رواية 365 يوم أمان الفصل الخامس والخمسون للكاتبة رانيا ابو خديجة
رواية ٣٦٥ يوم أمان بقلم رانيا أبو خديجة
الفصل الخامس والخمسون
#رانيا_أبو_خديجة
#٣٦٥_يوم_أمان
استمعت لصوت صفارات سيارة الإسعاف بالخارج، لم تنتبه أو حتى ترفع رأسها، بالتأكيد أتية بحالة أخرى يضعوها بغرفة مجاورة منتظرة لحين إشعار آخر.
لم تتحرك حدقتي عينيها ترفع رأسها ببطء سوا لرؤيتها رجال الإسعاف حاملين سرير داخلين مهرولين في حركتهم كالمعتاد اتجاه غرفة والدتها!!
نهضت بملامح خائفة، متعجبة تدخل خلفهم لتراهم يتجهوا اليها يحملوها على السرير النقال فاقتربت قائلة بحيرة وتوجس:
_ في ايه، انتوا واخدينها فين!!!
خرجت خلفهم خارج الغرفة مازالت تسأل ممسكة بحافتي السرير بقوة تمنعهم، فذكر أحدهم إسم مشفى ضخم ينتسبون اليه، بينما توقفت يدها فجأة تعتدل بقسوة ملامحها فور رؤيتها لذلك الداخل باندفاع حتى توقف بمدخل المشفى الحكومي البسيط يلتفت حوله يمينًا ويسارًا بقلق وملامح مرتعبة، أنفاسه العالية تكاد تصلها، بينما ملامحه شديدة الترقب والفزع شغلت ذهنها لحظة قبل أن تعود ملامحها لقسوتها وعينيها تنطق بالشرر من جديد متجهة اليه مندفعة اندفاعها صباحًا.
ظل يتلفت بكل اتجاه حتى وقعت عينيه على السرير النقال محمول عليه والدتها، يتجهوا به برفق للخارج حيث سيارة الإسعاف، ظلت عينيه معلقة بها، عقد حاجبيه بأسى يهز رأسه برفض وندم لما قد يحدث ويخشاه، وبعد أن مروا به يتخطوه رفع عينيه بحثًا عنها حتى وقعت عينيه عليها أتية مهرولة اتجاهه وملامحها يكسوها شر وتوعد لا يختلف كثيرًا عن ما رأهه في وجهها صباحًا.
اقتربت تصيح بانفعال واضح في صوتها الذي لفت كل الأنظار إليهم:
_ انت ايه جابك هنا!! أنا مش عايزة أشوف وشك تاني، وأنت....
كبل يديها بكفيه يسحبها عليه بقوة ثم همس من بين أسنانه أمام وجهها بقسوة:
_ نطمن على والدتك الأول، وبعدين ابقي اعملي اللي أنتِ عايزاه.
لم يعطيها فرصة للرد بل قبض بشدة بأصابعه على معصمها يسحبها خلفه بقسوة حتى وصلوا للخارج أمام سيارة الإسعاف فنفضت يده بقوة تدفعه في صدره بعيدًا عنها متمتمة بغضب وتركته واتجهت تلحق بوالدتها ترافقها بالسيارة بينما هو فلم ينتظر طويلًا بل توجه لسيارته يسير خلفهم، يقود بأيدي مرتجفة وتوتر يجعله يبتلع ريقه كل ثانية وآخرى بصعوبة بالغة.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
دخلت تركد خلف السرير النقال، حامل والدتها الناعسة باعياء غير قادرة على الشعور بما يحدث حولها، دخلوا بها غرفة الفحص ولم يسمحوا لها بالدخول التفتت واضعة كفيها على فمها الباكي، لكنها توقفت في خطاها عندما رأته يدخل مهرول اتجاهها توسعت عينيها بغضب تنوي الصراخ في وجهه من جديد لكنه تخطاها بحركته السريعة المتوترة يفتح الباب الذي أغلق بوجهها منذ لحظة ويدخل، ظلت واقفة فاغرة فمها تتابع فدخل يتحدث للطبيب وعينيه على والدتها الملقاه على الفراش فاقدة وعيها، توسعت عينيها أكتر عندما رأته يرفع كفيه في حديثه يلوح بهم بعصبية وتوتر بالغ اقتربت فأستمعت صوته قد هدأ يقول بنبرة يتخللها الرجاء:
_ بقولك كدا عشان عرفت انهم افتكروها ماتت بعد الإغماءة دي ودا هيجنني، معناه أن حالتها خطيرة وممكن...
صمت يزفر بقوة ثم تابع بعد تنهيدة مشحونة بالتوتر البالغ:
_ أرجوك الحقها بأي طريقة، مينفعش يجرالها حاجة ..مينفعش.
أشار إليه الطبيب بالخروج للمرة الثالثة بإصرار قائلًا:
_ دي كلها حاجات بإيد ربنا، ادعيلها، واتفضل بقى عشان أشوف شغلي واطمنك.
مازال صدره يعلو ويهبط بقلق ورعب، نظر إليه مرة أخيرة قائلًا بذات لهاثه:
_ أنا هستنى برة مش هتحرك، أرجوك في أقرب لحظة تخرج تطمني.
أومأ إليه الطبيب قبل أن يتحرك اتجاهها، بينما خرج هو فأغلقت المساعدة الباب خلفه، رأها واقفة بوجهه تواجهه بنظراتها الحادة ووجهها الباكي لكنه تخطاها يتنهد بقوة، ثم اتجه ليلقي بنفسه على أقرب مقعد يغمض عينيه ويهمس بهمس غير مسموع وكأنه يدعي أو يناجي ربه، كورت شفتيها بغضب تضيق عينيها ثم اتجهت تلقي بنفسها على المقعد بجانبه لتواجهه تمامًا قائلة بحدة وغيظ من تصرفاته المتناقضة الغير مفهومة بالنسبة لها:
_ لا والله!! تقتل القتيل وتمشي في جنازته!!
أغمض عينيه بشدة يرفع مقدمة قدمية عن الأرض ثم يضعهم بقوة تعبر عن عدم تحمله المزيد في تلك اللحظة لكنها لم تشعر بما يدور بداخله بل تابعت ترفع أصابعها تجفف إحدى وجنتيها بقسوة:
_ كل اللي بتعمله دا مش هيرحمك مني لو حصلها حاجة، وديني لأكون....
شهقت فجأة بفزع عندما استدار إليها بكامل جسده يقبض على معصمها بقسوة ألمتها قائلًا بعنف أمام وجهها مباشرتًا:
_ عارفة لو مسكتيش دلوقتِ أنا هيكون رد فعلي ايه!! حاولي تخرسي خالص، خصوصًا في اللحظة دي.
ثم ترك معصمها يقبض على فكيها يقربها منه أكثر بحدة متابعًا بقوة وعنف أشد رغم صوته الخفيض:
_ أنا كنت هرتكب جريمة قتل بسببك!! عارفة يعني ايه!! يعني عذاب جديد، وقسوة ليالي مشوفش فيها النوم من تاني، يعني أموت نفسي وراها المرادي.
شدد من قبضته ثم صمت يتنفس بعنف قبل أن يتابع:
_ اخرسي خالص، اخرسي، تقعدي مسمعش صوتك، فاهمة!!
صرخ بآخر كلمة بوجهها حتى ارتجفت خوفًا ثم نفضت كفه بعيدًا عن وجهها بحدة تتطلع إليه بشرٍ ممزوج بذهول، بينما نهض هو يجيب أرضية الرواق ذهابًا وإيابًا واضع كف بجيب بنطاله رافع رأسه لأعلى وكانه يتطلع بالسقف بمناجاه ثم يخفضها أرضًا يغمض عينيه يهز رأسه بندم جديد، يعترف أمام ذاته أن رغبته بها وقلبه الذي ينزف ألمًا مما فعلته به قد أعمته من جديد، جعلته يتصرف كالذئب عندما يثور على الجميع متجاهلًا ضحاياه، لكنه لم يقدر على ذاك الذنب من جديد فقد أوشك المرة السابقة على الموت ألمًا خلفها تفتتت أيامه بألام الضمير وإحساسه بالذنب يحمل ذنب موتها على عاتقه لولا تلك المعلومة التي خففت من عذاب لياليه بأنه حادث قضاء وقدر ورغم ذلك مازال يعاني، لم يهنأ بالنوم مثل السابق من بعد ما حدث، مازالت تزوره في كوابيسه ليلًا، مازال يغمض عينيه يعتصرهم بألم وندم كلما تذكرها وخطرت على باله، لكنه الآن سيكون هو المتسبب بالأمر بكل تأكيد، رفع كفه _أمام تلك الأعين المتأملة لكل حركة أو همسة تصدر منه_ لمؤخرة رأسه يقبض عليها بقسوة، يهز رأسه برفض وندم، لم يستوعب ما فعله، يقسم بداخله وكأنه يبرأ ذاته أمام الله بأنه لم يقصد أن تصل الأمور لذلك الحد، فكان يتوقع منها أن تأتي اليه قابلة بكل شيء وأي شيء من أجل عدم مكوث والدتها هناك ولو دقائق، لم يعلم أنها عنيدة لهذا الحد.
مازال يجيب أرضية الرواق تتحرك ساقيه بانفاعل واضح مغمض عينيه، أطبق شفتيه بقسوة، لم يشعر يومًا أنه يقع بكل تلك الدوامات الغامضة من أجل فتاة، من أجل ما يسمى ب"العشق" لم يشعر بتلك الأحاسيس أو ذاك العذاب من قبل، ولم يدري عن نفسه أنه سيكون بذلك الجنون حينها، توقف عن السير المتوتر القلق يتطلع بالرواق أمامه يعقد حاجبيه بإدراك قاسي يتذكر شقيقته "مي" والتي تبدل حالها لأقصى درجة عندما وقعت بعشق "تميم"، كانت كالأرض الجافة يسودها الظلام الروحي والمظهري، يتذكر حالتها عند رفض أخيه ارتباطهما، بينما حالتها بعدما أصبحت زوجته، معه تنعم بتواجدها بقربه.
انحرف ذهنه نحو أخيه "حسام"، فهز رأسه برفضٍ قاطع، وكأن فكرة ما تجرأت على اختراق عقله، فكرة أن يأتي يومٌ ويجد نفسه غارقًا في غرام فتاة، لا بدّ أن يحذره من الوقوع في هذا الفخ، ففي ذلك عذاب أسود لا محالة، أيامٍ تشتعل نيرانها في قلبه، وليالٍ تتحول إلى جمرٍ متقد، وقد علم للتو أن العشق في عيونهم ليس سوى مرارةٍ لا تنقضي، لا يتوانون عن التعلق به، على الرغم من شقائه.
أخفض رأسه في صمت، وأغمض عينيه يهمس بصوت خافت، دون وعي:
"يا بختك يا حسام، خالي البال ...وعمرك ما جربت!!
وضع كفه على صدره يعتصرها حتى تحولت لقبضة، يخفض رأسه من جديد يزفر بقوة وثقل.
_ ممكن حضرتك تقعد.
رفع رأسه على ذلك الصوت الأنثوي الأتي من جانبه، فتابعت قائلة:
_ الدكتور لاحظ في وش حضرتك إصابات، ممكن تقعد لحظة أشوفها.
عاد يضع كفه بجيب بنطاله ثم أشار بالأخر بعدم اهتمام قائلًا:
_ متشكر، أنا تمام، مش عايز حاجة.
ثم تخطاها يتابع سيره، لكنها قالت متابعة بإصرار وعينيها على زيه الرسمي الخاص بعمله:
_ مينفعش، دي أوامر الدكتور، وبعدين لازم الجروح دي تتطهر، دي في وشك معقولة تسبب تشوه وتسيبها كدا.
زفر بحدةٍ يتوجه لذات مقعده ويلقي بنفسه عليه، فجلست أمامه وبيدها القطن الأبيض والمطهر، بينما تلك المراقبة له منذ أن نهض من جانبها بعد صراخه بها رفعت كفها تزيل تلك الدمعات التي تسيل دون توقف ورغمًا عنها انشغلت بانفاعلاته التي تبدو بوضوح بوجهه وحركة جسده وساقيه، حتى توقف عن سيره يتطلع أمامه بانعقاد حاجبيه وكأنه تذكر شيء للتو، لم تعلم ما يدور بخاطره، خاصتًا عندما همس بشئ شارد، حتى اقتربت تلك الجالسة أمامه الآن تستغل عينيه الناظرة بالأسفل بشرود تام وملامح تائهة، وترفع حدقتي عينيها تمررها على كافة ملامحه ثم تعود وتستقر على سترته البيضاء الرسمية الخاصة بعمله بالشرطة وقد ظهرت ابتسامة إعجاب واضح على شفتيها تستغل عدم نظره إليها.
رغمًا عنها انتبهت إليها بكامل جسدها تكور فمها بغضب جديد من نوعه اندلع بداخلها للتو، عقدت حاجبيها بعبوسٍ يشتد كلما اقتربت الأخرى بيدها تلامس وجنتيه وكافة ملامح وجهه بأصابعها وكأنها تلامس جروحه!!
ظلت تمرر إصبعها بتلك القطنة صغيرة الحجم على جروح وجهه بينما جالس هو أمامها، يشبك أصابعه ببعضهم يستند بمرفية إلى ركبتيه وعينيه ناظرة أمامه بشروده الذي لم تفهم منه شيء.
توسعت عينيها بضيق وغضب أشد عندما أخفضت كفها لصدره تضعه عليه قائلة بذات ابتسامتها غير قادرة على كبحها:
_ بدلة حضرتك عليها دم، لونها أبيض والنقط دي باينة فيها قوي.
انتبه لحديثها فالتفت يتطلع إليها قليلًا ثم أخفض عينيه ليدها على صدره وقبل أن يفتح فمه يجيب كانت قد نهضت تقف أمامهم قائلة بغضب من ذاك النوع الآخر المشتعل بداخلها لتوه:
_ لو تحبي نقولك كمان ايه سبب الدم دا معندناش مانع، ما تقولها يا حضرت الظابط!!
نظرت الأخرى اليها تطرف بعينيها بحرج فلم تلاحظ وجودها من الأساس بينما اقتربت هي بغيظ إضافي تحمل أدوات التطهير وتضع لفة القطن بين ذراعيها قائلة يتضاعف غضبها بسبب ذلك الضغط النفسي من قلقها على والدتها:
_ اتفضلي، مش خلصتي سبينا في حالنا بقى عشان مش فايقلك دلوقت.
ثم التفتت للآخر قائلة بحدة:.
_ وانت، عايزاك في حاجة.
نظرت "الممرضة" إليها بصدمة ثم انحرفت بوجهها اليه وجدته رافع عينيه يتطلع إلي الأخرى من خلفها بذهول. حملت الأدوات واتجهت تهرول تدخل غرفة الفحص.
نهض واقفًا أمامها بصمت فقالت هي:
_ ممكن افهم ايه مخليك مستني معايا هنا، أنا مش حابه وجودك، مش طيقاه واتفضل بقى سيبني في حالي عايزة أكون لوحدي.
ظل يتطلع إليها بصمت طويلًا، فعادت تقول:
_ وجودك بيضغطني زيادة أكتر ما أنا مضغوطة وأنا حاسة إني هنفجر لوحدي.
قست ملامحه أكثر فقبض على يدها المرفوعة تلوح بها أمام وجهه، صرخت بألم هاتفة تحاول تخليصها منه:
_ ابعد ايدك دي عني ومتمدهاش عليا تاني، جاك قطع ايدك.
أشار على اصابات وجهه بحركة دائرية من اصبعه قائلًا بخفوت خطر:
ـ حسابك تقل معايا قوي، قوي.
رأى الطبيب من خلفها يخرج من الغرفة فترك معصمها بحدة يتجه إليه بعجالة يبتلع ريقه بصعوبة قبل أن يسأل بتردد قلق:
_ خير.. خير يا دكتور..يارب يكون خير؟
اندفعت تزيحه من أمام الطبيب بقوة تقف هي أمامه تتحدث بسيل دمعات عادت تطرف من بين جفنيها:
_ أرجوك طمني يا دكتور، أمي حالتها خطيرة لكل القلق دا؟!
نظر إليها بقسوة من طرف عينيه بينما تطلع الطبيب لقلقهم وتصرفاتهم الغير مألوفة يتنحنح قائلًا:
_ اطمنوا ان شاء الله والدتكم تكون بخير، إحنا هنعملها فحوصات وتحاليل شاملة هتاخد شوية وقت عشان نقدر نحدد سبب الإغماء دا، والحالة وصلت لفين، بعد اذنكم.
ثم تركهم وغادر، تاهت نظراتها بقلق أشد لكنها انتبهت لوقفة الآخر بجانبها عينيه تحدق بها، رمشت بعينيها تتذكر كلمة الطبيب "والدتكم" فعقدت ذراعيها باحتجاج وغيظ أمامه انتبه لتصرفها، فبدلًا من أن يواسيها بحنانٍ كما كان ينوي عندما وقعت عينيه على تيه ملامحها بذاك القلق، تركها يزفر بقوة يعود ويجلس بمقعده يستند بمرفقيه إلى ركبتيه وبعد لحظة رفع عينيه إليها ليجدها مازالت على وقفتها وعينيها الباكية تتطلع إليه بشرٍ.
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
بملابس المنزل المكونة من سترة سوداء بأنصاف أكمام تصل لمنتصف ساقيها محكمة على جسدها بجمال قوامها،
وقد رفعت خصلاتها في تجميعة خلف رأسها تتناثر منه بعض الخصل عن قصد حول وجهها بجمال.
واقفة بالمطبخ ترتدي القطعة الخاصة به تعقد أطرافها خلف ظهرها واضعة جهاز الحاسوب على طاولة المطبخ تشاهد وتسمع بتركيز بالغ ثم تضغط باصبعها على زر التوقف وتفعل ما رأته، جلبت إناء زجاجي شفاف وضعت به حبات من شرائح البطاطس عليها قطع الدجاج ثم امسكت بشق برتقالة وقامت بعصره عليهم، وأمسكت بكافة عبوات توابل الطعام تفرغ من محتوياتهم الكثير.
أخذت تقلب المحتويات تبتسم وكفيها تجلب حبات البرتقال تقطع فصوصه وتضيفها للإناء ورائحة الطعام تجعلها تبتسم بسعادة أكبر، بينما لم تلاحظ ذلك الواقف على أعتاب المطبخ وبيده هاتفه يرفعه يلتقط لها عدة صور بينما ابتسامتها وهيئتها الأكثر من جميلة وقريبة لقلبه الظاهرة بالشاشة جعلته يبتسم هو الآخر بعشق يشعر بقلبه ينبض بقوة.
التقطت زجاجة مشروب غازي سوداء اللون وافرغت كل ما بها بالإناء تتسع ابتسامتها أكثر لكنها أجفلت يرتجف جسدها عندما احتضنتها يد قوية تحيط بها تقربه منه من الخلف بينما أنفاسه تلفح وجهها قبل أن يقترب بشفتيه يقبلها من وجنتها بقوة قائلًا:
_ أحلى منظر ممكن أشوفه في بيتي كدا كدا.
تململت بين يديه تقلب محتويات الإناء على النار وقالت:
_ انت جيت امتى، مش هتبطل تخضني كدا أبدًا!!
نظر بمحتويات الإناء يعقد حاجبيه لم يفهم محتوياته وقال ويده تحاول أخذ الملعقة من يدها:
_ بحب ادخل بشويش أشوفك بتعملي ايه واصورك وأنتِ مش واخدة بالك زي ما بتعملي معايا وبحب.....
سحبت الملعقة من يده قبل أن يرفعها لفمه يتذوق قائلة بتحذير:
_ أصبر، دي مفاجأة، أكلة تجنن بس استنى أما تستوي.
رفع يده يحك أسفل أنفه يتطلع بالإناء بريبة وعدم فهم من تلك الرائحة الغير مفهومة على الإطلاق ثم قال:
_بقولك ايه يا حبيبي، ليه مطلبتيش أكل زي ما قولتلك في التليفون.
التفتت إليه بكامل جسدها تقول بثقة وابتسامة ملأت وجهها تعجب هو منها:
_ لأ معلش، دي مامتي أنا بقى ولازم ادوقها عمايل ايدي من بعد الجواز وأقولها كمان اني بقيت بعرف أطبخ.
قالت أخر جملة تحك كفيها ببعضهم أمام وجهها بحماس كبير.
أومأ برأسه قليلًا ثم قال بينما يديه تحيط بها من جديد:
_ حبيبتي أنا صابر ومواقف تتعلمي فيا، لكن مامتك ذنبها ايه معانا دي ما بتجيش غير كل فين وفين!!
عبست بملامحها تقول:
_ أيوا انكر بقى ان أكلي اللي فات كان أحلى أكل تاكله في حياتك، مش دايمًا بتقولي كدا؟!
ابتسم يومئ إليها يحاول كبت تلك الضحكة التي انفجرت بالنهاية بوجهها فضربته بقبضتها بصدره لكنه أحكم عليها ذراعيه قائلًا من بين ضحكاته:
_ أنا شايف ان أكلك بيبقى حلو لأني باكله وأنا جعان، وعشان معاكي، لكن مامتك ذنبها ايه دلوقتِ؟
وقبل أن تجيبه بعبوس ملامحها سمعوا جرس المنزل فازاحته بيدها تقول بعجالة:
_ ادخل خد دُش بسرعة وغير هدومك وأنا هروح استقبل ماما، يلا عشان الأكل قرب يجهز.
خرجت من المطبخ بينما ابتسم هو يقترب من الإناء يعقد حاجبيه من تلك الرائحة التي يتخللها مزيج غريب، رفع الملعقة لكنها قبل أن تدخل فمه توقفت في الطريق ينزلها بعيون واسعة عندما استمع إليها تقول ببهجة في الخارج:
_ طنط!! ازي حضرتك، ايه..ايه المفاجأة الحلوة دي!!
!!!*!!!*!!!*!!!*!!!*!!!
مر أكثر من ساعة على خروج الطبيب من الغرفة يليه خروج والدتها على السرير النقال لتتم جميع فحوصاتها والتحاليل المطلوبة، طلبت مرافقتها لكن الطبيب ومساعديه رفضوا متعللين بأنهم سيذهبون لأكثر من مكان وأكثر من غرفة وحركتها معهم تعيق عملهم.
ظلت جالسة على مقعدها تنتظر وتنتظر ومن وقت لأخر تحرك حدقتيها اتجاه اليسار تنظر اليه بطرف عينها تنتظر اللحظة التي سينهض فيها ويتركها ويرحل، بينما تمر الدقائق واللحظات حتى مر أكثر من ساعة ونصف ولم يتحرك من مقعده بجانبها، جالس يتطلع للأسفل بشروده الذي لم تفهم سره، ومن حينٍ لآخر هو الأخر تشعر به ينحرف برأسه ويتطلع إليها طويلًا ثم يتنهد بصوتٍ مسموع ويعود لشروده ينتظر كانتظارها.
على الرغم من تركيزها معه ومع كل حركة تصدر منه، يشعر بعينيها ورأسها التي تلتفت إليه وعندما ينحرف بعينيه إليها تعود تتطلع أمامها ولا كأنها تهتم، لكنه يشعر بها جالسة تقاوم انغلاق عينيها بقوة يحل على جسدها تعب وسهر الليالي الماضية، انحرف بعينيه للمرة الثالثة أثناء تلك الجلسة الصامتة لكنه تلك المرة لم يبعد عينيه في لحظة كما يفعل، بل ظل مستقر بعينيه على وجهها وعينيها التي تقاوم انغلاقهم بشدة حتى استسلمت تغلقهم تميل برأسها للأمام.
ظل يراقبها في تلك الدوامة من النعاس الشديد الذي لا يقبل المقاومة بعد ما مرت به بالليالي السابقة، وبعد مرور دقائق عديدة على تحديقه بها اقترب في جلسته بهدوء شديد بحيث يقترب كتفه عن عمد اليها ثم رفع يده وعينيه تتطلع أمامه بقلقٍ وترقب ورفع رأسها المائل للأمام بنعاس وباصبعه رفع رأسها بحركة تشبه الهمس في خفتها يسكنها على كتفه، وبالفعل ارتاحت هناك، توسعت عينيه بتوتر وقلق أشد عندما احتضنت ذراعه بذراعيها الإثنين كالوسادة تمامًا تتململ برأسها عليه قليلًا تحرك وجنتها تمسحها بذراعه ثم عادت تستقر به كالوسادة تمامًا.
ظل على تحديقه أمامه بتوجس وترقب لاستيقاظها في أي لحظة بينما مر عدة دقائق وقد استقرت أنفاسها بالفعل، حرك رأسه ببطء وهدوء حذر يتطلع إليها استقرت عينيه كثيرًا على وجهها المستقر على كتفه، ذراعيها القابضين على ذراعه تكبله بقوة.
ابتسم "علي" رغمًا عنه على تلك البراءة التي تناقض تلك الشرسة صاحبة النظرات الحادة الغاضبة ترمقه بها منذ قليل، ظل ملتفت برأسه عينيه على كافة وجهها يتأمله بتلك الأريحية لأول مرة منذ لقائهم، خاصتًا بأخر لقاءاتهم جفاءًا، حتى عادت تتململ برأسها، رغمًا عنه أخفض رأسه يغمض عينيه بشدة يشعر بقشعريرة بكامل جسده من اقترابها وتململها على جسده يتصاعد صوت أنفاسها الحارة على ذراعه.
عادت تستقر على وسادتها التي ومن الواضح أنها أكثر راحة مما تخيل بالنسبة لذهن لم يذق طعم النوم منذ أيام، تنهد بقوة يتمتم يدعو الله بداخله أن تستيقظ وتبتعد بأي لحظة بدلًا من حبس الأنفاس الذي يرهقه، لكنه يعود ويتراجع يتمنى أن يطول الوقت ويطول اقترابها منه، اقترابها الذي يتمناه ومازال يفعل الأفاعيل من أجله، رفع عينيه إلى الرواق أمامه فتوسعت عينيه فجأة يخفض عينيه إليها يحاول إيقاظها بعجالة ولهفة.
رأى الطبيب يتقدم منهم بأخر الرواق هناك فلم يستطيع أن ينتظر بل تطلع إليه بلهفة وقلق عاد يدق له قلبه فخفض نظره لتلك الغارقة بالنوم على ذراعه وهمس:
_ هنا...هنا اصحي.
لم تحرك ساكنًا فعاد ندائه عليها فتململت برأسها تعود وتستقر أنفاسها العالية فتحرك ببطء شديد يبتعد وكفه أسفل رأسها يستقر بها على المقعد ويرفع ساقيها على المقعد الخاص به، فانكمشت على نفسها لتعلو أنفاسها دلالة على إغراقها بالنوم.
تطلع إليها نظرة أخيرة يشعر بحنين غريب إليها في تلك اللحظة وكأنه يتطلع إلى طفلة
اقترب منه للطبيب فانتبه يتقدم تلك الخطوات منه سائلًا:
_ في جديد يا دكتور..خير؟
فتح الطبيب بعض الفحوصات الطبية ثم نظر إليه وقال:
_ عايزك تهدى وتسمعني، والدتك الحمد لله بخير لكن...
صمت لوهلة فقال الآخر بقلق:
_ لكن ايه... في.. في مشكلة؟
تابع الطبيب:
_ الفحوصات كشفت عن انسداد بسيط في شريان في القلب ودا مع الضغط النفسي اللي اتعرضتله وشدة الإعياء مع الإهمال في الأدوية ودا اللي اتسببلها في اللي حصل.
تطلع إليه "علي" قليلًا بصمت ثم قال بحيرة:
_اللي أعرفه انها مريضة قلب وضغط، ودا عرفته متأخر.
هز رأسه وتابع:
_ طب والعمل؟
_ مش عايزك تقلق كدا الموضوع بسيط ان شاء الله، هو بس في عملية بسيطة تزيل فيها الانسداد دا، وبعدها هتبقى زي الفل وتقوملكم بالسلامة.
ارتخت تقاسيم وجهه بارتياح شديد ثم قال بتأكيد يشدد على كل كلمة:
_ شوف الازم يا دكتور واعمله، المهم انها تكون بخير.
أومأ إليه الطبيب بابتسامة ثم كاد يتركه ويغادر لولا ذاك الواقف الذي انحرف برأسه لتلك النائمة فسار خلف الطبيب وصاح بالنداء عليه ثم اقترب وقال:
_ ممكن اطلب منك طلب يا دكتور؟
!!!!*!!!!!*!!!*!!!*!!!
لملمت أطراف أكمام قميصها استعدادًا للطعام قائلة:
_ لو أعرف ان الست أم مي هنا النهاردة أنا كونت جيت من بدري، لولا كنت جنبكوا هنا عند أختي قولت أعدي أشوف تميم.
واقفة هي تضع الطعام بالأطباق بابتسامة واسعة بينما يتطلع الآخر إلى ابتسامتها بضحكة خافتة يهز رأسه بيأسٍ، بينما والدتها قالت:
_ دا من حظي والله اني أقابلك وأشوفك النهاردة، مي بتقولي انك بتجيلهم كتير قوي بس للأسف مبكونش موجودة.
أخذت طبقها من يد تلك الواقفة توزع الطعام بابتسامة محبة ثم قالت بينما يدها تمسك بالملعقة تبدأ تتذوق:
_ مش عارفة أنتِ إزاي يا أم مي حابسة نفسك كدا خصوصًا بعد جواز مي وانشغال الشباب، دا أنا مبقدرش اقعد لوحدي، أول ما ألاقي نفسي زهقانة بجيب بعضي وأجي أشوف مي وأطمن على تميم علطول وأهو اليوم يعدي.
ابتسمت والدة "مي" بحبٍ تجيب بينما بدأت تتذوق طعامها هي الأخرى من بين حديثها:
_ هنعمل ايه بقى، الحمد لله المهم اطمنت عليها، ولازم كل يوم اكلمها بدام كويسة وصحتها تمام هعوز ايه بس أكتر من......
قطعت حديثها تلفظ ما وضعته بفمها من طعام بالمنديل الورقي الذي سحبته على الفور، ثم نظرت لابنتها فورًا وجدتها قد جلست لكنها مازالت منشغلة بملئ طبق التقديم الخاص بحماتها، فقبضت على يدها الممتدة اتجاهها بالطعام تحاول أن تبتسم بوجههم قبل أن تقربها منها هامسة ببوادر غيظ وغضب:
_الاكل دا من عمايل مين..انطقي؟
مالت على أذن والدتها هامسة بفخر وابتسامة:
_ أنا يا ماما، قولت اعملك مفاجأة.
أمام عيني والدتها رأت السيدة تسعل تميل شفتيها باشمئزاز ونفور فأغمضت عينيها تقبض على ذراعها تجذبها إليها بحدة هامسة من بين أسنانها:
_ متهببتيش واتصلتي بيا أجي بدري ليه اطبخ انا!! أو كنتِ طلبتي أكل أو قولتيلي أجيب أكل معايا وأنا جاية!!
تطلعت إليها "مي" بحزن واندهاش من رد فعلها فانحرفت بعينيها إلى زوجها وجدته يضع كفه على فمه يغمض عينيه التي دمعت من كبت ضحكته على ما يلاحظه يدور بينها وبين والدتها بينما التفتوا جميعهم الثلاثة يبتلعوا ريقهم بصعوبة على سعال والدته هاتفة وهي تلقي بالملعقة بالطبق ثم تلتقط أحد المناديل الورقية تضعه على فمها:
_ مي، هو...هو ايه دا يا بنتي!!
وأشارت على أحد الأطباق فقالت بخفوت مذهول من ردت فعلهم على طعامها شديد الشهية:
_ دي، دي وصفة يا طنط، واخداها من النت.
قالت السيدة ومازالت واضعة المنديل على فمها تقبض عليه بقوة:
_ وصفة ايه دي يا بنتي، حاسة جه تحت سناني برتقان وبعدين بصل أو بطاطس!! هو حلو ولا حادق؟!!
انفجر "تميم" ضاحكًا يسعل بقوة، فنظرت إليه عاقدة حاجبيها بعبوسٍ، فحولت نظرها لوالدتها وجدتها تضيق عينيها إليها بوعيد في الخفاء فعادت بنظرها إلي والدته تجيب:
_أصلها وصفة أجنبية، شوفتها فعجبتني، هي...هي معجبتش حضرتك ولا ايه؟!
لاحظ "تميم" عبوس ملامحها وسؤالها المشحون بالتخاذل فاعتدل في جلسته يجيب مكان والدته بصوتٍ حنون يميل عليها رغم صوته الواصل للجميع:
_ أه عارفها، دي أكلة حلوة قوى يا ماما، بتعملها أشهر المطاعم والاوتيلات، تحفة.
ثم أمسك يدها يقبلها قائلًا:
_ تسلم ايدك يا حبيبتي.
ارتفع حاجبي والدتها تتطلع إليه باندهاش، بينما أزاحت والدته المنديل من على فمها قائلة:
_ ولا عمري دوقتها يا أبني.
عاد يضغط على يد زوجته يحتضن أصابعها بكفه على سطح الطاولة قائلًا:
_ مي حالفة تدوقكوا كل الجديد، بألف هنا حبيبتي.
ارتسمت ابتسامة تتسع شيئًا فشيئًا على شفتي والدتها بينما ابتسمت هي بخجل تحاول سحب كفها من أسفل كفه لكن دون فائدة فظل قابض عليها بإصرار، رفع عينيه فجأة لوالدته التي قالت بابتسامة ودودة هي الأخرى بعدما وضعت المنديل على الطاولة تتطلع بالبيت من حولها:
_ البيت ملوش حس كدا يا ولاد.
ثم عقدت ذراعيها على سطح الطاولة تتطلع إليهم داعية بحبٍ:
_ امتى بقى ادخل اتكعبل كدا في عيالك يا تميم يا حبيبي، يوم المنى يا نور عيني.
شعرت بقبضته تلين على يدها فسحبتها بينما تنهد هو بقوة يغمض عينيه يدعي انشغاله بغرف الطعام من جديد في طبقه بينما تلاحظه عيني والدتها التي توزع نظرها بينه وبين والدته وقد علمت للتو أنه لم يخبرها سابقًا بحقيقة حالة "مي"؛ مما جعل قلبها يخفق بقوة وقلقٍ من الواضح أنه سيكون بمحله!!
!!!*!!!*!!*!!!*!!!
ارتفعت يده إلى مقبض الباب لكنه توقف يطرقه أولًا بينما لم يستمع لأي صوت يخبره أنها بالداخل فحرك المقبض يفتح الباب ويدخل، وفور دخوله تفاجأ بها مازالت نائمة بل غارقة بنومها على ذلك الفراش المرافق لوالدتها، فقد طلب بالأمس نقل والدتها لغرفة يرافقها فراش لابنتها عند استغراقها بالنوم بالرواق حتى تأخر الليل وطلب منه طقم التمريض المغادرة بينما يرافق المريضة واحد فقط.
جلس بجانبها حينها وحاول إيقاظها من جديد حتى ارتفع حاجبيه باندهاش من ثقل نومها وكأنها لم يغمض لها جفن منذ شهور.. وليس أيام!!
وعند خروج الممرضة تخبره بأن الغرفة أُعدت بأخر الرواق وتم نقل والدتها بها، اضطر لحملها يضعها على فراش بجانب فراش والدتها الغارقة بالنوم بفعل الأدوية والحقن هي الأخرى، اقترب يداثرها بالغطاء جيدًا ثم اعتدل يضع كفيه بجيوب بنطاله يرفع عينيه عنها يتطلع بالفراغ أمامه يتنهد بحدةٍ وكل شيء يمر بهم يجبره على إصراره الأكبر على حصوله عليها، لم يستطيع أن يتراجع عن ذلك مهما كلفه الأمر.
ظل واقف عند الباب المفتوح يحدق بها بحاجبين معقودين يتعجب، أمازالت نائمة من الأمس حتى اللحظة!!
تقدم يغلق الباب خلفه ثم اقترب من الفراش وفتح شفتيه يهمس باسمها، ابتعد خطوة للخلف فور أن رفعت رأسها عن الوسادة تتطلع حولها تنطق بذكر والدتها حتى رأته يقف أمام الفراش، فاعتدلت تمرر يدها على حجابها تتأكد من احكامه على رأسها ثم غطاء الفراش الذي يداثرها جيدًا كل ذلك أمام عينيه المراقبة لكل فعل يصدر منها.
نهضت من الفراش تتجه لفراش والدتها تطمئن بشأنها فوجدتها مازالت نائمة، داثرتها بالغطاء جيدًا بينما قال هو:
_ معقولة لسة نايمة من امبارح لحد دلوقتِ؟
استدارت حول فراش والدتها تحكم الغطاء عليها من كل اتجاه ثم أجابت دون أن ترفع وجهها إليه:
_ الدكاترة صحوني الصبح بدري وهما بيمروا عليها ومن وقتها منمتش إلا من نص ساعة عيني غفلت غصب عني.
ثم اعتدلت ترفع عينيها إليه قائلة رغمًا عنها:
_ صحيت...صحيت لقيت نفسي هنا عالسرير، مين ال.....
افترقت شفتيه عن ابتسامة جانبية رغمًا عنه وأجاب:
_ أنا، أنا اللي نقلتك هنا، متخافيش مش حد غريب.
ضيقت عينيها بغيظ ثم ابتعدت عن فراش والدتها تقترب منه تقول بحدة رغم خفوت صوتها خوفًا من استيقاظ ووالدتها:
_ دا على أساس انك من بقيت أهلي!! مصحتنيش ليه زي مخاليق ربنا لو كان غلبني النوم وغفلت شوية عالكرسي برة؟!
وضع كفيه بجيبي بنطاله وقال يهز كتفيه:
_ اعملك ايه وأنتِ ماصدقتي لقيتي حاجة تغمضي عليها عينيكي وكأنك منمتيش بقالك ميت سنة.
صمتت قليلًا فضيق عينيه يشعر بأنها تريد قول شيء لكنها مترددة، فأعطاها ظهره قائلة يتحرك اتجاه الباب:
_ طيب كنت جاي أطمن على والدتك وماشي، عندي شغل.
رفعت عينيها بلهفة قائلة:
_علي!!
توقف عن السير يبتسم، برغم من الوقت القليل الذي جمعهم إلا أنه أصبح يعرف عنها تفاصيل عدة؛ متى تكون خجلة، يداهمها الكسوف، متى تريد قول شيء وتتردد، تكور شفتيها دلالة على إنفجار قادم من فرط عصبيتها وغضبها بوجهه، والآن عينيه التي تابعت فرك أصابعها وترددها البادي على تقاسيم وجهها تخبره بما تريد قوله.
عاد يلتفت إليها فاقتربت تتلاعب بأصابعها تخفي حرجها وقالت:
_ الدكتور لما جه الصبح، سألته عن حالتها و..وقالي انها محتاجة عملية في أسرع وقت.
مال بشفتيه مع حركة كتفيه قائلًا:
_ وماله، اعمليهالها، ربنا يقومهالك بالسلامة.
عادت تقول بعد أن زفرت بقوة:
_ الدكتور قال إن المفروض يدفع مبلغ كبير قبلها، و..ومحدش دفع المبلغ لدلوقت!!
صمت يتطلع إليها طويلًا فتابعت:
_ أنا.. أنا حتى مش عارفة هدفع فلوس المستشفى الغالية اللي انت جبتنا فيها دي منين!!
رفع يده بوجهها بينما الأخرى مستقرة بجيب بنطاله وقال:
_ فلوس المستشفى أنا هدفعها وأبقى كدا عملت اللي عليا، كمان لأن أنا اللي جايبكوا هنا.
_طب...طب وفلوس العملية..اا..امتى؟
رفعت كفيها تتابع حديثها بلهفة:
_ اوعى تفتكر إني هاخدهم منك وخلاص، لأ أنا هكتبلك وصل بالمبلغ كله وهردهولك، المشكلة دلوقت إني معرفش حد يقدر بالمبلغ دا كله غيرك حاليًا والدكتور قال لازم وضروري في أقرب وقت.
ابتسم بجانبية يتذكر طلبه من الطبيب بعدم اخبارها بأن الوضع مستقر حاليًا متعللًا بأنها لو علمت بذلك سوف تؤجلها وتتراخى صمت الطبيب قليلاً حينها يتطلع إليه بعدم فهم لعدم منطقية السبب لكنه أومأ برأسه يخبرها صباحًا بأن العملية حتمية سواء الآن أم فيما بعد.
اقترب خطوة منها وقال:
_ مش خايفة يكون في وصولات بيني وبينك!!
عقدت ذراعيها وقالت بجدية:
_ لأ ماهو أنا هكتبه بايدي وهكتب فيه مدة السداد كمان ولا ناسي إني دارسة وفاهمة كل دا.
صمت يتطلع إليها يضيق عينيه حتى أصابها بالتوتر والقلق من رفضه، لمن ستلجأ من جديد وقد أدركت من حديث الطبيب الكثير المعقد بأن والدتها تحتاجها بشدة ولا يمكنها المخاطرة بها مجددًا، أخفض رأسه يتطلع بالأسفل موضع حذائه ثم رفعها إليها بتفكير وقال أخيرًا بنبرة أكثر لطف:
_ مش محتاجة كتابة وصولات بينا يا هنا ولا كل الحرج والتوتر دا وانت...
قاطعته ترفع إصبعها بوجهه بقوة وثقة:
_كل مليم هتدفعه هيرجعلك، أنا كرامتي متسمحليش أقبل منك حاجة إلا إذا كنت هردها.
استقام بظهره يرفع رأسه ثم اقترب منها وقال:
_ الكلام دا بين الغرب، لكن واحد ومراته ....مفتكرش.
أخفضت يدها يعلو صدرها ويهبط من جديد ثم ابتلعت ريقها بصعوبة تشعر ببوادر ارتفاع ضغط الدم وقالت:
_ تاني!!! بتساومني تاني يا علي!!
اقترب منها خطوة إضافية يتابع أمام وجهها بإصرار:
_ أنا وأنت في بينا حساب، وأنا لسة مُصر على أخد حقي منك، وحق كرامتي اللي مرمطيها يمين وشمال، وكل دا مش هيحصل إلا وأنتِ في بيتي ومعايا...ولو مش عايزة والدتك تدفع التمن من جديد تخرجي معايا دلوقتِ للدكتور نبلغه بالتنفيذ في إجراءات عملية والدتك وبعديها تيجي معايا مشوار خارج المستشفى.
عقدت حاجبيها بعدم ارتياح تبتلع تلك الغصة العصبية وهمست:
_ أجي معاك فين؟
ابتسم ابتسامة بعيدة كل البعد عن السخرية أو الكراهية وقال:
_ تكوني على اسمي، قبل أي حاجة.
توسعت عينيها لحظة قبل أن تصرخ بوجهه بينما دمعاتها تتأرجح بعينيها:
_ انت إزاي كدا، إزاي تقبل على نفسك تتجوز بالطريقة دي، إزاي تقبل بواحدة مش عايزاك يا أخي!!
لمحت بعينيه لمحة سوداء مظلمة لكنها اختفت على الفور يتقدم منها خطوة إضافية جعلتها تتراجع وهمس أمام وجهها بثقة:
_ دا لو كان حقيقي، لكني واثق إنك بتحبيني وعايزاني يمكن أكتر ما أنا عايز كمان، بس الهبل والأوهام اللي في دماغك دي، هي اللي منعاكي عني.
رمشت بعينيها قليلًا قبل أن تندفع ترد لكنه سبقها وقال بثقة أكبر:
ـ بصيلي في عينيا وقوليها لو حقيقي مش عايزاني.
طرفت بعينيها قليلًا باهتزاز ثم حركت رأسها برفض قائلة:
_ كلامك دا ملوش لازمة، وعمره ما هيأثر عليا في حاجة!
عاد يضع كفيه بجيوب بنطاله وحرك كتفيه مع قوله:
_ براحتك، بس افتكري إنك كدا بتقاوحي في حاجة تخص والدتك لتاني مرة، والمرة دي بقى أنا مليش ذنب، بعد اذنك، اتأخرت على شغلي.
انتهى حديثه وانحرف اتجاه الباب حتى وصل إليه وفتحه وخرج، ظلت واقفة صامتة يدور بعقلها الكثير والكثير أتتخلى عن وعدها لصديقتها أم تخذلها وتخذل نفسها بضعفها من جديد أمامه، التفتت تتطلع لوالدتها النائمة وسريعًا نظرت اتجاه الباب وخرجت تبحث عنه بعينيها خارج الرواق لتجده يقف مع الطبيب بالخارج يتحدث بابتسامة واسعة ويومىء بوجهه إليه أكثر من مرة فاتجهت اليه على الفور، وعندما رأها استأذن من الطبيب يقترب وقال بعد لحظة صمت يتفرس ملامحها:
_ عايزة ايه، في حاجة تانية نسيتي تقوليها؟!
اهتزت شفتيها قليلًا قبل أن تهمس بضعف حقيقي لأول مرة يراها به:
_ أنا موافقة، بس...بس على شرط.
خلاص علي وهنا هيتجوزوا ياترى ايه هيحصل واللي قرأ منكم الاقتباس اللي كان نزل بعد حوازهم فاهم انا ناوية أعمل ايه🥱
وياريت محدش يقولي الفصل صغير والله طويل وأنا اللي بكتب وعارفة انه مش صغير...شوفوا حاجة تانية بقى قولوها😂♥️
رأيكوا وتوقعاااتكوااا للي جااي ... عشاان اللي جااي نااار وشغل بجد
وتفاعل حلو إلا أنا ماسكة نفسي بشغفي عنكوا بالعافية والله 😂...فبلاش الاحبااط دا عايزين نخلصهاا بقاااا
تحفففففه
ردحذفجمدان يارانيا
ردحذفتحفففففففففففففففففففففففففففه♥️
ردحذف♥️
ردحذفالبارت يجننن
ردحذفجميله اوي اوي اوي تسلمي حبيبتي المبدعه
ردحذف😍😍😍ماتتاخريش علينا تسلم ايدك
ردحذفجميلة جدا
ردحذفالبارت تحفه 🤩🤩🤩
ردحذفبس فين حسام ورقيه 🥺🥺🥺🥺
تحفه تسلم ايدك
ردحذفتحفففه بس كبري البارت شويه بالله عليكي
ردحذفروعه
ردحذفروعة كالعادة❤️
ردحذفأنا زعلانة من علي إزاي يساومها في حاجة زي حدا
ردحذفممتازة جدا بس فين رقيه واياد
ردحذفتحفه
ردحذفجميل وياريت تكملي كل يوم فصل بلاش تطولي كده
ردحذف♥️♥️♥️♥️♥️
ردحذفجميل اوي
ردحذف🥰🥰🥰🥰🥰🥰
ردحذف🥰🥰🥰
ردحذف