رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل الرابع والأربعون بقلم رانيا أبو خديجة
رواية 365 يوم أمان للكاتبة رانيا ابو خديجة
رواية 365 يوم أمان
الفصل الرابع والأربعون
٣٦٥ يوم أمان
رانيا أبو خديجة
الأجواء الهادئةٌ، والإنارة الخافتة بالمكان تجعله مألوف نوعًا ما، ورغم الطاولات المتباعدة من حوله لكن يصله تلك الهمسات المتناغمة بين المتواجدين، جالس ينتظرها لأكثر من نصف ساعة تقريبًا، لم يعلم أتأخرت عليه بالفعل أم جاء هو قبل الموعد الذي أتفقا عليه، زفر "علي" ينظر بالمكان من حوله، حتى العنوان أعطته اليه بالقرب من منزلها، استقرت عينيه عند دورانها بالمكان على تلك المرآة المواجهة لطاولته، تطلع لصورته بتمعن واهتمام شديد ثم عدل من وضعية جلوسه ليجلس بوقار أكثر، ليرفع يده يمسح على رأسه ليرتب خصلاته، ثم عاد يلتفت إلى مدخل المكان؛ لترتسم ابتسامة تملأ وجهه شيئًا فشيئًا عندما رأى تلك الخطوات التي تبدو مترددة قليلًا فخطوة للأمام ومثلها خطوة للخلف، لكن أكثر ما لفت انتباهه هيئتها الأكثر من كونها مُرتبة للغاية، بدايتًا من فستانها الأزرق الجديد عليها كليًا فدومًا ما يراها بالملابس الرسمية المتناسقة مع عملها بالمحاكم وأقسام الشرطة، صعدت عينيه لحجابها ذو اللون الأبيض، وهُنا لمعت عينيه مع ازدياد ابتسامته أكثر؛ فأكثر ما يجذبه اليها تلك الهيئة التي تذكره بشقيقته "مي" ووالدته تشعره بأجواء المنزل الذي تربى به.
أحكمت أصابعها على أطراف حقيبتها بتوتر يعبر عما بداخلها من تردد وعدم ارتياح؛ فالأول مرة تفعل تلك الأفاعيل الخارجة تمامًا عن قناعتها.
تبدو مترددة بخطواتها غير واثقة في نظراتها للمكان من حولها، على غير عادتها وقوتها المعروفة بها، لكنها لم تكن تعلم بأن حالتها تلك مع رفرفت رموشها المعتادة منها كلما تتوتر جعلت قلب أحدهم يدق دقات جديدة عليه تمامًا، يشعر بقوة جذب اتجاهها غير مقنعة، أهي فتاة جذابة لتلك الدرجة أم أنه الذي وقع أخيرًا بها دون أن يدري.
نهض واقفًا عندما استقرت عينيه بعينيها فرمشت بأهدابها عدة مرات قبل أن تبادله ابتسامته باهتزاز واضح، تقدم منها "علي" في خطوات هادئة ليقف أمامها تمامًا وبعد نظرة بينهم لم تكن مفهومة اليها كالمعتاد لكنه اقترب برأسه منها ليهمس اليها بخبرة معتادها بتلك المواقف المسجلة اليه بذاكرته الاواعية:
_ شكلك حلو، زي القمر.
رفعت عينيها بوسع اليه من تلك الخطوات التي يركدها ليقطع مسافات بينهم، لكنه لم يهتز له جفن بل ظل على ابتسامته تتغزى ثقته بأفعاله من خجلها وتوترها الواضح اليه، ثم أشار بيده للطاولة خلفهم يهتف:
_ تعالي، تعالي نقعد.
سارت بجانبه لتنتبه لحالها وتستقيم بظهرها بثقة حاولت استعادتها.
جلست "هَنا" بالمقعد ليجلس هو الآخر على المقعد المقابل لها، لاحظت عينيه التي تتحرك على كافة ملامح وجهها خاصتًا بتلك النظرة التي تبدو معجبة للغاية، لكنها لم تفعل كأي فتاة غيرها وتخجل أو حتى تبتسم رغمًا عنها، بل وجدت ذاتها تستقر بعينيها بعينيه بنظرة تبدو غامضة غير مفهومة لكن بذلك الإنحاء الطفيف الذي بدى على جانبي شفتيها ليعبر عما وصل اليها من نظراته.
_ فين الملف، لقيته؟
اقترب يستند بذراعَيه على سطح الطاولة الزجاجي، ثم هتف بصوت يشبه الهمس الخفيض:
_ هقولك، بس قوليلي الأول، تحبي تشربي ايه يا هَنا؟
هَنا، تشعر ببغض غريب لاسمها عندما ينطقه بصوته الذي لم ولن يكن مألوف بالنسبة لها على الإطلاق.
¡!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!
وقف أمام باب المنزل يتنهد بإرهاق السفر المُعتاد، ليضع يده بجيب بنطاله يُخرج مفتاح المنزل، وهُنا جمع ما بين حاجبيه يحاول أن يستمع عندما وصله أصوات ضحكات أنثوية قوية متداخلة مع أصوات صخب معبرة عن فرحة مَن بالداخل، اقترب يضع مفتاحه بالباب لكنه توقف لحظة عندما تيقن أن تلك الأصوات لم تكن سوى أصوات فتيات بداخل منزله.
وضع "حسام" اصبعة يضغط جرس المنزل، فسكتت الموسيقى ولكن يبقى صوت الضحكات الأنثوية المبهجة، فُتح الباب ليكشف عن وجه والدته الذي يعلوه الإبتسام يجعل وجهها يُنير بفرحةٍ لم يراها به منذ أمدٍ بعيد، ليبتسم اليها بشكل تلقائي.
_ حسام!!
صرخت بها والدته بفرحةٍ وسعادةٍ بالغةٍ ليفتح ذراعيه يحتضنها مُردفًا:
_ وحشتيني يا أمي.
شددت والدته من احتضانه تربت عليه بحنان ثم قالت:
_ وانت يا نور عيني، كدا يا حسام لسة جاي، افتكرتك هتيجي قبل الفرح بشهر أقل ما فيها؛ تكون مع أختك.
ابتعد عن حضنها يجيب بأسف وتوضيح:
_ والله العظيم لو عليا أجي قبلها بسنة عشان بس ألحق أشبع منها قبل ما تسيبني.
ثم توجه بوجهه وعينيه يبحث بالمكان بالداخل سائلًا:
_ أومال هي فين؟
أجابت والدته بنبرةٍ حنونةٍ:
_ مي؟ جوا يا حبيبي مع صحباتها، كلهم جمعوا بعض وجم يبيتوا معاها النهاردة عشان يبقوا معاها الصبح من أول اليوم.
وضع "حسام" حقيبته على الأرض، وتوجه للداخل خلف والدته، وجد باب غرفتها مفتوح على وسعه، فأبتعد خطوة للخلف ثم هتف باسمها مع مد ذراعه يطرق طرقةٌ خفيفةٌ على الباب.
أسرعت "مي" بالخروج من الغرفة عند سماعها لصوته، ابتسم ابتسامة حنونة بوجهها قبل أن تتقدم ترتمي بحضنه هاتفةٌ:
_ حسام، وحشتني.
احتضن رأسها على صدره بين ذراعيه بشعور يفوق شعور الوحشة بكثير، ثم تنهد بعمق يُغمض عينيه ويده تربت عليها بحنان، ولم يكن يعلم من أين أتى بذهنه صديقه "تميم" والذي سيكون اليه الحق بها بعد ساعات قليلة من الآن، سيكون اليه هو الحق بذلك الحضن الدافئ، سيحل هو محله بكل شيء يخصها وأكثر بعد الآن!!
نظر أمامه بضيق وحزن؛ فلم يعلم أن تلك الساعة ستكون بتلك الصعوبة على قلبه، فكلما شرد باللحظة التي تقترب من زواجها وتكون بحضن رجل أخر يتولى هو مسؤوليتها، وتحمل عبء مرضها عوضًا عنه بتلك السنوات يشعر بالغيرة الشديدة، يريد أن يتراجع بموافقته بزواجها.
ابتعدت "مي" عن حضنه ثم نظرت بوجهه بابتسامتها وبهجتها التي خطفت أنظاره، ابتسم وهو يمرر عينيه على هيئتها وفرحتها التي تطغى على وجهها ثم اقترب يقبل رأسها وهتف:
_ كفاية عليا الفرحة اللي على وشك دي.
ابتسمت تحتضنه مرة أخرى، ثم همست:
_ جيت متأخر قوي يا حسام، بس وحشتني.
ثم ابتعدت عن حضنه تنظر اليه لتُغلَق ابتسامتها تمامًا عندما رأت نظرته وعينيه الامعة وكأنه سيراها للمرة الأخيرة، فعادت ترتمي بحضنه مرة أخرى ليحكم عليها ذراعيه وهمست:
_ أنا هنام النهاردة في حضنك زي زمان، عشان هتوحشني.
حرك كفه بحنان على ظهرها ثم قال:
_ مينفعش، هروح أبات عند الواد تميم بما ان صحابك مستوليين على الشقة النهاردة.
ضحكت ثم أشارت اتجاه غرفته هو وأخيه:
_ احنا احتمال أصلًا نبات في أوضتك أو في اوضة علي؛ عشان أوسع من أوضتي.
ضحك "حسام" يضربها بخفة خلف رأسها، ليتفاجأ بتلك الوجوه الجميلة تخرج من غرفتها لتبتسم إحداهم قائلة:
_ هو حد جه يا مي!
ثم هتفت بابتسامة واسعة:
_ ايه دا حسام!! حمدالله عالسلامة يا حضرة الظابط.
لتشد الأخرى على ذراعها قائلة:
_ حمدالله على سلامتك يا أستاذ حسام.
ابتسم "حسام" اليهم بودٍ ثم رد بينما عينيه نظرت موضع حذائه عندما لاحظ منامات شقيقته عليهم:
_ الله يسلمكم، هنتعبكم معانا يا بنات، نجاملكم في الأفراح ان شاء الله.
وضعت إحداهما كفها على ثغرها تخبئ ضحكتها، لتعيد الأخرى جذبها من ذراعها لتصمت، أحس "حسام" بحركةٍ لازالت بالغرفة مع مُلاحظة أحد يأتي من الداخل، فعلم أنه مازال يوجد بقية فأسرع بقوله:
_ طب أستأذنكم أنا بقى.
ثم اقترب من شقيقته يهمس اليها ويده ترتفع على خصلاتها بحنانٍ:
_ هدخل أخد بعض الحاجات من أوضتي وأمشي علطول، هكون عندك هنا من الصبح.
!!!!!*!!!!!*!!!!*!!!!!!*!!!!!!
توقف "علي" بالسيارة حيث أشارت اليه، ثم التفت اليها وقال بصوته الهادئ:
_ لو احتاجتي أي حاجة أو أي استشارة، استفسار؛ كلميني علطول، هرد عليكِ فورًا.
نظرت للطريق أمامها ثم التفتت تنظر اليه قليلًا بصمت فجمع حاجبيه يهز رأسه لتتحدث وتعبر عما بداخلها بدلًا من ذلك الصمت الغير مُريح تمامًا، فأبتسمت بصفاء ابتسامة هادئة للغاية جعلته يبتسم ابتسامة تدريجية لعينيها هو الآخر وقالت:
_ هبقى أعدي عليك بكرة بعد الجلسة.
ازدادت ابتسامته وهو يقول:
_ مش هتلاقيني موجود.
أغلقت ابتسامتها لتسأل باهتمامٍ:
_ ليه، عندك إجازة؟
نظر بعينيها وتابع بذات ابتسامته:
_ عقبال عندك، فرح أختي الصغيرة بكرة ان شاء الله.
_ حقيقي!! مبروك.
ثم تابعت بذات نظرتها الغير مألوفة:
_ عقبالك.
ضحك بخفوت، ضحكة زادته وسامة لتجعلها تصمت عن ابتسامها وقال:
_ شكرًا يا ستي، بقولك ايه صحيح، ايه رأيك أستناكِ بكرة بعد الشغل وتيجي تحضري معايا الفرح وأهو بالمرة أعرفك على ماما وأخواتي.
صمتت صمتها الدائم الذي يجعلها أكثر غموضًا ومن المحتمل كانت تلك وسيلة جذب إضافية اليها بعينيه ثم أجابت بهدوء وعينيها بعينيه:
_ هاجي معاك بصفتي ايه، وكمان محدش عزمني عشان أروح فرح معرفش فيه حد!
اعتدل برتياح أكثر في جلسته بالسيارة ثم تنهد وقال:
_ بصفتك اممم مثلًا زميلة عمل، وصديقة عزيزة، و...
صمت لحظة حتى عادت ترفرف بأهدابها بترقب فأضاف:
_وبعدين محدش عزمك دا ايه، أومال أنا بعمل ايه دلوقتِ.
صمتت قليلًا بشرود ثم سألت:
_ أعتقد عندك أخت واحدة مش كدا؟
أومأ اليها، ليمسك بهاتفه ويضغط شاشته وهو يقول بابتسامة يغزوها السعادة المبالغة:
_ أيوا، بس هي مش أختي بس، دي حتة كدا من قلبي، انتِ مش متخيلة سعادتي بالجوازة دي ازاي، ان مي هتتجوز!! والله قلبي ما قادر يصدق لدلوقتِ.
ثم وضع الهاتف بوجهها وقال بابتسامة مبتهجة للغاية:
_ الصورة دي بعتتهالي النهاردة، زي القمر، شبهي مش كدا؟
التقطت الهاتف من يده تنظر به، فوجدت وجه يملأ الشاشة، في غاية البراءة والجمال وخصلاتها البنية تملأ الخلفية من حولها، همست "هَنا" ومازالت عينيها بالشاشة وهي تتذكر نفس الفتاة التي التقت بها بمنزله من قبل:
_ قوي قوي فعلًا، بس هي أحلى وملامحها صافية أكتر.
ضحك بصوته الرجولي الواضح ثم قال بصدق ومرح:
_ وأنا موافق، لأن مي دي أحلى حاجة في حياتنا أصلًا، وأصفى ما فيها فعلًا.
رفعت عينيها من الهاتف اليه تنظر اليه، ثم سألت:
_ هتسافر امتى؟
!!!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!!
انتهى "تميم" من وضع تلك الطبقة الكريمية ذات اللون الأخضر الداكن على وجهه، فسأله "بدير" المُمَدد على الفراش من خلفه:
_ بتعمل ايه يلا في خلقتك؟!
أجاب وأصابعه مازالت تمر برفق على بشرته:
_ بعملها ماسك؛ عشان بشرتي تبقى صافية وناضرة بكرة في الفرح.
_ عشان ايه يا أخويا!!
التفت اليه "تميم" ليتقدم يجلس بجانبه ومازالت يده تزيد من وضع الطبقة على وجهه:
_ بقولك ايه مي بكرة هتبقى زي القمر، أنا عارف، عايز أكون واقف جنبها كدا لايق عليها.
ثم أشار اليه بفراغ صبر وتابع:
_ بقولك ايه ايش فهمك انت في اللي أنا بقوله دا، اسكت اسكت.
_ الصبر من عندك يارب.
استمعوا لطرق على باب المنزل، فأتجه ليفتح، وجد "حسام" يقف أمامه وحامل حقيبة تحتوي على بذلته وكل ما يلزمه باليوم القادم.
_ حُس.
نطق بها "تميم" وهو يميل ليحتضنه بابتسامة واسعة، فأبعده "حسام" بكفه يهتف بضيق بينما يزيحه من أمامه ويدخل:
_ أنا جاي أبات عندك الليلة؛ عشان صحاب مي بايتين عندي في البيت.
نظر "تميم" في أثره وهو يتجه لداخل غرفته مباشرتًا، ليجد "بدير" ممدد على الفراش بينما يده تلتقطت حبات اللب ويلقيه بفمه بتسليةٍ.
اعتدل "بدير" واقفًا فور رؤيته، يهتف بسعادةٍ يقترب يحتضنه:
_ وربنا قولت دا باينه جاي عالفرح ومش هيجيبها لبر.
احتضنه "حسام" ليقف "تميم" خلفه يهتف بعيون متسعة:
_ والله، ايه موحشكش غير بدير هنا بس ولا ايه ياللي يوحشك قطر!!
التفت "حسام" اليه بنظرةٍ مُتعمدةٍ جعلته يسكت عن الكلام، ثم ألقى بأشيائه على طرف الفراش ورفع يده وقال بتحذير:
_ ولا، بقولك ايه، أنا عاصر على نفسي شوال ليمون عشان أجي هنا وأشوف خلقتك، فأحسنلك كدا أبعد عني وخلي ليلتك تعدي.
اقترب "تميم" بابتسامة مستفزة يحاول احتضانه رغمًا عنه وهو يقول:
_انت زعلان مني يا حسام عشان هتجوز مي غصب عنك؟
حاول "حسام" ابعادة بيديه وقال بضيقٍ واضحٍ:
_ قسمًا بالله لو ماعديت ليلتك دي لأكون فاتحلك دماغك وأوديك الفرح الصبح متخيط.
نهض "بدير"يبعد "تميم" عنه بالقوة بينما الإثنين يحاولون كتم ضحكاتهم ولا يبالوا بالذي يحترق أمامهم.
_ خلاص بقى يا حسام، ايه كل دا، دا انت معبي قوي يا جدع.
رفع اصبعه بتحذير ثم قال:
_ بدير، ابعده عني الليلة دي، وإلا والله العظيم أسيبهاله مخضرة وأروح أبات في أي زفت أوتيل برة.
جلس "تميم" على الفراش ومازال يضحك ثم قال:
_ لأ اوتيل ايه، أنت عايز مي تزعل مني.
نظر اليه نظرة حارقة فتابع قبل أن يضع يده على فمه:
_ خلاص خلاص مش هنطق أهو.
التفت اليه "حسام" بعدما صعد الفراش يمدد جسده بجانب "بدير" وسأل:
_ أومال مامتك فين؟
أجاب "بدير" وهو يتكئ بجانبه على الفراش:
_ عند خالته بيحضروا حاجات كتير لبكرة، المهم سيبك انت، ايه يا أبني اللي أخرك كدا، دا غير أخوك التاني كمان لسة مجاش.
قال "تميم":
_ على الأقل "علي" كل يوم والتاني هنا، بيساعد مي في حاجات كتير، لكنه دا مشوفناش سحنته مرة.
وضع "حسام" ذراعه خلف رأسه يتنهد بأرق ثم همس وعينيه ناظرة لسقف الغرفة بشرود:
_ ربنا يستر؛ خايف عليهم جدًا، هتصدقني لو قولتلك اني سايب هناك وجاي بالعافية، والله حاسس اني هنا وسايب روحي هناك.
نظروا لبعضهم ليستند "بدير" على ذراعه بينما يميل اليهم "تميم" ويسأل بابتسامة:
_ ليه يا باشا، هو مش هناك شغل برضو وكدا كدا هيخلص وتيجي ولا أنا بيتهيئلي!!
ضحك "بدير" هو الأخر وقال:
_ بيقولك سايب روحه هناك، افهم انت بقى.
مال اليه "تميم" وتابع:
_ لأ مش فاهم، حسام، هو فيه جو خطفك هناك مننا ولا ايه؟
نهض يعتدل في جلسته وقال بتأفف وضيق:
_ لا جو ولا زفت منك له، بقولك ايه قوم هاتلي غيار من عندك؛ عايز أخد دُش قبل ما أنام.
ثم التفت اليه وتابع وهو يشير إلى وجهه بقرفٍ:
_ ايه يلا اللي انت عامله في خلقتك دا!
!!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!*!!!!!!
بالثانية بعد منتصف الليل، يضع مفتاحه بباب المنزل ليدخل ثم يخلع المعطف الخاص به يلقيه على الأريكة بإهمال وتثائب يعبر عن حاجته للنوم وأرقه من السفر ليلًا المعتاد عليه، وقبل أن يتجه لغرفته اتجه نحو غرفة والدته وشقيقته وفتحها وهُنا أغلقها على الفور مع توسع عينيه؛ فقد رأى فراش شقيقته مُمَدد عليه فتاتين من بينهم واحدة مستيقظة ناظرة بهاتفها، وقد رأته والتقت أعينهم ببعضها.
_ ايه دا!! ومين دول!!
ليضع كفه على وجهه بإدراك ويهمس بحرج بالغ:
_ صحاب مي!! ياكسفتك يا علي!!
أنزل كفه ليتجه لغرفته على الفور، وقبل أن يضع يده على مقبض الباب فُتح باب غرفة شقيقته فجأة لتخرج منه تلك المستيقظة وقد وضعت حجابها على رأسها وهمت بالقول سريعًا:
_ باقي صحابنا عندك في الأوضة جوا على فكرة.
التفت اليها "علي" فأقتربت هي تقول بابتسامة بسيطة:
_ حمدالله على السلامة.
أومأ اليها بصمت وحرج مازال يحيط به، فقالت هي:
_ واضح ان احنا عملنالكوا دوشة، بس كنا نعرف انكم مسافرين والله.
نظر بالمفاتيح بيده ثم أجاب:
_ لأ لأ خالص خدي راحتك، ااا أومال ماما ومي فين وحسام قالي من بدري انه على وصول؟
وقبل أن تجيب، وجد شقيقته تخرج من الغرفة فقالت بلهفةٍ فور رؤيته:
_ علي!! أخيرًا جيت، قلقتني عليك.
اقترب يقبلها من رأسها ثم نظر للأخرى الواقفة تتابع ليجذبها من يدها ويقف بعيد قليلًا:
_ مش تكلميني تقوليلي يا جزمة ان صحابك هنا في البيت وفي أوضتي كمان، بدل الإحراج دا.
ضحكت بخفوت ثم قالت بذات همسه:
_ والله كلمتك كتير عشان أطمن عليك كمان وأشوفك اتأخرت ليه، بس كان علطول يديني مشغول.
استطال قليلًا ينظر خلفها على تلك الواقفة مازالت تتابع من بعيد ثم وضع يديه بخصره بيأسٍ يهمس بعد تنهيدةٍ:
_ ميت من التعب وهنام على نفسي، وبكرة يومك طويل، أعمل ايه بقى دلوقتِ!؟
تأففت بقلة حيلة وقالت بينما تعقد ذراعيها أمام صدرها باحتجاج:
_ أكيد يعني مش هتنام وسط صحابي يا علي.
نظر للواقفة تتابع من بعيد ثم اقترب يهمس بابتسامة مرحة:
_ ياريت كان ينفع.
ضربته بصدره فضحك بصوت مُرتفع لتزيد الأخرى من تطلعها اليهم مع ابتسامها فأقتربت "مي" منه أكثر لتهمس بأمر:
_ مقدمكش غير انك تعمل زي حسام، وتروح تنام الكام ساعة دول عند تميم، هو معندوش حد غير والدته وتميم كلمني قبل كدا وقال انها عند خالته كمان وأهي احتمال لما تعرف ان صحابه عنده تبات هناك.
فكر قليلًا ثم عاد يستطيل وينظر للواقفة منشغلة بالنظر بهاتفها فأقترب يهمس بوسامته التي تزداد عندما يكون مبتهج الملامح كحالته الآن:
_ طب ما أبات هنا، والله ما هعمل صوت، ايه المشكلة يعني، والله ما فيها مشكلة حتى تحسي البيت ريحة اختلف كدا وبقى ألطف وأطرى.
كررت خلفه باشمئزاز:
_ أطرى!!!
= محاولاتك الفاشلة في قلة الأدب دي مش هتجيب نتيجة، ما تختار واحدة منهم وأنا أقول لأخوك يجوزهالك من الصبح بس انت انطق.
ضحكت "مي" ناظرة لوالدتها الذي التفت اليها قائلًا:
_ ست الكل، كنت لسة هدخلك قبل ما أمشي والله.
قبل يدها فتابعت هي بجدية:
_ متوهِش عالكلام، انت بس قول ناويت وشاور على أي واحدة تعجبك وأهو صحبات أختك الله أكبر أدب وجمال وأخلاق والله ما هتلاقي أحسن من كدا.
ثم تابعت بتمني:
_ نفسي أطمن عليك انت وأخوك زي أختك كدا قبل ما ربنا يفتكرني.
قالت "مي" وعينيها بعينيه بشرٍ:
_ ياماما دا لو الدنيا كلها اتجوزت هو لأ، هو حضرتك مش عارفة علي ولا ايه!!
سار اتجاه الأريكة يلتقطت معطفه قائلًا:
_ قبل ما تعملوا عليا الحفلة دي، أنا ماشي وهكون عندكوا هنا من الصبح مع حسام، ولو احتاجتوا حاجة يا ماما كلمينا علطول أنا كمان هروح لتميم.
!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!
وضع مشط شعره المبلل أمام المرآة يتطلع لذاته ثم يتنفس براحة بعد ذلك الحمام وبعد أن بدل ملابسه لقطعة قطنية من اللون الأسود الداكن، بدون أكمام تمامًا فقط حملات على الكتف، وبنطلون قطني من اللون الرمادي، ثم تركهم يتحدثون ويضحكون على شقيقه "علي" الذي يقف أمام خزانة ملابس "تميم" ويُخرج منها العديد من القطع المريحة لكنها لم تنال اعجابه، وسار بهدوئه المعتاد الى شرفة الغرفة ليضع يد بجيب بنطاله القطني ليضع الهاتف على أذنه ثم يبتسم بحنانٍ فور وصله ردها:
_ إياد، وصلت بالسلامة ولا لسة؟
أجاب من بين ابتسامته الحنونة التي أصبحت تظهر كلما وصله صوتها بالأخص:
_ وصلت من ساعة تقريبًا.
_هتغيب عندك قوي؟
_ زي ما قولتلك، يومين بالظبط أحضر الفرح وأعمل الواجب وأرجع علطول.
وصله تأففها خلال السماعة مما جعله يعود يبتسم ثم قالت:
_ في حد في الدنيا بيحضر فرح ويروح يقعد عند الناس باليومين.
_ أصلهم ناس عزيزة عليا قوي، زي ما قولتلك صاحبي جامد يعني.
ثم تابع سريعًا محاولًا تخطي تلك النقطة:
_ قوليلي صحيح، هتنزلي الجامعة الأيام الجاية، ولو نزلتي هتسيبي أميرة وزياد مع مين خصوصًا ان أحلام معظم الوقت في دروسها.
صمتت قليلًا ثم أجابت بتفكيرٍ:
_ المشكلة مش في الجامعة كدا كدا ايمان ووليد كتر خيرهم مقدرين ظروفي وبيساعدوني، المشكلة في الورشة بفكر أفتح من أول بك....
قاطعها سريعًا بعصبيةٍ تبدو بنبرة صوته الحادة:
_ متنزليش الزفت الجامعة لحد ما أتنيل أرجع، والورشة متتفتحش طول مأنا مش معاكِ، وقسمًا بالله يا رقية أعرف بس ان الكائن اللي اسمه وليد دا جه البيت تاني في غيابي أو قبلتيه أو شوفتيه والله العظيم لهوريكي انتِ وهو وش مشفتِهوش من يوم ما قابلتك.
زفرت بحنقٍ تجيب بضيقٍ وغضبٍ هي الأخرى:
_ وايه اللي جاب السيرة دي دلوقتِ مش فاهمة أنا!!
أتاها الرد بغضب وصوت مُرتفع جعلها تبعد الهاتف عن أذنها قليلًا:
_ هو انتِ عايزة تجننيني يا بنتي، مش انتِ اللي لسة قايلة اسمه وكأنك قاصدة تضايقيني.
_ اهدى بس وبراحة مش لازم يعني اللي عندك يعرفوا انك بتزعق وبتهزق أختك.
_ رقية!! والله العظيم ورحمة أبويا أسمع بس انك شوفتيه أو دخل البيت تاني في غيابي ل...
_ أنا عايزة اعرف مالك، بتتجنن ليه أول ما بتيجي سيرته!!
صمت يتنفس بغضب جعل صدره يعلو ويهبط ثم همس بخفوت نابع من لُب ضيقه:
_ قولتلك قبل كدا اني بغير عليكِ.
ثم تابع سريعًا:
_ بتضايق، بتضايق من أي زفت يقرب منك، وياريت عند أهلك دم وبتحسي.
_ بس وليد معملش أي حاجة تخليك تضايق كدا، أو حتى يحسسني منه بحاجة مش مُريحة، دا طلبني منك يعني قصده كويس و....
قاطعها بنفاذ صبر وضيق وصله به لمداه:
_ وأنا اتهببت وقولت مش وقته، تتنيلي انتِ كمان وتخلصي دراستك الأول وبعدين نتكلم، هقول بدل المرة ألف عشان تبطلي غباء وتفهمي مثلًا!!
صمتت قليلًا حتى شعر بالذنب من تفريغ غضبه من الأمر كله بها، لكنه عاد يقطب حاجبيه باندهاش عندما وصله صوت ضحكات مكتومة فسأل:
_ رقية انتِ بتضحكي، ولا بتعيطي!!
وصله صوتها الضاحك بوضوح فتأفف سائلًا:
_ بتضحكي على ايه دلوقتِ، عشان بتعرفي تحرقي دمي كويس؟
_ لأ عشان غيرتك عليا دي أنا بحبها، لو كنت أعرف ان احساس ان يكون عندي أخ بيغير عليا كدا حلو بالشكل دا، أنا كنت رحبت بوجودك من زمان واترجيت ربنا برجوعك كمان.
قبض بيده على حاجز الشرفة يضغط شفتيه ببعضهم بنغَصٍ، ثم أغمض عينيه يضغط ما بينهم بإصبعيه وقال منهيًا الإتصال:
_ خلي بالك من نفسك أنتِ وأخواتك، ولو فيه أي حاجة كلميني علطول، في أي وقت يا رقية، مع السلامة.
أنزل الهاتف من على أذنه يستند بكفيه على حاجز الشرفة، ينظر بالفراغ وسواد الليل أمامه، الذي يشبه عتمة رؤيته لطريقهم، فذلك البراح والهواء الرطب من حوله لم ينجح في تجلية صدره المعتوم بحبها المُظلِم، زاد من قبض يده على الحاجز بشدةٍ، فكلما أتقن دوره دون حتى قصد منه، تزداد المسافات والطرق التي يمكن أن تصله بها، أماء أكثر من مرةٍ وكأنه أيقن أخيرًا وصدق بأن الأمر أشبه بالمستحيل.
!!!!!*!!!!!*!!!*!!!!*!!!!!*!!!!
دلف للغرفة بخصلاته المُبتَّلة، وسرواله القصير على جسد عاري يلمع بقطرات الماء، وبيده منشفةٍ يحك بها خلف عنقه، لمح بعينيه عند اقترابه من خزانة الملابس؛ "تميم" المُنشغل بوضع تلك الطبقات على وجهه ومعه "بدير" يحدثه ويضحك على حديثهم، بينما "حسام" مازال واقف بالشرفة.
التقط "علي" أحد ثياب "تميم" قائلًا وعينيه ناظرة بباقي الملابس القليلة المتواجدة بالخزانة:
_ عندك شوية تيشرتات، مش لايقين غير عليا، بقولك ايه انت مش هتتجوز وجبت هدوم جديدة؟
أخرج "بدير" قشر حبات اللب من فمه ثم أشار عليه وقال:
_ جايين يقلبوك.
ألقى "علي" بنفسه بجانبهم على الفراش يُممد ساقيه ثم أمسك بهاتفه، وفور النظر به ارتسمت ابتسامة على وجهه فور رؤيته المدون بها.
" وصلت ولا لسة، طمني عليك"
لاحظ "تميم" ابتسامته فترك ما بيده ووكز "بدير" بكتفه قائلًا:
_ هو فيه ايه بالظبط، ايه الحكاية معاك أنت كمان يا سي علي!!
رفع وجهه يشير اليه مع رده المتعجل قبل أن يعود بنظره للهاتف:
_ اششش، ملكش دعوة وخليك في حالك.
ثم رد:
" لسة واصل من ساعة تقريبًا، أنتِ ايه مصحيكي لدلوقتِ نسيتي وراكِ محكمة الصبح".
ظهرت برسالاته العلامات الزرقاء دلالة على رؤيتها، بعد لحظة من الإرسال لتزداد ابتسامته من اهتمامها الواضح ثم حرك شفتيه يقرأ:
" مش عارفة، مش جايلي نوم، قولت أطمن عليك وأشوفك وصلت ولا لسة".
اقترب "بدير" يجلس بجانبه يستند بظهره للحائط يتطلع بفضول للهاتف، وفعل مثله "تميم" الذي جلس من الجهة الأخرى فأصبح "علي" جالس بالمنتصف مازال يُرسل ويحرك شفتيه بقراءة الرسالة الواحدة أكثر من مرة قبل الرد عليها.
أشار "تميم" بإصبعه إلى شاشة الهاتف قائلًا ويهز رأسه:
_ البدايات دي أنا عارفها كويس.
ضحك "بدير" قائلًا:
_ وأنا كمان وربنا.
زفر "علي" يتطلع يمنة ويسرى اليهم ثم أغلق شاشة الهاتف وضعها جانبه، وقال:
_ حاشرين دماغكوا انتوا الاتنين جوا تليفوني ليه يا كلاب؟!
أجاب "تميم":
_ ولا، هو أنت مبتحرمش، مش كفاية اللي حصل منك أخر مرة كنت بترمرم كدا برضو.
عبس بوجهه ثم وضع الهاتف جانبًا يجيب:
_ بس أنا، بس، هَنا مش زي أي حد قبل كدا.
قال "بدير" مخففًا من كلمة "تميم":
_ و..ومين هنا دي يا علي؟
صمت برهة بذات عبوسه فنظر "بدير" إلى "تميم" بلومٍ؛ فقال "تميم" وهو يضع كفه على كتفه:
_ أنا مش قصدي أزعلك يا علي، أنا بس خايف عليك، ولا أنت مش فاكر حالتك كانت ايه من مدة قصيرة.
نظر اليه ثم قال بذات عبوسه وحزنه موضحًا ما بداخله:
_ ولسة مش عارف ولا قادر أتعافى منها لحد دلوقتِ يا تميم، بس صدقني أنا المرادي مشاعري حقيقية بجد، ومفيش في نيتي أي حاجة وحشة.
ثم اعتدل يتابع بحماسٍ وابتسامةٍ بدأت أن تعود لوجهه مرة أخرى:
_ هنا دي محامية اتعرفت عليها من خلال الشغل، وحقيقي هي فيها احترام كدا وتقل شخصية يجبرك يا أخي على احترامها وحبها، جذابة جدًا، وقوية جدًا، وفي نفس الوقت عينيها فيها ضعف وحزن كدا يشدك تكمل كلام معاها، أو تبقى حابب وقتك معاها، لأ هنا مختلفة عن أي واحدة عرفتها قبل كدا.
التفتوا الإثنين على ضحكات "بدير" ثم صاح بالنداء على "حسام" بعدما لاحظوا جلوسه على أحد مقاعد الشرفة وشروده بالفراغ أمامه.
_ انت يلا بتضحك على ايه!!
ثم صاح "علي":
_ وبتنادي على حسام ليه يا زفت أنت.
اعتدل "بدير" ثم قال:
_ أصلك بتتكلم نفس كلام تميم بالظبط عن مي قبل كدا.
_ سمعت اسم مي، بتجيب سيرة مي لية يا زفت انت وهو!!
افصحوا جانبًا "لحسام" ليجلس بجانبهم يستند ظهره للحائط مُمد ساقه مثلهم، ثم قال "علي" منهيًا الموضوع:
_ مالك يا حسام، طافي كدا وشكلك مش طبيعي؟
استند برأسه للحائط يشرد قليلًا وكأنه غَرق في أفكاره بها على الوجه الخاص، ثم همس ولم يعلم أكانوا استمعوا اليه أم لا:
_ حيرة، وقلة حيلة، حاجة لا كانت عالبال ولا عالخاطر، يا أخي ياما سمعت عنه وعن عذابه وسهر الليالي، لكن مكنتش أعرف ان كل دا هيبقى بالقسوة دي، خصوصًا لو مفيش ذرة أمل زي الحالة دي.
ابتسم "تميم" بعدما أراح رأسه مثله للحائط وهمس هو الآخر:
_ هو آه تعب ما بعده تعب، وحيرة تقدر تسألني أنا عنها، لكن بعد ما بتوصلها؛ اللي قلبك اختارها وكانت السبب في كل العذاب دا، بتحس كأنك كدا ملكت الدنيا وخلاص مش عايز حاجة تاني.
ضحك "بدير" بخفوت يعود برأسه للخلف مثلهم، وقال:
_ ولما ربك بيريد بقى وبيجمعكوا في بيت واحد؛ بتحس ان أكبر حلم من أحلامك اتحقق، بس دا عمره ما يحصل إلا لو كنت بتحبها بجد يا حسام، كأنك فوق السحاب يا أخي.
تنهد "علي" هاتفًا من أعماق شروده هو الأخر:
_ مهم كمان ميكنش في شوائب قديمة تعكر عليك أي احساس حلو ممكن تحسه، تحس انك محتاج تهرب بيها وبالتفكير فيها بعيد عن كل دا.
ثم نظر إلى "تميم" وتابع بضيق:
_ لكن تيجي حاجة وترجعك كتير قوي لورا.
ثم زفر بقوة وكأنها أتيه من الأعماق وهمس:
_ يا ريتني ما قابلتها ولا عرفتها.
تنهد "حسام" حتى صعد صدره وهبط بقوة ثم حرك شفتيه قائلًا:
_ يا ريتني ما قابلتها ولا عرفتها...ولا حبيتها.
بينما تنهيدة مختلفة تمامًا عن سابقتها، خرجت من "تميم" بابتسامة حالمة وهمس هو الأخر وكأن لم يستمع اليه أحد:
_ يا أحلى يوم في عمري.. امتى ييجي بكرة بقى.
التفت "حسام" أثر همسه بتلك الجملة الأخيرة، ثم أزاح أخيه "علي" الفاصل بينه وبين "تميم" وهدر بغضب وهو يتجه اليه:
_ جاي يا حبيبي، بكرة جاي وشكلها كدا هتيجي معاه نهايتك على ايدي ان شاء الله.
وقف "تميم" نصف وقفة على ركبتيه وصاح هو الآخر:
_ بقولك ايه انت وأخوك عشان تكونوا عارفين من أولها أختكوا بكرة هتبقى مراتي، ووالله والله لو حد منكوا فتح بوقوا بعد كدا ل...
نهض "علي" يقف على ركبتيه مثله وقال:
_ حاسس ان احنا مش عجبينك كدا يا تميم، ما تعدل كلامك أحسن ما نضطر نعدلك احنا ولا ايه.
وقف مثلهم "بدير" وهو منغمس بضحكاته عليهم ثم قال من بين ضحكاته:
_ دانت هتشوف أيام سودة يا تميم.
!!!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!
قطعة من أنقى ما بداخله تتحرك أمامه الآن، بثوبها الأبيض الناصع تبدو أنقى من الماء، وابتسامتها تشبه صفاء السماء، يتذكر حتى في حزنها تُبدو كالنسمة الساكنة، حتى في ألمها المعتاد عليه تشبه البكاء الصامت حينها، لمعة عينيها بتلك الفرحة النادرة المزينة وجهها تجعل قلبه يتطاير من موضعه،
رفع عينيه بتلك الدمعات لتتقابل مع تلك الهالة من البياض الامع بذلك الفستان كبير الحجم وذلك التل الموضوع أعلى رأسها ينسدل بجمال على طول الفستان حتى لامس الأرض، هبطت "مي" بيديها من أعلى رأسها لتعديل ذلك التاج الملكي الذي يجعلها أميرة من بين الوصيفات من حولها، لتمررها على طول الفستان الأبيض بذلك التطريز القوي ألامع، تطيل النظر لهيئتها بالمرآة بتلك الإبتسامة الواسعة مع دمعات قوية تهدد بالسقوط على وجنتيها، ظلت على وضعها لم تشعر بصخب الفتيات وحركتهم من حولها، فكل ما يشغلها تلك اللحظة التي ودومًا ما مرت على بالها كلمح البصر، لكنها كانت تقابلها بتجاهل عن عمدٍ منعًا للمزيد من الألم والعذاب، تحولت ابتسامتها لضحكة مع دمعات بدأت بالهطول بالفعل ومازالت يديها تربت على كل إنشٍ ترتفع اليه عينيها الدامعة الباكية، حتى تقابلت عينيها بذلك المراقب من بعيد فتوسعت عينيها بالمرأة وهي تراه يجفف دمعاته وعينيه مثبتة عليها، التفتت "مي" اليه فأقترب ببطءٍ منها حتى وقف أمامها مباشرتًا؛ فنظرت اليه تهمس من بين ابتسامتها الممتزجة بدمعاتها:
_ حسام، أنا عروسة؟!
حدق بها بذات ابتسامته، ثم أومأ اليها بصدقٍ يهمس ويده ترتفع تجفف دمعاتها بلمسات لطيفة:
_ هتصدقيني لو قولتلك اني عمري ما شوفت عروسة بالحلاوة دي.
_ أيوا، أنا حاسة ان أنا حلوة قوي، قوي يا حسام.
احتضنها على الفور، يمرر يده من أعلى رأسها حتى ظهرها يهمس بكلماتٍ مليئةٍ بالشجن ومشاعر متداخلة بداخله.
_ حسام، بتعمل ايه!!
أجاب بعد وهلةٍ من همسهِ قبل أن يقبلها قبلة عميقة أعلى رأسها:
_ برقيكي، مش عايز أي حد يشوفك وانتِ حلوة كدا ويحسدك.
ثم أبعدها قليلًا عن حضنه، يضع يدها بذراعه وهنا أستمعوا لزغاريد من حولهم من صديقاتها ووالدتها التي دخلت ورأتهم منذ دقائق، فأقتربت.
ترك يدها "حسام" فور فتح ذلك الباب الكبير ليقف جانبًا، مع الواقفين فتسير هي في خطواتها البطيئة المتمهلة كالأميرة اليه، ذلك الواقف في أخر المرر المشع بالإنارة والألعاب النارية، يقف بحُلته السوداء الأكثر من أنيقة، تليق به وكأنها فُصلت من أجله، واقف بانتظارها لتنهي خطواتها وتقترب تضع يدها بيده أخيرًا أمام الملأ.
تزداد ابتسامته اتساع كلما اقتربت اليه أكثر وفستانها يزحف الأرض خلفها حاملة بين يديها الرقيقة باقة من الورود البيضاء يتخللها بعض الزهور من اللون البنفسج الرائع، مع بُطء خطواتها فتبدوا كالأميرة التي تسير لأميرها.
الجميع من الصديقات والأصدقاء، والأقارب وغيرهم، يقفوا على الصفين بتصفيق عالي، مرتفع وابتسامات تشعر من ينظر اليها بالبهجة والسعادة من أجل العروسين، عدا "حسام" و"علي" شقيقيها واقفان بجانب بعضم البعض، يضعوا يد على الأخرى وعينيهم عليها في صمت، وابتسامة متأثرة فقط تزين ثغرهم.
وقفت "مي" أمامه، فنظر اليها "تميم" ثم اقترب يقبلها من رأسها وعاد ينظر اليها يقترب يقبلها من وجنتها وهنا توسعت عيني "حسام" لتتحول ملامحه لضيق مُفاجيء فنظر إلى "علي" الواقف بجانبه ليجده مازال واقف مُبتسم بتأثر وزاد عليه فقط أنه أخرج هاتفه ليسجل تلك اللحظات، عاد "حسام" بالنظر اليه وجده يبعد بعد تقبيله لوجنتها الأخرى ثم يضع ذراعها بذراعه ويسير للساحة.
كفيه يحتضنا خصرها بحنان بالغ ليجذبها اليه قليلًا لتتقابل عينيهم بتلك الابتسامات الأخاذة؛ ليراقصها بهدوء ونعومة تناسب رقتها، اقتربت إحدى صديقايها المقربين وهي ضاحكة بسعادةٍ وخجلٍ لتسحب طرف الطرحة الطويل وتعكسه لينسدل عليه معها فيختبئوا الإثنين خلفها عن تلك الأعين الناظرة اليهم، ازداد "تميم" في تبسمه ليقربها منه أكثر يهمس اليها، بينما هي تشعر بالخجل الشديد بفعل تلك الحركة، بينما على الجانب الآخر يقف "علي" بين "حسام" و"بدير" الذي يقترب منه ويحدثه وهو يشير اليهم:
_ مكنتش أعرف ان الواد تميم بيحب أختك كدا ، حاسه هيجراله حاجة.
بينما "حسام" واقف مثبت نظره عليهم بعدم ارتياح في وقفته وهي بعيدة يحتضنها شخص أخر أمام عينيه، وبرضاه وأمام الجميع، بدل كفيه ليضع اليسرى على اليمنى بدلًا من العكس بعدم سكينة في وقفته وغيرةٍ تشتعل بداخله كلما اقترب منها أكثر.
توسعت عينيه أكثر عندما أحكم "تميم" يديه حول خصرها وحملها يدور بها بسعادةٍ واضحة للجميع، وبعد دقائق أنزلها ليختل توازنها وتشعر بالتعب، رافعة يدها لرأسها فيسندها "تميم" بقلق ثم يقترب يهمس اليها بخوف.
اقترب "حسام" وخلفه أخيه وصديقه ووالدته التي لاحظت الأمر هي الأخرى، ليصرخ به "حسام":
_ مالها، ايه اللي حصل؟!!
أستندت قليلًا إلى "صدر "تميم" الهامس اليها بقلق، وهمست:
_ متقلقش يا حسام، دوخت عادي.
هدر "حسام" بغضب يصيح بوجه"تميم":
_ أنت يلا عارف أنها تعبانة، حد يعمل الحركة دي، انت غبي!!!
لولا وجود "علي" و"بدير" الذين يحاولون ابعاده، حتى أستمع لذلك الصوت المنطلق في مكبر الصوت من قبل الشاب الواقف على منطلق الموسيقى:
_ العروسة داخت يا جماعة، بتدوخي من دلوقتِ يا ست العرايس، أومال بعد الفرح يا عريس.
التفت"حسام" اليه على الفور بعيون واسعة ثم اتجه اليه يصعد اليه على الأجهزة أمامه بيديه وركبتيه ليجذبه من عنقه بقوة ليتشاجر معه، لولا أخيه وصديقيه حتى"تميم" ترك"مي" بين يدي والدتها وأسرع يخلصه من يديه.
!!!!!*!!!!!*!!!!*!!!!!*!!!!!
بغرفتهم، اقترب منها "تميم" يوضع يديه أعلى ذراعيها يتمعن النظر بعينيه الامعة بعينيها وهتف:
_ مش مصدق انك معايا هنا في بيتي، ولوحدنا.
ابتسمت باهتزاز من فرط خجلها ورهبتها من الموقف الجديد عليها تمامًا، ثم رفعت عينيها أخيرًا من على أطراف فستانها وهمست:
_ صراحة ولا أنا، بس، بس قلبي بيدق بسرعة قوي يا تميم؛ من ..من فرحته.
ابتسم اليها يجذبها بهدوء أكثر اليه حتى أطبق ذراعيه عليها يحتضنها لصدرة بحنان وابتسامه ملء وجهه، ثم همس أمام وجهها بعشق يسير بداخله:
_ تعبت كتيييير عشان أشوفك في حضني كدة، ولسة مستعد أتعب أكتر عشان أوفي بوعدي لأخواتك يا مي؛ أخليكِ أسعد واحدة في الدُنيا، واثبتلك انك يوم ماختارتيني قصاد أخواتك انك مش بس أنقذتيني من حيرة نفسي وعذابها لأ، انتِ حيتيني من جديد يا مي.
ماجعله يصمت عن ابتسامته ويحل محلها عينيه التي تنتقل من النظر ليديها التي تحركهم ببعضهم ثم تصعد عينيه إلى ثغرها الذي تزينه ابتسامتها الخجولة عوضًا عن تلك الهالة الجميلة حولها كطرحتها البيضاء طرحة الزفاف، اقترب بوجهه من وجهها شيئًا فشيئًا وهنا وما مر بينهم سوا عدد من الدقائق وبدأت ترفع يدها لصدره لتبعده عنها، لم يستجب اليها "تميم" بل ضغطها اليه أكثر حتى شعر بجسدها يرتجف على جسده فأدرك اختناقها ليبتعد عنها على الفور وهنا توسعت عينيه؛ فقد انكبت على نفسها أرضًا تشهق وتسعل بقوة، حتى شعر وكأن روحها تزهق عن جسدها.
رأيكو وتوقعاتكوا...ولسة فيه حلوياات كتير جااية وهندخل عالجد بقى..متنسوش رأيكواا بقى في البارت وصياح في الجروب عشان أعرف رأيكو وتوقعاتكم... قراءة ممتعة يا أحباب ❤️❤️🥰
رانيا أبو خديجة
جميله جدا
ردحذفياه على الجمال تسلمى ياقمر
ردحذفجميله جدا تسلم ايدك
ردحذفياروعاتك يارانيا ❤❤❤
ردحذفياجماله بقي🙈❤❤💃💃💃💃
ردحذفياعيني ياعيني اخيرا اتجوزت ياتميم مبارك ياعم 💃💃💃💃
ردحذفتحفه❤
ردحذفبارت جامد جدا وحلو اوي
ردحذف❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ردحذفحمد لله على السلامه عودا حميدا
ردحذفالبارت جميل جدا تسلم ايدك فعلا مبدعه
جميله جدا.تسلم ايدك 💞
ردحذفتحفههههههههه
ردحذفروعه روعه تسلم ايدك يا رونى
ردحذفمن فضلك انا وقفت لحد الفصل 36 ومش لاقية الباقي وبعدين جالي الفصل ال44علي ظول فين الفصول الناقصة
ردحذف