U3F1ZWV6ZTMxMjc0MDY2Mjc3MzYyX0ZyZWUxOTczMDM4NTMwMzE2MA==

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والعشرون بقلم رانيا أبو خديجة

 رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والعشرون بقلم رانيا أبو خديجة 

رواية 365 يوم أمان للكاتبة رانيا أبو خديجة

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل السادس والعشرون بقلم رانيا أبو خديجة

الفصل السادس والعشرون
٣٦٥ يوم أمان
رانيا أبو خديجة 

خرجت "مايا" من الڤيلا قاصدة سيارتها بنفس حركتها العاجلة، لم تحاول مهاتفة "هنا" سوى مرة واحدة ولم يتم الرد لتتأفف بنفاذ صبر وتنهي ارتداء ملابسها وإعداد نفسها لمقابلته بسرعة يتطاير قلبها معها، وبالفعل خرجت من الباب الكبير بالسيارة وبداخلها تريد أن السيارة تتحول لطائرة وتوصلها إليه في دقائق معدودة.

صعدت لغرفتها والهاتف على أذنها، فبعد محاولاتها في مهاتفة ابنتها أكثر من مرة اتاها الرد.
= حضرتك بتقولي كلمها!!
قالتها "هنا" خلال الهاتف باندهاش يشوبه البهجة، فقد علمت أن ذهابها لمنزله جاء بنتيجة محمودة، وعاد اليها مرة أخرى، لكنها عادت تعبث بقلق لتهتف:
_ هو...هو قال عايز يقابلها يا ماما؟
ردت والدتها وهي تفتح غرفة "مايا":
_ أيوا يا بنتي ... وأنا عايزاكي تروحي معاها ...انتي فينك كدة؟
_ ياماما أنا عندي شغل للأسف مينفعش أسيبه وأجي...صعب.
ثم تابعت بقلق هي الأخرى:
_ بقول لحضرتك ايه... أول ما ترجع طمنيني حالتها عاملة ايه..لحد ما أرجع أنا وأقعد معاها.
أجابت والدتها بعدم ارتياح وهي تجلس على الفراش:
_ أهي ساهتني ومشيت... معندناش حتى صبر تستنى مجيك.
!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!!

وصلت للمكان المعتاد مقابلتهم به، ونزلت من سيارتها تبحث بعينيها عنه لم تجد له أثر فابالتأكيد أتت باكرًا عنه؛ وذلك للهفتها لرؤيته، ظلت تبحث بعينيها هنا وهناك بلهفة إلى أن استمعت لصوت دراجته النارية يأتي من بعيد، فألتفتت اتجاه الصوت لتراه يقترب بها بسرعته الجنونية في قيادتها كالمعتاد، ابتسمت باتساع، عينيها يضيئوا بدمعات شوق لرؤيته وكما اعتادت منه نفس بهائه في هيئته وملابسه الغاية في الأناقة الشديدة، وجاذبيته الطاغية، محظوظة هي لعشقها لشخص مثله، هكذا تحدث نفسها وعينيها متعلقة به إلى أن توقف وهبط من دراجته يقترب منها، وهُنا بدأت أن تتلاشى ابتسامتها ويظهر عبوث بقلق يشوبه الخوف فور رؤية ملامحه وعينيه الغاضبة في اقترابه منها، حتى وقف أمامها تمامًا فرفعت رأسها تنظر اليه بولع لتنطق بلهفة يشوبها الشوق:
_ علي.

!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!

انتظر "تميم" انتهاء حديثها للطبيب بعدم صبر وفور انتهائها أردف برجاء قبل أن ينطق الطبيب بأي جملة اعتراض:
_ قبل ما حضرتك تقولنا الكلمة الأخيرة في حالة مي .. عايز حضرتك تعرف ان ربنا يعلم أنا هحافظ عليها ازاي ومش ممكن أبقى قاصد أذيتها في أي لحظة حتى لو هاجي على نفسي في أي شئ.

نظر اليه الطبيب قليلاً، فقالت والدتها:
_ ده تميم..اللي متقدم لجواز مي زي ما قولت لحضرتك.
تقدم الطبيب يستند للأمام بذراعيه على سطح المكتب بتنهيدة وحيرة كبيرة، فنظر "تميم" اليه ثم اليها بقلق، لكنها لم تنظر اليه بل كانت معلقة نظرها بالطبيب بقلق بالغ من الحكم الذي يصدره على مصير ابنتها طوال حياتها، فهي تريد مَن يطمئنها أكثر منه، وأخيرًا نطق فقال:
_ أنا عارف الأستاذ تميم...جه هنا أكتر من مرة مع مي في المتابعات وكتير كان وقتها يسألني أسئلة مشابهة وده خلاني أفكر في حاجة زي دي وسبحان الله كنت عارف ان هييجي الوقت وتسألني بشكل خاص عنها.
ثم نظر لوالدتها وتابع:
_ بس مكنتش اتوقع أبدًا ان حضرتك تكوني معاه... خصوصًا انك عارفة حالة مي كويس وان خطر عليها فكرة الجواز ككل.

نجح كلام الطبيب في سرعة ضربات قلبه بمزيد من القلق؛ فمعنى الحديث أنه شئ من المستحيل وذلك المعروف بينهم، لكنه استمع والدتها تقول بنبرة حزينة أوشكت على البكاء:
_ يا دكتور أنا أمها... وحضرتك عارف كويس ان يصعب عليا إني أسمع منك أكتر من مرة انها هتعيش حياتها مريضة ووحيدة ..من حضرتك مرة ومن اخواتها مرات..من فضلك قول اللي يمليه عليك ضميرك في الموضوع ده... أنا أكيد مش هضحي بحياة بنتي ...بس أنا جوايا احساس ان حضرتك عندك كلام تاني ممكن يتقال.

صمت الطبيب لوهلة، فأخرجت هي من حقيبتها عدة أوراق وفحوصات وهتفت:
_ دي أخر فحوصات كانت عملاها مي... أنا جبتها معايا يمكن حضرتك تحتاج تبص فيها.
أخذ بالفعل الفحوصات من يدها، ينظر بها حتى رفع رأسه وأردف:
_ للأسف... أنا مقدرش أعرض حياتها للخطر وخليني أكون صريح معاكم...مي مستحيل قلبها يتحمل جواز.
لم تتوسع عينيه كوالدتها ولا يده ارتفعت لفمه بصدمة كما كان رد فعلها هي، فمات أخر أمل لحياة ابنتها، لكنه ظل ثابت ناظر اليه دون رد فعل وكأنه كان يتوقع الرد، لكنه كان يكذب ذاته وبداخله يدعي ربه ويتوسله منذ أيام عديدة يقرر الاقتراب منه وهي أصبحت دعوته الليلية التي لم يكف عنها أملًا أن يشعر به ربه وبنيته فالاقتراب منها في حلاله، مع كم الوعود والقسم الذي أخذه على نفسه أمامه بعد الانتهاء من كل صلواته أنه لم يغضبه أبدًا ولا يفعل ما كان يفعله سابقًا من معرفة فتيات بغرض اشغال وقته ومحاولة نسيانها، لكن الأن ظل مثبت نظره على الطبيب دون أي رد فعل لكنه لم يكن يراه، يرى ذاته فقط وهو يعود يحرم نفسه من النظر اليها مرة أخرى، يتلاشى الحديث معها، يهرب من أي مكان أو مقابلة يمكن أن تجمعهم، كي يحاول مرات أخرى في نسيانها، بالإضافة لاحترامه لأخواتها وصداقته معهم التي من المستحيل أن يسمح لذاته بخيانتها والنظر لشقيقتهم تلك النظرة دون وجه حق، حق!!
أي حق، انتهى الأمر، لم يكن له بها ذرة حق بعد الأن، انتهى الأمر.

!!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!!!
_ علي!!!... بتوجعني!!!
قالتها بألم من يدها التي يمسكها بتلك الطريقة، وقد زفرت من عينيها تلك الدمعات أمام عينيه الجاحظة إليها بذلك الشر، لم يرحم ألمها ويترك يدها، قبل أن يلاحظ ذلك الشاش الطبي المغلف معصمها، وهنا ترددت بأذنه كلمة أخيه:
" مين البنت اللي كانت هتنتحر بسببك دي"
لكنه تجاهل ذلك النداء يؤكد لذاته أنه ليس بالضرورة، يبتسم بسخرية أيصل بها لتلك الدرجة الخلاص من حياتها بسببه، أيعقل!!!
ترك يدها بقوة يرفع إصبعه أمام وجهها بتحذير متتالي لما قاله منذ وصوله:
_ أخر مرة هقولك...تبعدي عني وتنسي انك عرفتيني خالص..خلي عندك كرامة أنا خلاص مبقتش عايز أعرفك.
ثم تابع بذهول مهين:
_ كمية اتصالات ورسايل..ايه معندكيش حاجة تانية تعمليها في حياتك ...ده أنا زهقتلك يا شيخة..لو أنا منك ألم الشوية الباقيين من كرامتي وألم نفسي بقى...ايييييه وصلت بيكي البجاحة تبعتي اللي يشتكيني لأهلي...هو بالعافية يا بنتي ...مشوفتش حد مهزق كدة في حياتي.
ثم تابع بعد أن أحمرت عينيه من فرط عصبيته:
_ لأخر مرة ...أسمع اسمك تاني في حياتي أو المحك بس ... أنا هزعلك زعل وحش قوي ..انتي واللي بتبعتيه... فاهمة...ولا كمان مبتفهميش.

تنظر اليه بعيون غير مصدقة اهانته التي لم تتعرض لها بحياتها إلا على يده، فكل ما رأته من إهانة وعذاب كان بسببه ومن يوم معرفتها به، ألهذه الدرجة كانت رخيصة بنظرة، عديمة الكرامة، هكذا يرى مهاتفتها ورسائلها المتتالية!! فكانت تعتقد أن كل ذلك بمثابة تعبير له أنها غير قادرة على العيش بدونه، التعبير عما بداخلها، يراها "فتاة مهزقة" كما ذكر!!! كانت تعتقد أنها تعبر عن عذابها في غيابه، أبهذا الشكل يراها، لم تتفوه سوى بجملة واحدة تخرج من فيض أعماقها دون صوت تقريبًا:
_ أنا... أنا مبعدتش ح...حد يا علي.
صرخ بها ليتابع تكسير قلبها لقطع مهشمة:
_ كذاااابة ...ايه يا بنت انتي كمية الكذب واللؤم دي.... أنا اتعرفت على مين!!! ...هااا...هي كلمة عشان انتي حرقتي كتير قوي وللي زيك كتير عليها كدة...مشوفش وش أهلك تاني ولا تزني وترني تاني...انسي انك عرفتيني خاالص ... مفهوم...ده مجرد تحذير بعد كدة هندمك بجد.
ثم تركها واستلقى دراجته ورحل، تاركها تبكي بصمت من كم الإهانات التي تجعلها غير قادرة على التنفس وكأن قلبها تهشم بالمعنى الحرفي وتسمع تكسيره الأن.

وبعد لحظات من تثبيت نظرها في أثره، رفعت عينيها بتوهان وعدم قدرة على إدراك مَن حولها، وجدت مَن بالمكان واقفين بسيارتهم مثلها ولكن كل اثنين بعيدين عن من حولهم لكن في حالتها هي فالكل تقريبًا ينظر اليها بشفقة فمن الواضح أنهم استمعوا لذلك الكم من الإهانات والشتائم الموجهة لفتاة رقيقة مثلها، ظلت واقفة وكأنها غير قادرة على الحركة، ثم وبخطوات لم تشعر بها وكأنها إنسان ألي يتحرك ركبت سيارتها وسارت من تلك العيون المصبة تركيزها عليها.

سارت بالسيارة ولم ترى أمامها، وعيونها تفيض بالدموع وكأنها فقدت القدرة على التحكم بها، فأتت اليها سيولة بالدموع، رن هاتفها فنظرت به بوجه ميت، ثم دون دراية منها فتحت الخط تضعه على أذنها فوصلها صوتها المبهج وهي تهتف بمرح:
_ ألو..الحلو عامل ايه ...أظن مش عايزة مكالمتي في حاجة دلوقتي..صح.
صمتت دون رد فتابعت "هنا":
_ قدامي شوية..هخلص وأرواح هوا عشان عايزة أقعد أرغي معاكي رغي قد كدة... لازم أفهمك كدة يا مايا على شوية حاجات يا حبيبتي عشان محدش يلعب بيكي ولا يأذيكي تاني أبدًا..اتفقنا.
وهنا تذكرت كلماته ووصفه لشخصها بتلك الإهانات، أهو يراها هكذا!!!
صرخت فاجأة بالهاتف ببكاء غريب، وكأنها لم تبكي من قبل طوال حياتها، فنهضت "هنا" من مجلسها بقلق تهتف بقلب يضرب بقوة من أجلها:
_ مايا...في ايه مالك...الصريخ ده صريخك انتي..مايا!!!!
لم يصلها سوى الصمت مع بكاء غير معتاد على مسامعها، حتى سمعت صرخة أخرى من نوع أخر يليها صوت اصطدام سيارات قوي للغاية، جعلها تصرخ باسمها، لكن دون رد.

!!!!!!*!!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!!

_ إلا في حالة واحدة بس.
رفع "تميم" رأسه اليه فور نطقه بتلك الجملة، لكنه لم ينطق فهتفت والدتها على الفور:
_ قول يا دكتور... أرجوك.
تنهد الطبيب يخلع نظارته، ثم هتف وكأنه قلق مما يقول:
_ والله اللي هقوله ده يتوقف على الأستاذ تميم...بما ان هو اللي هيبقى الزوج.
وفور سماعه لتلك الكلمة لم يعلم من أين أتت اليه تلك الإبتسامة التي ترتسم تدريجيًا على وجهه، فهمس:
_ حضرتك... حضرتك عايز تقول ايه؟
نظر الطبيب لوالدتها ثم أردف وهو يلبس نظارته مرة اخرى:
_ استأذن حضرتك تسبينا شوية لواحدنا.
نظرت اليهم قليلًا ثم هتفت بلهفة:
_ حاضر يا دكتور... حاضر..بس طمني .. يعني ممكن.
أماء اليها يهتف:
_ باذن الله... وزي ما قولت ده يتوقف على الأستاذ تميم واللي هيسمعه مني دلوقتي.
أماءت بفرحة بالغة هي الأخرى على وجهها لتتركهم بالغرفة وتخرج على الفور، تتوقع بداخلها فيما يحدثه الطبيب.
انتبه "تميم" كل الانتباه اليه، وقال:
_ أنا مع حضرتك...خير.
خلع الطبيب نظارته مرة أخرى لينهض ويجلس أمامه ثم هتف:
_ بدون أي حرج كدة في الأمر أنا عايزك تسمعني كويس قوي.. عشان الكلام ده هيتوقف عليه حياة إنسانة وعشان أكون أنا كمان عملت اللي عليا وأخليت مسؤوليتي بشكل تام.

ثم بدأ في سرد باقي حديثه عليه وأنه اذا تم الزواج فيجب عليه الحرص في متابعة ارشادته خاصتًا في معاملته معها، ظل "تميم" يستمع اليه وهو غير مصدق أنه يحدثه على أنه سوف يكون زوجها وكيفية متابعته لحالتها، فأصبحت ضربات قلبه تتعالى بفرحة وأمل جديد.
ظل الطبيب يحدثه ويملي عليه الإرشادات لأكثر من ربع ساعة ليهتف منتهيًا:
_ والله لو حضرتك جيت على نفسك وقدرت على كل ده والتزمت باللي بقوله فيبقى ألف مبروك... وطبعًا المتابعة معايا وفحوصات القلب الشاملة مفيش فيها أي تهاون خاصتًا في أول الجواز.
تنهد "تميم" بنفس ابتسامته ليهمس براحة لم يشعر بها من يوم أن رأها لأول مرة وتعلق بها قلبه:
_ لو على اللي حضرتك بتقوله ده...فأنا مستعد مقربش منها خالص... كفاية انها تبقى معايا وليا.
ضحك الطبيب ملئ فمه ثم هتف وكأنه يحدث صديق له:
_ بيتهيألك يا حضرة الظابط....اللي بيحب حد بيبقى عايز اللي أكتر من كدة... وعشان كدة أنا بأكد عليك تاني لو حصل أي حاجة تجيبها وتجيبي في أي وقت.

أماء اليه "تميم" بسعادة لم يصدقها أو يستوعب دخولها لقلبه بهذا الشكل، يشعر بالرغبة بالطيران ووقوفه أمام منزلها الأن واخبارها بأنها ستكون له، ستحيا باقي عمرها بقربه، يقسم بداخله الأن على السعادة التي يتوعد بايذاقها إياها، سيعوضها عن كل ما مرت به من ألم ووجع منذ صغرها، ويعوض نفسه بجانبها كل لحظة عذاب ذاقها في بعدها واستحالة نيلها.
دخلت والدتها غرفة الطبيب لتهتف بقلق:
_ ايه يا دكتور...ايه التأخير ده كله ...قلقتوني!
نهض الطبيب يجلس على كرسيه ثم أشار اليها بالدخول يهتف:
_ احنا تقريبًا خلصنا...بس في حاجة اعتقد انكم عرفينها.
ثم تابع بعد أن جلس:
_ طبعًا حضراتكم عارفين ان الحمل والخلفة شئ أشبه بالانتحار بالنسبة لها...أوكي.
هتفت والدتها على الفور:
_ طبعًا يا دكتور... عارفين.
ثم نظرت إلى "تميم" الذي جمع حاجبيه وكأنه تفاجأ بالأمر، فكان كل ما يركز انتباهه عليه هو أمر زواجهم، كان يتجاهل التفكير بذلك الأمر إلى أن استمعه صراحتًا الأن.

خرجوا من عند الطبيب لاحظت هي صمته وشروده منذ سماعه لذلك الأمر الطبي، "الحمل والخلفة يعتبر انتحار" .
فتوقفت أمام سيارتها تهتف:
_ تميم.
نظر اليها، فهتفت هي:
_ يا أبني انت المفروض تكون عارف حاجة زي دي...ده شئ بديهي... معقولة مي هتقدر على حاجة زي دي...ده مستحيل زي ما الدكتور قال.
رفع يده يفرك وجهه بضيق، فيعتبر ذلك الأمر طعن فرحته التي كان ينبض قلبه بها، ظلت ناظرة لحالته وصمته بخيبة أمل، وكأن لم يكن من الأمر ضرورة من الأساس، فهتفت قبل أن تفتح سيارتها وتغادر:
_ شوف يا أبني ... أنا مكنتش أحلم ان الدكتور يقول اللي قاله ده.... وبالنسبة لموضوع الخلفة فمحدش يقدر يجبرك على حاجة والقرار قرارك....خد وقتك في التفكير..يوم يومين عشرة وأنا هستنى تليفونك سواء بالقبول بالأمر... أو..
 صمتت تبتلع لعابها بضيق وتابعت:
_ يا إما نصرف نظر عن الموضوع كله.
وتركته واقف بمنتصف الشارع واستلقت سيارتها وغادرت.
!!!!!*!!!!!!*!!!!!*!!!!!!
دخل "تميم" منزله وجد والدته بغرفته؛ تضع بعض الملابس الخاصة به في حقيبة متوسطة الحجم، فهتف وهو واقف أمام باب الغرفة:
_ مساء الخير يا أمي.
التفتت واضعة يدها على صدرها بتفاجأ.
_ تميم!!!
ثم اقتربت تنظر لهيئته وهتفت:
_ ايه اللي خرجك من المستشفى يا حبيبي..ده أنا..ده أنا كنت لسه جايالك.
دخل ",تميم" يلقي بذاته على الفراش لتجلس هي بجانبه تتلمسه بيدها بقلق وتهتف:
_ مالك يا حبيبي...تعبان صح..ولما انت لسه تعبان ايه خرجك بس ...ده أنا سائلة الدكتور امبارح وقال لسه قدامك شوية.
ربت على يدها بتنهيدة عميقة أقلقتها أكثر ليتابع صمته لحظات ثم نظر اليها وهتف:
_ ماما...
انتبهت اليه خاصتًا لصمته وكأنه متردد بشئ ليتابع:
_ أنا.. أنا هتجوز.
تهلل وجهها بفرحة عارمة، لتهتف بدون تصديق:
_ أحلف... لأ مانت لازم تحلف عشان أصدقك مأنا عارفاك ..ده أنا غُلبت معاك عشان تخطب شيماء بنت خالتك ... أخيرًا هتفرح قلبي..
قاطعها "تميم" بنفاذ صبر:
_ يا امي أنا مش هتجوز شيماء بنت خالتي ... أنا.. أنا عايز اتجوز واحدة تانية.
صمتت قليلًا بضيق ثم هتفت بوجه عابس:
_ وماله ...مبروك.
مال برأسه على صدره بتنهيدة شعرت بها، فأحست بأنها السبب في كسر فرحته لتعود وتقول وهي تربت بيدها على صدره بفرحة حاولت اظهارها:
_ وماله يا حبيبي..مش انت هتكون مبسوط .. أنا.. أنا كمان هبقى مبسوطة قوي .. المهم عندي تتجوز وتملالي البيت ده عيال ...ده يوم المنى.
ظل ناظر اليها بعد كلماتها تلك، لتعود اليه حيرته مصاحبة لضيقه مرة أخرى، حينًا يشعر بأنه طامع أكثر من الازم؛ فكان يتمنى الزواج منها فقط ولم يفكر في شئ أخر وعندما ضمن الأمر صار يفكر في المزيد، لكنه يعود ويفكر في الأمر ككل، ووالدته وحقها هي الأخرى.
مال "تميم" برأسه على ساقها لترفع يدها على رأسه وتحدثه بحنان لكنه كل ما يدور برأسه كلمات والدتها:
" أنا مكنتش أحلم ان الدكتور يقول اللي قاله ده.... وبالنسبة لموضوع الخلفة  فمحدش يقدر يجبرك على حاجة والقرار قرارك....خد وقتك في التفكير..يوم يومين عشرة وأنا هستنى تليفونك سواء بالقبول بالأمر... أو نصرف نظر عن الموضوع كله".
نهض سريعًا حتى قطعهت والدته حديثها الذي لم يستمع منه شئ وقال وهو ينهض:
_ أنا... أنا خارج يا ماما.. دقايق وراجع.
نهضت هي الأخرى تنظر في أثره، تشعر بالقلق عليه من تبدل حاله، وحيرته.
!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!!
وقفت "مي" أمام غرفة والدتها بتردد، فمنذ أن أتت من الخارج وهي بالغرفة غالقة بابها عليها، وعندما دخلت تسألها صرخت بوجهها بضيق بأن تخرج وتتركها وحدها؛ فبعد ردت فعل "تميم" أصبح حديث الطبيب وذهابها اليه لم يكن منه أي فائدة، وبالطبع لم يرضى أحد بما رفضه "تميم" بذلك العشق الذي يكنه لأبنتها، تعلم أنه لا يوجد فائدة، لله الأمر من قبل ومن بعد.

ومن حينها وتشعر "مي" بالقلق عليها تريد الدخول اليها مرة أخرى وسؤالها عما بدل حالتها لهذا الضيق المفاجئ، ماذا حدث بمشوارها المجهول لتعود بتلك الحالة، ظلت واقفة أمام باب الغرفة إلى أن استمعت صوت جرس المنزل بإصرار عجيب، فانتشلت طرحتها من على طرف الأريكة تضعها بأحكام على رأسها وتفتح.
وعندما فتحت وجدته بوجهها واقف وذراعه معلق بعنقه، لكنه مازال بنفس هيئته الجميلة.
رفع "تميم" رأسه وجدها هي واقفة وقد ابتسمت فور رؤيته، ليعلق نظره بابتسامتها تلك.
_ تميم... حمدالله على سلامتك.
ثم هبطت بعينيها لذراعه لتهتف بقلق:
_ انت لسه تعبان!!
ظل ناظر اليها بصمت، فمن يراه يعلم أنه بالتأكيد مازال يعيد تفكير بالأمر، لكنه بداخله يتسأل، كيف له بعد أن أمتلك الأمر بقربها أن يرفض تحت أي سبب، اندهشت "مي" من صمته وشعرت بالحرج من تحديقه بها فهتفت وهي تفسح الطريق:
_ اتفضل...ماما صاحية جوا.
دخل بالفعل، وعينيه بعمق عينيها، ثم هتف أمام وجهها:
_ بحبك.
رمشت بعينيها مع ارتجافة يدها التي تفركهم ببعضهم بحرج، لتتركه بعد وهلة قاصدة غرفة والدتها، ليتالعها بعينيه إلى أن أختفت عن عينيه، فتنهد هو يذهب للأريكة ويجلس بانتظار والدتها التي أتت بعد أقل من دقيقة وهي تضع حجاب مهمل بشكل سريع على رأسها ثم تقدمت تهتف بترحاب:
_ أهلًا ..يا أهلًا...يا تميم يا حبيبي.
ثم جلست أمامه لتسأل بقلق:
_ خير يا رب.

!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!!
 يقف أمام المرآة يضبط من حال ملابسه وخصلاته الامعة، ثم أمسك بالهاتف ليرى تلك الرسالة ليتأفف بضيق:
" صاحبتي شافتك من يومين واقف مع واحدة يا كداب يا خاين"
على الفور ومن خلال خبرة كبيرة بالأمر أرسل إليها:
" دي بنت لازقة علطول تجري ورايا وتطاردني حتى بصي"
أرسل اليها ملتقطاتمن تطبيق الرسائل، يكون محتواها كالمعتاد الرجاء بالعودة من طرف الفتاة، والرسائل المتتالية دون أي رد منه، فأرسلت اليه بعد لحظة من تفحص ما أرسل:
_ يا حرام ... اسمها مايا ..بس انت عندك حق..مش بالعافية فعلًا.
يتذكر نفس الجملة التي ردت بها "مايا" سابقًا عندما أرسل اليها صور لرسائل غيرها، فأبتسم يمرر اصبعه على أنفه بانتصار، يشعر بالانتشاء والبراعة بذلك التلاعب الخطير الذكي، ثم ابتسم عندما وصله رنين هاتفها ليرد على الفور:
_ صدقتيني بقى وعرفتي اني مظلوم.
استمع قليلاً ليتابع:
_ خلاص هستناكي في المكان بتاعنا واللي مبروحوش إلا وانتي معايا يا روحي.
ثم أغلق معها ليلتقط مفاتيحه ويخرج مصدرًا صفيرًا من فمه بحالة من راحة البال والاسترخاء العالية.
حتى مر كالمعتاد من أمام منزلها، الذي يكمن بطريقه، نظر نظرة خاطفة اتجاه الفيلا وهو مُسرع بدراجته، لكنه التفت مرة أخرى يقطب حاجبيه باندهاش؛ ليتوقف ثم يعود بخطواته ينظر من بعيد بتمعن أكثر، وهنا رأى عدد كبير من السيارات داخل وخارج البوابة عدد اكثر مما رأه من قبل وأشخاص عديدة ذو هيئة ثرية للغاية يدخلون يخرجون، فأندهش، لكن ذلك الاندهاش تحول لعيون واسعة عندما رأى كل سيدة تدخل أو تخرج مرتديه زي كامل أسود اللون، فنزل يقترب بقدميه ليسأل حارس البوابة المنشغل بالسيارات التي تدخل أو تخرج.
_ هو فيه ايه يا عم علي!!
نظر اليه الحارس ثم اقترب يهتف بحزن وعيون حمراء وكأنه كان يبكي بالسر منذ قليل:
_ علي بيه!!
ثم هتف وهو يحاول أن يتمالك دمعاته التي تسبق حديثه:
_ ده..ده عزا الست الصغيرة...مايا هانم...بنتي وبنت كل اللي في الڤيلا هنا.
فتح فمه على أخره مع عيون جاحظة وشهقة لم يشعر بها ولم تخرج منه من قبل ليتابع الحارس وهو يجفف دمعاته بشاله حول عنقه:
_ الأكادة انها مخرجتش من البيت أديلها شهور ويوم ما تخرج تعمل حادثة ويجيلنا خبرها!!!
ابتلع "علي" ريقه ليسأل دون استيعاب:
_ خبر مين!!! بتتكلم عن مين!!!!

٣٦٥ يوم أمان
رانيا أبو خديجة
رأيكوااا وتوقعاتكوااا... قراءة ممتعة 💔
تعليقات
12 تعليقًا
إرسال تعليق
  1. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

    ردحذف
  2. جميله جدااا

    ردحذف
  3. انا حاسة إن هنا مش هتسكت وهتحاول انها تجيب حقها وبعد كده علي وهنا يحبوا بعض

    ردحذف
  4. ليه النكد ده بس ؟😭

    ردحذف
  5. وجعتي قلبي اوووى

    ردحذف
  6. ماتت
    لا حول ولا قوة إلا بالله

    ردحذف
  7. منك لله ياعلي 😭

    ردحذف
  8. ليه وجع القلب ده يا رانيا

    ردحذف
  9. الرواية قيد الكتابة ؟

    ردحذف
  10. فين باقي الفصول

    ردحذف
  11. هو افصل بينزل الساعة كام

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة