U3F1ZWV6ZTMxMjc0MDY2Mjc3MzYyX0ZyZWUxOTczMDM4NTMwMzE2MA==

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والأربعون للكاتبة رانيا أبو خديجة

رواية ٣٦٥ يوم أمان للكاتبة رانيا أبو خديجة 

رواية 365 يوم أمان

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والأربعون للكاتبة رانيا أبو خديجة
 الفصل السادس والاربعون
#٣٦٥_يوم_أمان
#رانيا_أبو_خديجة
"ما ودته نفسي، وتمناه قلبي، وصرخ به مطلبي، وجدته بك وحدك أنت، فالله أحب ان يعوضني عن سنون آلامي؛ فرزقني بك"
انتهى "تميم" وربط رباطي المأزر ليغلقه جيدًا ثم أمسك بفرشةٍ  من أمام المرآة ومشط شعرها البني الناعم على طول ظهرها، بحنانٍ يبتسم اليها ولخجلها بالمرأه فتبادله ابتساماته بخجلٍ واضح وبعد انتهائه وظهورها بذلك الشكل الأنثوي الناعم، وضع كفه بكفها وخرجوا سويًا من الغرفة باتجاههم.

جلست والدتها وقد بدأ القلق يتسرب بداخلها بالفعل، جلس بجانبها "علي" الذي ينظر بهاتفه باهتمام واضح بينما "حسام" فظل واقف واضع يده بجيوب بنطاله يزفر بضيقٍ وهو يجيب أرضية الشقة ذهابًا وإيابًا، وكأن قلبه يقفز ولعًا وعينيه تلح برؤيتها جيدة أمامه، مُطمئن عليها دون أي مكروه يكون أصابها، خيالاته برؤيتها حزينه أو موجوعه، مريضة، مُتعبة تجعله غير قادر على الجلوس بسكينة وراحة حتى.

 خرج "تميم" أخيرًا وهو ممسك بيدها، كفه بكفها وفور رؤيتها "لحسام" وعائلتها ابتسمت أجمل ابتساماتها، التفت "حسام" ينظر باتجاه الغرفة كما يفعل بكل لحظةٍ منذ دخول "تميم" وجدها تأتي باتجاههم و"تميم" مُمسك بيدها بحنانٍ واضح للبعيد قبل القريب.

ثبت "حسام" نظره عليها وكأنها أجمل وأرق ما رأى بزيها الذي زادها جمالاً وأنوثة وشعرها المطل على ظهرها بطولٍ وجمال، ولكن أكثر ما لفت نظره ابتسامتها الواسعة المزينة وجهها بأكمله، المصاحبة لسعادتها التي تشع بها وردية وجهها بجمال خالص.

وقف "حسام" مكانه حتى اقتربوا منه، رفع اليه "تميم" عينيه ثم ابتسم بحنانٍ لنظرته تلك اليها؛ فترك يدها واتجه ليجلس بجانب "علي" الذي ابتسم بسعادةٍ هو الأخر عندما رأها ورأى ابتسامتها تلك التي جعلتهم جميعهم يطيرون فرحًا من أجلها.

رفع "حسام" يديه ليحيط بها وجهها هامسًا بصوتٍ غاية في الحنان واللطف:
_ صباحية مباركة يا أجمل عروسة شافتها عيني.
ثم تابع وعينيه تجيبها من أعلى لأسفل بحنانٍ:
_في عروسة قمر كدا!!
ثم احتضنها بقوةٍ فبادلته "مي" احتضانه بسعادةٍ وحب تخصه به وحده.

نهضت والدتها والدموع تغرق عينيها تحتضنها هي الأخرى وتقبلها قبلات عديدة وكذلك "علي" الذي احتضنها بقوةٍ رافعها من الأرض يدور بها عدة لفات كعادته دومًا عند سلامه عليها، حتى أغلقت إبتسامة "حسام" صارخًا به بقلق:
_ بطل غباء يلا ونزلها لتدوخ وتتعب.
أنزلها "علي" وضحكاته ترتفع مع ارتفاع ضحكاتها ببهجةٍ، ثم تركته وعادت إلى "حسام" الناظر لضحكاتها بابتسامة حنونةٍ مُحبّة للغاية ونظرت اليه ثم عادت تحتضنه من جديد فأطبق عليها ذراعيه براحة واطمئنان لم يشعر بهم سوا الآن برؤيتها.

اتجه ليجلس على الأريكة بابتسامة متسعة جاذبها من يدها بلطفٍ، ثم قام باسنادها على ساقيه شبه جالسة كما كان يفعل منذ صغرها وأيضًا وهي شابة في أحيانٍ كتيرة تكون بها متعبة، فيحملها بذلك الشكل ويبدأ بقراءة القرآن عليها حتى يهدأ قلبها وتخلد للنوم كما علمته أمه قديمًا.

نظر له "تميم" بضيقٍ قائلًا:
_ سيبها يا حسام تقعد زي مخاليق ربنا، هي مش صغيرة.
التفت "حسام" اليه فقال ويده تمر على شعرها من أعلى لأسفل في حنانٍ:
_ وانت مالك يا أبني!!
نهض "تميم" بغيظٍ قائلًا متجهًا يمد يده اليها:
_ تعالي معايا يا مي نجبلهم حاجة يشربوها.
_ لأ احنا هنفطر مع بعض عشان مي تاخد علاجها، وسيبها وروح انت عشان عايزها شوية.
قال"حسام" وهو ينظر اليه، تطلع"تميم" اليها وهي على ساقه بضيقٍ ثم سار الى المطبخ بتأففٍ واضح، نهض "علي" قائلًا:
_ خدني معاك أساعدك يا عم انت.
بينما "حسام" فلم يعطي الفرصة لوالدتها بالجلوس معها والتحدث وسؤالها بل قام هو بسؤالها قائلًا:
_ عاملة ايه، اوعي تكوني مأخدتيش علاجك بتاع بالليل ويكون الحيوان دا نساكي.
أجابت بحبٍ عند ذكر اسمه:
_ متخافش يا حسام، تميم ادهولي بنفسه امبارح.
ثم مرر يده على خصلاتها باعتيادية وتابع:
_ عامل معاكي ايه، مرتاحة معاه ولا ضايقك في أي حاجة، قولي بس لو زعلك؟
نظرت "مي" بخجلٍ وحيرةٍ بما تخبره فقالت أخيرًا:
_ الحمد لله يا حسام أنا كويسة وتميم حنين معايا قوي وبيحبني.
قالت والدته وهي تسحبها من ذراعها لتجلِسها بجانبها:
_ بقول ايه يا حسام يا حبيبي ما تقوم تساعدهم في تحضير الفطار كدا وتسيب مي معايا شوية.
قال بجدية: 
_ استني بس يا ماما أسألها وأطمن عليها ليكون البني أدم دا ضايقها أو زعلها وهي خايفة تقول.

!!!!!*!!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!

بالمطبخ وضع "تميم" عدد من البيضات للسليقة بتأفف وضيقٍ واضح، فقال "علي" الناظر بالثلاجة يُخرج منها بعض الأطعمة المغلفة؛ كالجبن، والانشون، والمربى:

_ يااااه صدق أنا بقالي كتير مفطرتش، أنا أصلًا مبفطرش.

قال "تميم" يستند بظهره على حافة المطبخ ويعقد ذراعيه أمام صدره:
_ آه وجايين بقى تحققوا أحلامكوا وتعوضوا عندي هنا يوم صباحيتي.

ضحك "علي" بقوةٍ ثم ترك المعلبات على طاولة المطبخ واتجه اليه يقف قبالته قائلًا باهتمام:
_ رغم اني عارف ان حسام مرخم عليك فعلًا، بس حاسس انك مبسوط يا تميم، بعرفك من طريقة ابتسامتك لما بتبص لمي، عندك ابتسامة كدا مبتتطلعش إلا لما بتكون مبسوط.

التفت "تميم" يفتح علبة الجبن ويفرغ الأطعمة بالأطباق ثم أجاب بابتسامة:
_ صح.
 ثم رفع عينيه ينظر أمامه وهمس وكأنه يُحدث ذاته عنها بابتسامة شقت طريقها على وجهه لتنيره بعد حنقه وتأففه منذ لحظات:
_ مش مصدق والله اننا اتجوزنا وبقت معايا، امبارح كانت أحلى وأجمل ليلة في عمري كله، لما حسيت انها خلاص أخيرًا بقت من نصيبي فعلًا، مكنتش مصدق انها فعلًا معايا وبين ايديا كنت طول الليل حاسس ان أنا بحلم ومصدقش انها حقيقي معايا إلا لما عيني تيجي في عنيها وتبتسملي بكسوف ابتسامتها اللي كانت بتخلي قلبي أنا اللي يتعب مش قلبها.

ثم تنهد أكثر متابعًا بعيون تفيض عشقًا:
_ أنا اكتشفت ان أنا بحب مي قوي قوي يا علي، أكتر حتى ما كنت أتخيل.

يتابع "علي" همسه بابتسامة ممتنة لحديثه عن أخته بهذا الشكل وبتلك الطريقة الأكثر من كونها محببة لقلبه ثم ربت على ذراعه قائلًا بصدقٍ:
_ أنا كان عندي حق لما وقفت جنبكوا قصاد حسام عشان الجوازة دي تتم، أنا كدا اطمنت على مي.

ابتسم "تميم" هو الآخر ولكنه تحولت فجأة ملامحه عندما ردد بعصبية:
_ بمناسبة زفت حسام، أقسم بالله يا علي أخوك دا لو مبعدتش عني وعن مراتي لأكون مزعله بجد.
ضحك "علي" بقوة فتابع "تميم":
_ وبعدين لعلمكوا بقى أنا ساكتلوا بس عشان خاطر مي ومضطر أفضل ساكتله برضو عشان خاطر عيون مي.

!!!!!!*****!!!!!*****!!!!!!!
اقتربوا حاملين أطباق الطعام ليضعوها على السفرة، تفاجأ "تميم" بضحكات "مي" و"حسام" معًا وهما يتحدثون بخفوتٍ وهي مازالت جالسة على ساقيه. 

فقال سائلًا بغيظٍ وهو يضع باقي الأطباق على طاولة السفرة بحدةٍ:
_ وبتضحكوا على ايه بقى قوي كدا؟
أجاب "حسام" باستفزاز:
_ وانت مالك يا أخي، هو انت هتمنعنا كمان نضحك!!
ضحكت "مي" بخفوت وهي تنظر "لتميم" قائله:
_ مفيش يا حبيبي دا حسام كان بيفكرني  بأيام ما كنت صغيرة، كنت بعمل حاجات مُضحكة قوي.
تغير وجه "حسام" كليًا وتجهم بشدة فور نطقها بكلمة حبيبي تخص بها "تميم".
حاولت النهوض من على ساقه فسألها قائلًا بعبوس:
_ رايحة فين؟
قالت ببساطة وبنفس ابتسامتها:
_ رايحة أغسل ايدي عشان ناكل.

جلسوا جميعًا على مائدة الطعام بينما لاحظ "حسام" وهو يتجه ليجلس دخول "تميم" خلفها الممر المؤدي للمطبخ والمرحاض 
كاد أن يدخل خلفهم ولكنه عدل عن ذلك وقبض على مسند كرسي المائدة بشدة يعتصره، ثم أزاح الكرسي بعنف انتبهت له والدتة وأخيه قبل أن يجلس عليه.

بينما في الداخل فتحت "مي" صنبور المياه لتغسل يدها قبل الطعام كعادة، لكنها تفاجأت بمن يحتض خصرها بذراعيه وأنفاسه تقترب من جانب وجهها حتى شعرت بملمس وجهه يلامس جانب وجهها فأبتسمت بحبٍ وهي تسمع همسه بالقرب من أذنها:
_ وحشتيني قوي الدقايق دي، هما ناويين يمشوا امتى بقى.
اعتدلت له "مي" بابتسامة مشرقة فتابع هو بحب:
_ ما تيجي نسبهم يفطروا هما برة ونفطر احنا هنا.

ضحكت "مي" واضعه كفها على فمها كعادتها عندما تضحك فتزيدها تلك الحركة جاذبيه بعينيه، همس وهو يتابع ضحكاتها بابتسامة متسعة عاشقة:
_ بتضحكي!! طب بس أخوكي يسبنا في حالنا منلاقيهوش ناطط لنا فجأة هنا.

عبست "مي" تدريجيًا قائلة بخفوتٍ:
_ مش عايزاك تزعل من حسام يا تميم بسببي، حسام بس بيخاف عليا زيادة شوية.
_لأ، حسام بيغير عليكِ مني.
ثم احتضنها أكثر يلف ذراعيها حول عنقه قائلًا بحنان:
_ وحتى لو بيخاف، هيخاف عليكي حتى مني؟
صمتت وهي تنظر له فتابع وهو يحكم ذراعيه عليها يقربها منه أكثر:
_بعد كل دا!!  يبقى غبي ومش عايز يفهم، مش فاهم اني ممكن افديكي بروحي، بعمري، مي أنا حبي ليكِ وخوفي عليكِ مش هقولك يعادل حب وخوف حسام لأ، والله يزيد.

ابتسمت "مي" بسعادة وأمان يغلف قلبها وهي معه وبين ذراعيه بادلها "تميم" ابتسامتها ثم اقترب ناوي تقبيلها ولكن كالمتوقع سمعوا صوت مُرتفع مزعج من شدة عصبيته وغيظه يهتف بقوة:
_ مي!!!!! تعالي افطري عشان تاخدي علاجك!!!!
زفر "تميم" بضيقٍ فربتت هي على ذراعه قائلة وهي تضحك بخفوتٍ:
_ يلا علشان نفطر.
ابتسم أثر رؤيته ضحكتها التي يعشق، فأقترب يسرق قبلة خاطفة قائلًا:
_ برضو بحبك غصبٍ عن عين أخوكِ.
ثم أمسك بيدها وتمتم وهما يتجهوا للخارج:
_ يلا أحسن نلاقيه جايب الأكل وجايلنا هنا.

!!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!*!!!!!
ضحك "علي" بشدة وهو يرتشف من كوب الشاي باللبن، على ملامح "حسام" المتجهمة وهو لم يضع شئ بفمه فقط ينظر كل لحظة وأخرى على الطرقة التي دخلوا بها وكأنه يقاوم نفسه على الدخول اليهم فرمقه "حسام" بغضب حقيقي قائلًا: 
_ وربنا انت ما عندك ريحة الدم.
قال"علي" بنفس ضحكاته:
_ يا أبني حرام عليك، وربنا لو أنا مكان تميم لكنت قومت طرتنا كلنا.
_ وهو يقدر طب دانا ...
قاطعته والدته التي سئمت الحديث معه لكنها تعلمه جيدًا وبدأت ان تستشف من طريقته وملامحه بما يشعر من غيرة وضيق، فضغطت معصمه بيدها هامسة:
_ حسام، خف شوية على جوز أختك، دانتوا كنتوا زي الأخوات ايه اللي حصلكوا بس من يوم ما اتقدم لأختك وقال انه عايز يت...
قاطعها حسام وهو يرفع يده ويغمض عينيه:
_ يا أمي وهو ايه يعني اللي حصل، ما هو اتهبب اتجوزها أهو، من فضلك بقى سبيني دلوقتِ وركزي معاه هو.

تنهدت والدته باشفاق عليه، لأول مرة تراه بتلك الحالة، تشعر وكأنه فقد "مي" للأبد لا تزوجت بمن تُحب، وكأنه طفل سُرق منه ماكان يملك ليأخذه أخر أمام أعينه وبرضاه، ثم شعر بخطأه.

بينما على جانب أخر، يتطلع بهاتفه بتلك الإبتسامة الواسعة، مَن يراه ينخدع ويظن أنه لأول مرة يتحدث لفتاة، لم يكن الشاب المعروف عنه كثرة التجارب والحواديت التي ما دومًا يكون هو البطل المخادع بها، لا طيب النية والقلب مثل الآن، فما الذي بدل حاله بتلك الدرجة.. سواها.
رأى رسالتها المدون بها:
" شكلك كان حلو، والبدلة لايقة عليك قوي يا علي"
ثم تلتها برسالة أخرى أخرها قلب أحمر اللون:
"عقبالك..يابحتها".
تحولت ابتسامتة لضحكة خافتة دون صوت، فتابع مُرسلًا:
"دي بقى صورة العروسة، أخدتلها امبارح يجي خمسميت صورة من حلاوتها، بصي دي كمان"
وقام بإرسال اليها عدة صور خاصة ب"مي" وهي بفستانها الأبيض ومعها بعض الصور وهي بين يدي "تميم" يراقصها بحنان وحب، وسعادة طاغية على وجهه دلالة واضحة على عشقهم لبعضهم.
لم يصله رد لأكثر من دقيقتين، فضاقت ابتسامته قليلًا مُرسلًا:
_ ايه، روحتي فين؟!
بدا له أنها رأت الرسالة، لكن دون رد، بل أغلقت الإتصال بالإنترنت نهائيًا، انتبه بفزع على صوت أخيه الذي فزعهم وهو يصيح باتجاه الطرقة:
_ مي !!!! تعالي افطري عشان تاخدي علاجك، كل دا بتغسلي ايدك!!!!!
اضطرب الكوب بيد "علي" الذي يحمله بيده الأخرى مسقطًا بعض القطرات على بنطاله فهتف بعصبية صارخًا:
_ ما براحة يا أبني فزعتني.
هتف "حسام" بغيظٍ وهو يلقي بعبوة المناديل الورقية بوجهه قاصدًا ضربها برأسه:
_ بقولك ايه اخرس، أنا مش ناقصك.

رمقه "علي" يلتقت بعض المناديل الورقية بعد أن تفادها ليمسح بها على بنطاله بينما قالت والدته بأمر لتزيد من غضبه دون قصد:
_ بقولك ايه يا حسام ابقى سيب أختك أما تيجي تقعد جنب جوزها، وبطل تبقى عزول بينهم وترخم على....

رمقها حسام بعيون تنطق بالشر رغمًا.
فتابعت بتعقل:
_احنا كلها دقايق وماشيين مش عايزين نعكنن عليهم قبل ما نمشي.

جاء "تميم" مُمسك بيدها بنفس الصورة التي ظهروا بها صباحًا، ثم أفسح لها مقعد لتجلس عليه وجلس هو بجانبها.

رمقهم "حسام" وتميم يضع بعض اللقيمات بفمها ثم يهمس لها فتضحك بخفوت، لم يضع لقمة بفمه بل ظل ناظر اليهم باندهاش من جرأته أمامهم ثم وجه نظره لوالدته وشقيقه حتى يبادلوه الاندهاش ولكن ومن الواضح انه هو الوحيد الذي يرى تلك الجرأة؛ فوالدته كانت قد بدأت تقطع رغيف الخبز لتبدأ بالطعام بالفعل، فكان تركيزها منصب على ما بيدها بينما نظر الى "علي" ليشاركه اندهاشه فوجده مازال منشغل بتنظيف بنطاله بوضع قطرات الماء على المناديل ومسحه، قبل أن يعود ويتطلع بهاتفه للمرة التي لم يعلم عددها.

!!!!!!*!!!!!!*!!!!!*!!!!!!
مازالت تتطلع بالهاتف للصور التي أرسلها اليها، خاصتًا تلك الصورة التي تبدو بها شقيقته عروس بفستانها الأبيض المبهج، تحلم أي فتاة بارتدائه لمن تحب وتعشق.
رفعت "هنا" اصبعيها لشاشة الهاتف تقرب الصورة أكثر لتتمعن النظر بملامح العروس خاصتًا تلك الإبتسامة السعيدة التي تزين ثغرها، انتقلت لملامح زوجها المثبت عينيه مع ابتسامتها بابتسامة تنطق بعشقها، تعبر عن الإنتصار بنول ما تمنوا.

ظلت تقرب الصورة أكثر فأكثر لتزداد ابتسامتهم تملأ الشاشة تزامنًا مع تلك الدمعات التي ملأت عينيها فأصبحت كالزجاج حتى تساقطت منها بشكل متتالي بصمتٍ تام، دون أي حركة؛ فقط عندما تذكرتها مَن عشقت ولم تنل، أعطت ولم تأخذ سوى الغدر والألم الذي يسبق الفراق الأبدي.
وعند دوران تلك الدوامة بعقلها تحولت نظرتها من الحزن والألم لكرهٍ صريح وحقد دفين اتجاه تلك الجميلة السعيدة بزواجها ونيلها ماتمنت من قرب حبيبها دون أي عذاب يذكر كغيرها.

أغلقت "هنا" شاشة الهاتف تجفف دمعاتها بقوة معتادة منها، ثم حملت حقيبتها تتحرك من ذلك المقعد قاصدة القاعة التي بها مرافعتها لتباشر عملها.
!!!!!*!!!!!!*!!!!*!!!!!*!!!!!
التقط "تميم" بعض الأطعمة بالشوكة الخاصة به يضعها بطبقها، مثبت نظره عليها وهي تلوك الطعام بفمها برقتها المعتادة وتبادله النظر بخجلٍ فرفع يده ليضع خصلاتها التي تختبئ بها عن ناظريه خلف أذنها ليتمكن من رؤيتها، ثم يرفع يده يقربها من فمها يناولها بعض اللقيمات بنعومة ولطف تناسبها، لم يتحمل أكثر من ذلك يرمق تصرفاته معها أمامهم بغيظٍ وضيق فنهض بشكل مُفاجيء، ارتفعت الأنظار اليه فقالت "مي" باندهاش:
_ ايه يا حسام رايح فين، أقعد كمل فطارك.

قال وهو يتجه إلى الطاولة بعيدًا ليلتقط مفاتيح سيارته وهاتفه ليغادر:
_ لا معلش يا دوب كدا نمشي، عشان نسيبكوا براحتكوا.

قال جملته الأخيرة وهو يرمق "تميم" بنظراته، فبادله "تميم" النظر باندهاش من تغييره المفاجيء ثم نهض هو الأخر يتجه اليه قائلًا:
_ استنى يا حسام، كمل فطارك وبعدين ابقى امشي.

_ لأ معلش احنا خلاص اطمنا على مي قصدي عليكوا ويادوب نمشي، يلا يا ماما يلا يا علي.

نهضت والدته وشقيقه وهما مدركين تمامًا سبب تقلب أحواله، ولكن قبل خروجهم أوقفه "تميم" قائلًا وهو يضع يديه بجيب بنطاله المنزلي:
_ على فكرة يا حسام أنا ومي هنسافر ان شاء الله النهاردة آخر النهار، ببلغكوا بس عشان لو جيتوا ملقيتوناش.

التفت "حسام" اليه بكامل جسده بينما قالت والدته بابتسامة مُتسعة:
_ ومالوا يا حبيبي ربنا يسعدكوا، هتسافروا فين بس عشان أكون مطمنة عليها.
نظر الى "مي" الواقفة تتابع ملامح أخيها المتغيرة، ثم قال بابتسامة وهو يقترب منها ويحاوطها بذراعه:
_ المكان اللي مي هتقول عليه هنروحه ان شاء الله، أنا ناوي أفسحها وألف بيها الدنيا كلها لو طلبت.

 بادلته "مي" ابتسامته، لكنها ابتسامة مهزوزة بسبب انشغالها بأخيها وملامحه المتجهمة الحزينة، بينما انتبهوا الإثنين بفزع على صوته الهادر:
_ نعم !!!!! 
تمتم "علي" بخفوت:
_ الله!!  كدة كملت.
اقترب منه "حسام" يقول بغضب وعصبية:
_ سفر ايه وزفت ايه!! مي مبتسافرش، انت عارف احنا بقالنا قد ايه محدش فينا طلع مصيف ولا سافر في حته بعيدة عشانها.

نظر "تميم" اليها ثم عاد بالنظر اليه سائلًا:
_ وايه يعني اللي هيحصل لو سافرت مي، خصوصًا لو كانت معايا!!
_ افرض تعبت ولا جرالها حاجة عالطيارة، هتلحقها ازاي، هتجبلها دكتور منين وقتها، ها؟!
_ احنا مش هنسافر بالطيارة، هنسافر بالعربية براحتنا.
_ حتى بالعربية، مينفعش.
ثم تابع وهو يشير بيده هنا وهناك يتوقع كل الاحتمالات من الخطر:
_ افرض تعبت فجأة منك في الطريق، ولا جرالها حاجة عالصحراوي هتلاقي دكتور يلحقك ويلحقها منين!!
وضع "تميم" يديه بجيوب بنطاله يزفر يحاول إكمال الحديث معه بهدوء:
_متخافش عليها يا حسام طول ما هي معايا، ثم ان أنا أكيد هبقى عامل حسابي وواخد كل الإحتياطات لسلامتها.
ثم قال بتأكيد ونفاذ صبر:
_ أنا عمري ما هعرض مي للخطر يا حسام.
اقترب "علي" بنفاذ صبر قائلًا:
_ أنا هنزل أجهز العربية يا حسام على ما تنزل براحتك.
ثم اقترب من شقيقته هاتفًا بابتسامة واسعة وهو يحتضنها:
_ مش عايزة مني أي حاجة، هبقى أكلمك أطمن عليكِ علطول، وفي أي وقت كلميني، اتفقنا.
احتضنه "مي" ثم أومأت اليه بابتسامتها.
بينما قالت والدته وهي تقترب تحتضن ابنتها مودعة هي الأخرى:
_ أنا جاية معاك يا علي.
ثم همست وهي تحتضنها:
_ هتوحشيني يا نور عيني، خلي بالك من نفسك ومن علاجك يا مي ميتنسيش.
ثم وجهت حديثها لزوجها:
_ مش هوصيك عليها يا تميم.
أجاب وعينيه بعيني "حسام" الغاضب:
_ في عينيا يا أمي، متقلقيش عليها طول ما هي معايا.
اقترب "تميم" منه بعد مغادرتهم قائلًا بهدوء وتعقل:
_ حسام، مي من حقها تفرح وتسافر وتحس بجمال الأيام دي زيها زي أي عروسة مكانها، بلاش خوفك الزيادة دا وعندك يخنقها، ويخنقني أنا كمان.
انتقل "حسام" بعينيه اليها، وجدها واقفة قلقة تفرك يديها ببعضهم بتوتر من حديثهم معًا بتلك الطريقة، فقال بعد وهلة من النظر اليها:
_ خلي بالك منها، ولو حصل أي حاجة في أي وقت واحتاجتني كلمني، أنا معنديش أغلى من مي، هسيب الدنيا كلها وأجيلها.

ثم التفت ليغادر هو الأخر، لولا ندائها عليه:
_ حسام!!
التفت اليها فقالت:
_ مش هتسلم عليا قبل ما تسافر!!
نظر اليها قليلًا ثم اقترب يحتضنها مقبلًا رأسها هامسًا:
_ خلي بالك من نفسك، ومتقفليش تليفونك تاني عشان أعرف أطمن عليكِ.
أومأت اليه بابتسامة واسعة تحاول أن ترسمها هي الأخرى على وجه، فنظر اليها ثم اليه نظرة أخيرة وغادر.
أغلق "تميم" باب الشقة خلفه، وجدها واقفة بملامح منكمشة حزينة فأقترب منها بابتسامة واسعة هاتفًا بالقرب من أذنها مباشرتًا:
_ محبش أشوفك كدا.
التفتت اليه "مي" بابتسامة تحاول أن تظهرها، فتابع قائلًا:
_ والله لو ما ضحكتي دلوقتِ، لأخليك توضبي الشنط لواحدك ها.
ظلت صامتة فأقترب يحاوطها بذراعيه هامسًا:
_ لأ متهونيش عليا يا قلب تميم.
ثم قبلها من وجنتها يحملها على حين غفلة فصرخت ضاحكة:
_ ياتميم ، اااه نزلني.
ضحك هو الآخر يتجه بها للداخل بينما هي تتأرجح بقدميها في الهواء ضاحكة بصوتها المرتفع الذي وصل لذلك المترجل على على السلم هابطًا ليتوقف ملتفتًا يتطلع بباب الشقة وكأنه يود اقتحامها من جديد، لكنه تنهد بقوة يبتلع ريقه بصعوبة ومرارة ثم التفت متابعًا هبوطه السُلم ليلحق بأخيه ووالدته بالأسفل.

!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!
كليلة أمس تمامًا لم تستطع النوم بغرفتها، فجلبت وسادتها وغطائها لتنام على تلك الأريكة التي كانت تظل مستيقظة عليها لحماية أخواتها نائمين من قبل مجيئه من الأساس، لكن الليلة تفاجأت بالصغيرين يلحون بالنوم بجانبها فأضطرت بوضع الوسادة الكبيرة على الأرض، ومنذ ساعة تقريبًا نجح النوم بالتسرب اليها محطمًا أسوار خوفها وقلقها بإلحاح شديد نابع من تراكمات الليالي السابقة منذ مغادرته.

نائمة محتضنة الصغيرين بذراعيها المستغرقين بالنوم منذ ساعات، الغطاء عليهم الثلاثة، في شكل أم تحتضن أطفالها بخوفٍ من مجهول، بينما خصلاتها السوداء الفحمية مسترسلة بجانبها على الوسادة بجمال تنطق به تفاصيلها.

تململت "رقية" برأسها على الوسادة قليلًا ثم فتحت عينيها تدريجيًا عندما أحست بحركة قوية وأصوات مخيفة قادمة من اتجاه الباب، توسعت عينيها عندما ارتفع الصوت بازعاج، أصوات أشياء تتحطم كقفل الباب الخشبي بشدة جعلتها تتوتر وترتجف، بينما قلبها أصبحت دقاته تهدد بالخطر عليها.

مدت يدها المرتجفة بشدة أسفل وسادتها تسحب تلك السكين التي لم تفارقها سواء بغرفتها أو هنا منذ تركه لهم؛ لعل تواجدها معها يشعرها ببعض الأمان، سحبتها "رقية" تجذبها لصدرها ثم أغمضت عينيها بشدة تنطق بالرجاء لله مع نطق شهادة أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد رسول الله "صل الله عليه وسلم" السابقة لفراقها، وعند شعورها بتلك اليد القوية تقترب منها أغمضت عينيها بشدة ثم التفت صارخة تطعن السكين بصدر مهاجمها الذي بادلها الصراخ هو الآخر واضعًا يده على صدره بألم.

رأيكوا وتوقعاتكوااا...ياتراا ايه اللي هيحصل؟؟!
٣٦٥_يوم_أمان
_رانيا أبو خديجة 


تعليقات
8 تعليقات
إرسال تعليق
  1. روعه ياروني تسلم ايدك ❤

    ردحذف
  2. حسام دا رهيب 😂😂

    ردحذف
  3. هنا اتجننت هتنتقم من مي ازاي يعني 😡

    ردحذف
  4. جميل جدا هذا الفصل ولكنه ينتهي بسرعة

    ردحذف
  5. روعه روعه روعه روعه روعه 😍😍😍😍

    ردحذف
  6. عينى عليك ياحسام
    يارب خير

    ردحذف
  7. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  8. جميله جدا

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة