاهل حديثها حتى ردود "تميم" عليها أصبح يكف عنها فقط يكتفي بالاستماع والإماءة لكن التفتوا الإثنين إليها بحدة عند قولها:
_ خالتك حسبت معايا وعرفنا ان بقالكوا كتير، حسبناها باليوم وبالشهر فهي بتقترح يعني ....
صمتت قليلًا تبتلع ريقها بتردد ثم تابعت بإصرار وجرئة:
_انك تجدد نصيبك مفيهاش حاجة دي.
نظرا اليها الإثنين بحدة وقسوة لم تشعر بها "مي" في نظرتها إليها فتابعت وهي تنتقل بعينيها بينهم بتوتر:
ـ مفيهاش حاجة يا ضنايا، و..ومي بنت حلال وأكيد حاسة بيا، وأنا كل ما اسألها ملقيش دليل واحد يوحد ربنا ان في أمل في حاجة زي دي فيها، أبدًا، أنا...أنا نفسي أفرح بعوضك وأشيله على دراعي قبل ما أموت.
أغمضت "مي" عينيها تعتصر حافة الأريكة بأصابعها ثم أحنت رأسها في صمت تام، لم تكن تعلم بتلك الأعين المتابعة لكل حركة وهمسه تصدر منها، عينيه تصعد من يدها القابضة على حافتي الأريكة بشدة إلى وجهها الشاحب ذاك الشحوب الذي يماثل شحوبها بالليالي السابقة التي لازمها فيها المرض وأعراضه البغيضة.

تنهد "تميم" بقوة ثم التفت لوالدته بقوة يستند بمرفقيه  إلى ركبتيه يشبك أصابعه ببعضهم متحدثًا بجدية وثقة وكأنه قد اتخذ قراره وانتهى الأمر.
ـ اسمعيني يا أمي، خلينا ننهي الموضوع دا خالص...الحقيقة ان في حاجة أنا مخبيها عليكِ وافتكر دا وقته انك تعرفيها.
رفعت "مي" وجهها فجأة تفتح عينيها على وسعهم دون أن تلتفت اليه، يبدو أنه قرر الإفصاح لوالدته بحالتها لعلها تهدأ لكنها تعلم أن بذلك، الأمر سيزداد سوء وبالتأكيد ستصر على زواجه أكثر من ابنة خالته، ان لم تكن تقترح عليه طلاقهم والخلاص منها، فإن علاقته بها بلا فائدة فهي ....
_ أنا أكتشفت إن أنا ...مبخلفش.
التفتت بحدة اليه، قطع ضجيج أفكارها كلمته القوية، التي لم تتوقعها على الإطلاق، بينما والدته فقد امتقع وجهها بحالة يشفق عليها.

٣٦٥ يوم أمان 
رانيا أبو خديجة 
رأيكوا وتوقعاااتكوااا للي جااي... قراءة ممتعة ♥️ 


تعليقات
  1. برافو تميم بصراحه انا ماشفتش كده لسه متجوزيين بقالهم كام شهر وبتقولو جدد نصيب وكمان في وش مراته بجد حاجه صعبه ونعمه الراجل بجد

    رد على التعليقحذف التعليق
  2. ينصر دينك يا تميم ياابني

    رد على التعليقحذف التعليق
  3. ممكن واحد تميم لو سمحت 😍😂

    رد على التعليقحذف التعليق
  4. جميله ومؤثره جدا كالعادة تسلمي حبيبتي

    رد على التعليقحذف التعليق
  5. إيه الجمال ده هو في كدا ؟

    رد على التعليقحذف التعليق
  6. بارت جامد جدا ❤️ برافوا يا تميم 🥹💙

    رد على التعليقحذف التعليق
  7. تميم ده جميل وراجل اوي 🥺

    رد على التعليقحذف التعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة