رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل الخامس والعشرون بقلم رانيا أبو خديجة
رواية 365 يوم أمان بقلم رانيا أبو خديجة
رواية ٣٦٥ يوم أمان
الفصل الخامس والعشرون
٣٦٥ يوم أمان
رانيا أبو خديجة
سمعت "مي" جرس المنزل فأنتبهت والدتها لتنظر للباب الذي فُتح، وجدت فتاة جميلة محجبه بزي بسيط لكنه أنيق ومحتشم، تهتف:
_ سلام عليكم...منزل الرائد علي؟
نهضت والدتها تقف بجانبها فهتفت "مي":
_ أيوا هو ....مين حضرتك؟
اعتدلت في وقفتها تنظر بقوة ثم هتفت:
_ أنا هَنا...ممكن أقابل والده أو والدته من فضلك.
التفتوا جميعًا على صوت "حسام" يأتي من الداخل:
_ مين يا ماما...علي جه؟
نظرت والدته اليه بصمت، وجدته يخرج من الغرفة بعجالة وهو يعدل من ياقة قميصه، وقد أبدل ملابسه للملابس التي أتى بها، وزعت نظرها بين تلك الفتاة الغريبة وابنها بقلق، أقترب "حسام" عندما طال صمتها ونظر للواقفة أمام الباب فهتفت "مي" ترحم حيرته ونظراته اليهم:
_ دي..دي عايزة علي يا حسام.
قاطعتها "هنا" على الفور:
_ لأ...مش عايزة أقابله.
قالتها باشمئزاز ونبرة قوية جعلهم ينظرون اليها بعيون واسعة وحاجبان مرتفعان، فأقترب "حسام" ينظر إليها قليلًا، من هيئتها وقوة نظرتها تبدو فتاة يسود وجهها الاحترام والأدب، فأقترب بتسائل:
_ أيوا ... حضرتك عايزة مين مش فاهم.
عدلت من وضع حقيبتها بيدها تجيب:
_ عايزة أقابل والد حضرة الظابط علي أو والدته.
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر لوالدته الواقفة تنظر إليها من أعلى لأسفل بقلق، فأفسح اليها "حسام" الطريق:
_ طيب...طيب اتفضلي أدخلي.
دخلت "هنا" تجلس حيث أشار اليها بالجلوس، وفور جلوسها تقابلت عينيها بصورته المعلقة على الحائط بجوار صورة الشخص الواقف أمامها وبعض الصور الأخرى التي لم تهتم بواحدة منهم، فثبتت نظرها على صورته التي تعلم ملامحه جيدًا عندما يأتي وينتظر أمام الڤيلا مرات عديدة، مالت شفتيها بحنق واشمئزاز عندما تمعنت النظر في ضحته الخبيثة وعينيه التي ينبعث منها شقاوة وحب للحياة غير عادي.
_ أنا أخوه الكبير...خير... أخويا علي ضايق حضرتك في حاجة.
نظرت اليهم "هنا" قليلًا فهتفت والدتهم:
_ علي والده متوفي... وحسام يعتبر المسؤول عن البيت ... خير يا بنتي؟
خجلت "هنا" من الحديث التي تأتي من أجل التفوه اليه لتلك العائلة التي تبدو في غاية الاحترام والأدب عكس ما توقعت تمامًا ففركت يديها ببعضهم تهتف:
_ الحقيقة أنا... أنا لما أضطريت أسأل عشان أوصل لعنوانه ...وصلي كل خير عنكم وانكم عيلة محترمة وأكيد مش هيعجبكم اللي ابنكم المحترم بيعمله مع بنات الناس.
توسعت عيني "حسام" فيبدو أنها تأتي بشكوى غير حميدة بالمرة، فتنحنح ينظر لوالدته وأخته ليهتف:
_ طيب...بعد اذنك يا أمي...ممكن تاخدي مي وتستنيني جوا.
نعم يتوقع الأسوء بعد تلك المقدمة، والى أن يتأكد مما تتفوه به تلك الفتاة على أخيه، لا يريد أن والدته وأخته يستمعوا لأي شئ يسئ اليه أمامهم.
نظرت اليه والدته باعتراض لكنها قبل أن تتحدث سمعتها تقول:
_ معلش أعذرني... أنا محتاجة والدته تسمع اللي هقوله.
نظر إليها "حسام" نظرة غضب حتى استمع لوالدته تهتف بنبرة قوية هي الأخرى:
_ مي... أدخلي أعملي حاجة للأنسة تشربها.
أماءت "مي" بقلق ثم هتفت وهي تنهض؛ تعلم انهم لا يريدوها سماع الأتي:
_ حاضر يا ماما.
ونهضت، فأعتدل "حسام" ينظر اليها بجدية يتخللها الضيق ليهتف:
_ خير يا أنسة...ياريت بس سريعًا لأني مستعجل وعندي شغل.
نظرت اليهم "هنا" ثم تنهدت لتهتف بكل ما تحمله من غضب من ذلك الشخص التي لم تعلم عنه سوى، كل شئ مخجل وسيء.
!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!!
جالسين حوله على الفراش، شبه ممددين والغطاء عليهم الثلاثة، انتظر "تميم" انهاء ما تفعله فتاة التمريض من إعطائه دوائه الليلي وخروجها من الغرفة، ليعودوا الاثنين لتمديدهم واسترخائهم في الجلوس وكأنهم بمنزل أحدهم، ثم تفوه بجدية وصدق:
_ نرجع لموضوعنا...كنت عايز أقولك ان اقسم بالله يا واد علي ما فيه أحلى في الدنيا ما انك تقابل ست البنات اللي انت تعرفهم كلهم، وتبقى متأكد انها غيرهم كلهم، تخطف قلبك من مجرد رؤيتها، وأما تيجي تتخيلها زوجتك وأم لولادك تبقى عايز تسأل نفسك بذهول، يعني معقولة يارب الجمال ده كله هيبقى ليا... يعني كل الهيئة دي هتبقى أم لولادي أنا، تبقى واثق ومتأكد انها غيرهم مش منهم.
ابتسم "بدير" ليربت على ساقه يعلم ما يكنه اليها بداخله؛ فهو مر بتلك الحالات من قبل، لكن الأخر مد يده يجلب ثمرة فاكهة من الطبق الموضوع على الطاولة أمامهم، ليأخذ منه قطمة بأسنانه ثم هتف:
_ شوف يا تميم...مهما تقول برضو مش هقتنع ان الجواز ده فكرة تستحق التفكير أصلًا، يا أبني ده هبل، وربنا فكرة فاشلة ومش متخيلها أساسًا، يعني أبقى مع واحدة بس مكتفاني طول عمري بورقة ومينفعش أبص يمين او شمال عشان حضرتها معايا، ياعم روح أجري بست الحسن بتاعتك اللي فلقتنا بيها من الصبح دي.
ثم تابع بضحكة خافتة:
_ بس أقولك على حاجة... البت اللي شاغلة بالك دي شكلها جامدة جمودية أجمد من أي واحدة شوفتها معاك قبل كدة عشان تقول فيها الشعر ده كله...شوقتني أشوفها واتعرف عل....اااااه.
وجد علبة الدواء تقابل وجهه بقسوة ثم هتف "تميم" بغيظ:
_ اتكلم بس عليها كدة تاني... وربنا أكون فاتحلك دماغك المرة الجاية يا مختل انت.
هتف وهو واضع يده على جبهته بألم، ومازال يلوك الطعام بفمه:
_ بقى كدة...بتضربني بقزازة الدوا في وشي عشان واحدة يا زفت انت...طب والله لما أشوفها لأقولها على تاريخك المهبب وساعتها أما سابتك ووقعت في غرامي أنا مبقاش علي.
ضحك "بدير" بقوة، لينفجر "تميم" في الضحك هو الأخر، لكنه انتبه على ضحكات "بدير" لينظر اليه نظرة اخرسته، فهتف الأخر بعدم فهم شئ مما يجرى:
_ بتضحك على ايه يلا انت وهو...وكأنكوا متعرفونيش وشاكين اني أكون قدها...طب والله لوريكوا دي تلاقيها بت مفعوصة ..من البنات الواقعة وواكلة دماغك عالفاضي... عشان تقرفنا بالكلام عالجواز كل ده.
كاد "تميم" يمد يده ليلكمه بعينيه الاخرى، لكن تدخل "بدير" الذي يكتم ضحكاته ليوقفه ويهتف:
_ خليك فاكر يا علي انك هتندم على كل كلمة قولتها في حق البنت دي وهتقول بدير قال.
وكزه "تميم" بصدره يهتف بعصبية:
_ متقولش بت انت كمان...احترم نفسك انت وهو...دي ستك وسته.
نظر "بدير" بغيظ ثم هتف وهو ينظر اليه بطرف عينه بعند:
_ خلاص اتفضل قولنا على اسمها عشان نعرف هنقول على الأستاذة ايه... اتفضل..ما تتفضل سكت ليه.
نظر اليه "تميم" وهلة بتفكير ثم نظر إلى "علي" الذي يأكل من الثمرة دون أدنى اهتمام، وابتلع ريقه ليهتف بعدما حسم أمره أنه يجب عليه التمهيد لأحد أخويها على الأقل، على أن يكون "علي" فيعلم أن المهمة الأصعب ستكون أخيها الأكبر "حسام" الذي يعلم رفضه التام لفكرة جوازها، فهمس:
_ أيوا هقول...هقول اسمها.
نظر "علي" إلى نظرتهم اليه باندهاش ثم قطم باقي الثمرة بأسنانه ليهتف بعدم اهتمام ولا مبالاة:
_ وانت بتبصلي كدة ليه...ماتقول يا عم وأنا حوشتك...هي يعني كانت بنت خالتي.
هتف "تميم" على الفور:
_ لأ هي مش بنت خالتك...هي تبقى...
صمت بتردد وقلق من رد فعله هو الأخر، يريد أن يكون أحد منهم معه ويشعر بما يكنه إليها بداخله، لكن على صوت هاتف "علي" بالمكان فأشار اليهم بالصمت لينظر "تميم" إلى "بدير" يزفر بضيق وكأن الكلمات تقف على صدره يريد اخراجها لأحدهم ليرتاح.
_ في ايه يا حسام....طب براحة يا أبني أفهم بس.
استمع لينهض بقلق ثم هتف:
_ طيب طيب..حاضر دقايق وهكون عندك.
ثم أغلق الخط، ليسأل "بدير" بقلق:
_ في ايه... حسام ماله؟
أجاب وهو ينظر بالهاتف بعدم فهم:
_ وأنا عارف يا عم ..متصل يزعق وخلاص.. أما أروح أشوف فيه ايه.
ثم اقترب يصافحهم وخاصتًا "تميم" يوصيه على صحته لأنه سيغادر هو الأخر صباح اليوم القادم، وتركهم ورحل.
!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!!!
اعتدلت في الفراش بألم جرح يدها، تفتح عينيها تنظر حولها، لم تجد سوى كلبها الصغير النائم بجانبها فصاحت بالنداء على والدة "هنا" المقيمة معها بالمنزل، ابتسمت لأول مرة منذ فترة طويلة على كلبها الذي استيقظ على الفور فور سماعه ندائها وصعوده اليها فمررت يدها عليه تهمس بألم تشعر بمرارته بحلقها:
_ ربنا يخليك ليا...انت الوحيد اللي معايا ومش بتفارقني مهما حصل....مش عارفة لو جرالك حاجة أنا ممكن أعمل ايه.
ثم نظرت أمامها بشرود تهتف:
_ ياريتني كنت فضلت العب معاك وبس... بعيد عن البشر اللي كان ليا نصيب أعرف سواد قلبهم ووحاشتهم بالشكل ده...بس معلش يا مايا هي دي الدنيا اللي كان لازم تعرفي عنها عشان انتي عايشة فيها.
سمعت خطوات سريعة تتقدم من غرفتها:
_ ايه يا نور عيني... صحيتي...اجبلك تاكلي بقى عشان تاخدي دواكي واغيرلك بالمرة عالجرح.
اعتدلت"مايا" لتهتف وهي تنظر خلفها عند الباب هنا وهناك:
_ هي...هي هنا مش معاكي...هي مشيت تاني...معقولة لسه زعلانة مني!!
اقتربت تجلس بجانبها وهتفت:
_ زعلانة منك ده ايه ...هي بقت تسيب الڤيلا خالص عشانك..دي علطول تقولي أنا ندمانة يا ماما وحاسة بالذنب عشان سبت مايا كل ده لوحدها وهي متعرفش حد غيري تلجائله في كل ده.
_ أومال راحت فين؟
_ والله يا بنتي ما أعرف... يمكن عدت تجيب حاجة من الشقة لانها قالت هتقعد معانا اليومين دول لحد ما تبقي كويسة.
اراحت رأسها على مسند الفراش، لتقترب منها وتقول بحماس:
_ شكلك صاحية جعانة...هروح بقى اجيبلك تاكلي دانا عملالك شوية شربة انما ايه...هيروموا عضمك ويوقفوكي على رجلك زي الحصان.
أماءت اليها "مايا" بابتسامة تشعر أنها تستعيد صحتها، ليست فقط الجسدية وانما النفسية أيضًا وذلك بفضل الله ثم قربهم منها وعودة "هنا" صديقتها اليها مرة أخرى.
!!!!!*!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!
_ يا أمي براحة بس ...هدي صوتك عشان أفهم منك...مين دي اللي جات هنا وازي تقول الكلام ده عني أنا.
صرخت به بعصبية بالغة حتى أحمر وجهها بخطر:
_ تفهم!!! تفهم ايه يا حضرة الظابط يا متربي يا محتررررم...بتلعب ببنات الناااس....دي تربيتي ليك يا علي ...ده تعب أخوك عليك.... يا خيبة أملي فيك.... أنا.. أنا على أخر الزمن تجيلي بنات الناس تقولي لمي ابنك اللي مش متربي .. أنا...الله يرحمه أبوك..ده لو كان عايش كان ولع فيك حي.
نظر " علي" إليها بصمت يحاول أن يراجع ذاكرته، مَن من اللواتي عرفهم تتجرأ وتأتي لهنا للشكوى بتلك الجرأة!!!
_ تحطني أنا وأخوك في الموقف ده!! كنت حاسه اني هقع من طولي وأنا بسمع قذارتك وعمايلك السودة في بنات الناااس.
_ طب ممكن حضرتك تهدي عشان افهم مين دي اللي اتجرأت تيجي هنا و...
_ ماشاء الله ياترى بقى لحقت نسيت مايا البنت المسكينة اللي حضرتك بتلعب بيها كرة ولا ياعيني من كترهم مش فاكر ولا عارف مين اذيته بالشكل ده عشان ييجي يشتكيك هنا!!
ازدادت ملامحه غضب يهمس باسمها بغل، حتى تابعت والدته بنفس غضبها:
_ وبعدين هو ده اللي همك ...لكن ابني أنا يتقال عليه كدة عاادي .....تحطني أنا واخوك في الموقف الزفت ده عادي!!!
_ يووووو... قولت لحضرتك اهدي خليني افهمممم!!!
سمع لصرخة اخرسته تأتي من خلفه:
_ ولاااااا !!!!
دار برأسه ينظر إلى "حسام" الآتي من الداخل، فقد كان منشغل بالرد على "رقية" واتصالها المفاجئ، ليخرج من الغرفة على صوت والدته وعصبيتها النابعة من غضبها، يتجه اليه بغضب يقف بينه وبين والدته، يقترب منه بوجهه ليتابع صريخه بوجهه بغضب أشد:
_ انت بتعلي صوتك على أمك...اتجننت خلاص!!!!
احنى رأسه يهتف بخفوت:
_ حسام!! انت لسه هنا!
ثم تابع وهو يعود ينظر لوالدته:
_ أنا أسف...مقصدتش أعلي صوتي على حضرتك...لكن برضو ...
قاطعه أخيه يسحبه من ذراعه يديره اليه ليتابع:
_ مين البنت اللي كانت هتنتحر بسببك دي...مين اللي كان هيوصل بيها عمايلك لكدة...مييين وعملت فيها ايه لكل ده؟!!!
جمع حاجبيه باندهاش ليهتف بعدم تصديق:
_ هي قالتلكوا ان هي انتحرت بسببي...وصدقتوها بقى...بيخيل عليكم الهبل ده.
_ اتكلم بأدب يلا.
ثم تابع بعدم تصديق:
_ أنا مش قادر أصدق ولا استوعب... عارف يعني ايه يا متخلف واحدة تنهي حياتها بسببك.. يعني ذنبها كان هيبقى في رقبتك...بتلعب ببنات الناااس يا علي...ناسي انك عندك أخت متتحملش حد يقربلها حتى مش بس يعمل عمايلك دي.
_ محدش يقدر يقرب من مي...اللي يقرب من أختي أنا أقتله.
ردت والدته بغضب وضيق مما تسمعه:
_ اللي مترضهوش على أختك مترضعوش على بنات الناس يا حضرة الظابط يا محترم.
وقف أمامه "حسام" يرفع إصبعه أمامه بتحذير:
_ قسمًا بالله يا علي...أسمع بس عنك حاجة تانية من الحقارة وقلة الأدب دي...هتلاقيني على دماغك من الصبح جايبك من قفاك ومربيك من أول وجديد.
_ أنا مش صغير يا حسااام عشان تكلمني كدة!!
_ الكبير كبير بأفعاله يلاااا.... تتفضل زي الجزمة تصلح مع البنت دي اللي عملته... أيًا كان هو ايه... احنا ملناش في الأذية وخليك فاكر ان كله بيترد...وخاف على أختك وأمك اللي احنا سايبنهم لوحدهم هنا في رعاية ربنا اللي عمايلك دي مترضيهوش.
هتفت والدته بغضب يكاد يفقد عقلها منذ أن سردت عليهم "هنا" ما فعله بصديقتها، الفتاة المسكينة التي استغل ابنها الحقير وحدتها كما أوضحت لهم:
_ ياريتني كنت خلفت كلب ...مكنش هيبقى مؤذي زيك كدة ولا يسئ للبيت ده زي ما عملت.
ثم صرخت به:
_ انت جنسك اييييه...ها جنسك ايييه عشان أعيش وأسمع القرف ده بسببك!!
دار "حسام" ينظر اليها بقلق من تقطع صوتها العالي، بخوف عليها، حتى استمع لرد أخيه الغاضب هو الآخر:
_ قولتلك متزعقيش طرشتينيييي.
التفت اليه "حسام" بعيون واسعة ثم رفع كفه بقوة لينزل على وجنته بضربة صرخت والدته من صوتها الذي رج صمت البيت:
_ علي!!!!!
ثم اقتربت تبعد "حسام" الذي يريد أن يكمل ما بدأه من تربيتة من جديد:
_ لا يا حسام... وغلاوتي عندك يا أبني.
ظل ناظر اليه بعيون واسعة ووجه غاضب يكاد ينفر منه الدم من رفعه صوته على والدته بهذا الشكل، وجسده على هيئة استعداد للهجوم عليه مرة أخرى، لولا والدتهم الواقفة بينهم تحتجز جسده بعيدًا عنه، ثم رفع اصبعه في وجهه بقوة ونبرة تحذيرية:
_ أخر مرة أسمعك بتكلمها بالشكل ده تاني...فاااهم.
أزاح يده من على وجنته الحمراء كالدم وأصابع أخيه مخطة عليها، ثم اقترب من باب المنزل ليفتحه ويغادر على الفور غالقًا الباب خلفه بقوة، دون كلمة او حتى يرفع عينه بنظرة أخرى اليهم.
صمت "حسام" عدة لحظات يتنفس بضيق ثم التفت ينظر لوالدته ليقترب منها يقبل يدها ويهتف:
_ مش عايزك تزعلي من الواد ده... معلش صغير وطايش مش مدرك اللي بيعمله.
ربتت والدته على رأسه تهتف بحزن تحاول أن تتلاشاه مما حدث:
_ معقولة يا حسام..هتسافروا وانتوا زعلانين من بعض..ماتخليك يا حبيبي للصبح...ايه اللي يمشيك بالليل متأخر كدة.
صمت لحظة يتنهد بهم ثم قال:
_ معلش يا أمي غصب عني والله... مينفعش أبات برة البيت و...
_ بيت مين يا أبني...بيتك أهو!؟
_ قصدي يعني بعيد عن الشغل.
ثم أردف وهو يتجه لغرفة شقيقته:
_ هدخل أشوف مي قبل ما أمشي.
دخل غرفتها وجدها نائمة لتأخر الوقت وتأثير دوائها، اقترب يقبلها ويحكم الغطاء عليها جيدًا ثم وقف ينظر لبراءة وجهها وملامحها في نومها ليغمض عينيه بإحساس من الأسى دائمًا يلازمه من أجلها، فخرج يقترب يسألها:
_ صحيح يا أمي... عملتي ايه في العريس ده اللي كان متقدم لمي؟
تنهدت والدتها تهتف بحزن ونبرة لوم:
_ هعمل ايه يعني...ده كان زميلها فى الكلية وقولتله اللي قولتهولي.
وضع هاتفه الصغير بجيب بنطاله استعدادًا للرحيل ثم هتف:
_ أحسن....كدة أحسن.... أنا كدة مطمن عليها وهي وسطنا.
ثم تابع:
_ احسن ما حد ياخدها يا أمي يبهدلها وميقدرش تعبها.
اقتربت منه والدته تهتف:
_ افهم من كلامك انها ممكن تتجوز عادي وحالتها تسمح بس انت اللي خايف عليها؟
صمت "حسام" قليلًا ثم هتف:
_ يا أمي مي مش أختي ...دي حتة مني وأنا عارف ان حالتها متتحملش جواز ومرمطة... ومحدش هياخد باله منها ومن حالتها قدنا...فمن فضلك بلاش تتكلمي كتير في الموضوع ده...مش عايز مي تفكر فيه أكتر من الازم هي كمان.
ثم اقترب من الباب ليهتف قبل أن يرحل:
_ متخافيش عالواد علي... أنا عارف انه هيصلح اللي عمله...مش عايزك تقلقي أبدًا.
أماءت اليه والدته تحاول أن تتمالك أعصابها من بعد ما حدث بينهم أمامها.
!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!!
مال "حسام" للخلف يريح رأسه بمسند كرسي سيارة المكروباص يغمض عينيه بتعب مما حدث، "علي" وماعلمه عنه وقلقه عليه وبشأنه، و"مي" وهمه الذي دائما يشغل باله من التفكير بأمرها، حتى والدته ونظرة الحزن التي رأها بعينيها قبل مغادرته تشغله وتعكر صفو ذهنه، ومن بين تلك الدوامة مر ذهنه على ذلك الاتصال الذي أتى وكأنه ينتشله من عمق ما مر به، ارتسمت ابتسامة على وجهه عندما تذكر مهاتفتها، توسعت عينيه فور رؤيته اسمها المدون على شاشة الهاتف، فدخل غرفته يبتعد ليرد عليها بقلق من أن يكون أصابهم مكروه:
_ رقية....في ايه ..ايه اللي حصل؟
صمتت قليلًا ثم ردت بصوت هادئ خجول:
_ لأ متخافش محصلش حاجة الحمد لله... أنا... أنا بس بطمن هترجع؟
ثم صمتت وكأن سؤالها انتهى وبالفعل تهتاتفه لتطمن أنه سيعود اليهم ولن يتخلى عنهم ويختفي كما يصور لها هاجسها على الدوام، لكنها تابعت بعد وهلة:
_ قصدي يعني هترجع النهاردة.. أص...أصلك اتأخرت.
ابتسم حينها بحنان ثم وضع يده بجيب بنطاله ليهتف من بين ابتسامته:
_ ايه... خايفة عليا...ولا مني؟
لم يسمع سوى الصمت فازدادت ابتسامته حتى استمع صوتها الغاضب:
_ خليك فاكر ان انت اللي بتجر شكلي أهو وبتعصبني.
ضحك بخفوت ليهتف من بين ضحكاته فيثير غضبها أكثر:
_ أنا بسأل سؤال برئ والله... عايز أعرف خايفة عليا زي مأنا بخاف عليكوا ولا لسه مش واثقة فيا وبتقلقي مني.
صمتت وهلة ثم أجابت بهمس طفيف وكأنها غير صادقة أو متردد فيما تقول:
_ أكيد خايفة عليك طبعًا..مش ..مش أخويا الكبير.
أُغلقت ابتسامته تدريجيًا فور انتهائها من أخر جملتها، ليهز رأسه أكثر من مرة وكأنه يؤكد لنفسه قبلها وهتف:
_ أيوا صح...أخوكي الكبير.
ثم تابع وهو ينظر لقدمه التي تركل شئ وهمي أمامه بحزن:
_ صحيح أحلام وأميرة وزياد.. عاملين ايه..خلي بالك منهم على ما أرجع.
وأثناء استماع ردها الهادئ كان يستمع لضوضاء بالخارج من خلال صوت والدته وأخيه، فأضطر لإغلاق الخط معها على الفور والخروج لهم.
ترجل "حسام" من السيارة يسير عدة خطوات بتلك الشوارع الضيقة المؤدية للمنزل، حتى وقف أمام الباب فوصل لمسامعه ما جعله يقف يغمض عينيه بابتسامة.
_ يا أميرة وطي صوت الزفت ده مش عارفة أذاكر.
وصله صوت الصغيرة وهي تقفز وتلعب مع أخيها:
_ عجبك عجبك...مش عجبك خشي ذاكري جوا.
سمع لصوت ضحكات "رقية" التي جعلت ابتسامته تتوقف ويدق قلبه بقوة بدلاً منها مع صوتها المتتالي لضحكتها الرنانة:
_ طب تعالي يا أم لسان طويل انتي ...خدي أخوكي يلا وادخلي ناموا ...الكتاكيت نامت وانتوا لسه.
اقتربت "أحلام" منها تهتف:
_ وانتي يا رقية..مش هتنامي ..ده انتي عنيكي بتقفل من الصبح....ومنمتيش من ساعة ما أخوكي مشي من بعد الفجر.
صمتت يسود الخوف والقلق وجهها ثم هتفت وهي تعتدل في جلستها على الأريكة:
_ لأ يا أحلام... أدخلي انتي نامي وسط أخواتك .. الوقت اتأخر.
ثم هتفت بنبرة يتخللها القلق والخوف وهي تسحب أطراف ذلك الشال عليها:
_ أنا مش هعرف أنام و...واحنا لواحدنا كدة...لو أعرف بس ايه اللي أخر أخوكي كدة!!!
تحولت دقات قلبه العنيفة التي لم يعلم مصدرها فور سماعه لصوتها بعد غيابه عن أذنه طوال اليوم، لتلك النبضات الحنونة فور سماعه نبرة الخوف بصوتها وحديثها بأنها لم تستطع النوم من خوفها وحدهم، فأخرج مفتاح المنزل يضعه بالباب يفتح ويدخل.
التفتت "رقية" بلهفة فور سماعها صوت المفتاح بالباب، ثم صوت أخواتها الصاخب وهم يسرعون اليه:
_ ايااااد....اياااد جه يا أحلااام ...اياااد يا رقية.
ضحك "حسام" بفرحة برؤيتهم ولهفتهم، ثم انحنى اليهم يقبلهم ويهتف:
_ قلب وعيون إياد... عاملين ايه.
ألقت "أحلام" كتابها على الأريكة تسرع اليه هي الأخرى تهتف وهي واضعة يديها بخصرها بابتسامة واسعة:
_ ممكن أفهم كنت فين طول النهار يا أستاذ انت.... كدة من غير ما تقولي.
اقترب "حسام" يقرصها من خدها بمرح ليهتف:
_ معلش يا أستاذة أحلام...المرة الجاية هبقى استأذنك.
_ برضو متتهربش...كنت فين...قول بسرعة أحسنلك.
ابتسم يرى فيها أخته "مي" فكثيرًا نظرته الى "أحلام" تذكره على الدوام بها، فوضع كفه على وجنتها يهتف بحنان:
_ حقك عليا ..كان مشوار كدة واتأخرت فيه غصب عني.
ثم رفع نظره لتلك الجالسة تتابع دخوله وتعامله مع أخواته بذلك الحنان فاتبتسم براحة لم تشعر بها منذ خروجه في الصباح.
اقترب "حسام" منها يجلس بجانبها على الأريكة يتابع ملامحها التي بدى عليها الراحة فور رؤيته وهتف:
_ ازيك؟
اعتدلت "رقية" على الأريكة تهتف وقد نجحت في إخفاء ابتسامتها ظنًا منها أنه لو علم احتياجهم اليه لهذه الدرجة يزيد ذلك من تحكمه بهم، وخاصتا بها هي:
_ الحمد لله... اتأخرت كدة ليه...فين من وقت ما كلمتك!!
اقترب "حسام" بوجهه منها ليرد بمشاكسة يعشق التعامل بها معها:
_ ده كنت بفكر أبات برة كمان...بس مهونتيش عليا.
رفعت حاجبيها لتهتف:
_ ليه ...ما كنت تبات ...وسيب اخواتك يباتوا لواحدهم ...ماهي دي الأصول برضو.
ضحك "حسام" وعينيه بعينيها ليتنهد ثم يهمس بغلب وقلة حيلة:
_ انتي لو تعرفي أنا سايب مين ورايا يباتوا لواحدهم عشان أكون معاكوا هنا ....عمرك ما هتقولي كدة.
نظرت إليه باندهاش، لينظر هو للصغيرين وينشغل بمرحهم وصعودهم للأريكة اليه.
!!!!!!*!!!!!!*!!!!!!!*!!!!!!
متحير في أمره، يجيب أرضية الغرفة ذهابًا وإياباً بغيظ شديد ثم التفت يلتقط هاتفه ليراه صديقه ويهتف:
_ استهدى بالله كدة ... عصبيتك دي مش هتوصلك لحاجة.
صرخ "علي" بنار مشتعلة بداخله:
_ بنت ال.... تتجرأ وتروح تشتكيني لأهلي... قسمًا بالله أكون مبيتها في الحجز عشان تتأدب وتعرف هي بتتعامل مع مين.
نهض صديقه يقترب منه بغضب وعيون واسعة:
_ ايه الجنان اللي بتقوله ده.... وهتسجنها بتهمة ايه ان شاء الله عشان تنتقم منها...افهم بس؟
_ واحدة عنيها بجحة زي دي تبقى أكيد وقحة ووراها بلاوي ...بس أدور.. وحتى لو مفيش هخلقلها مصيبة عشان أعرف أربيها بمعرفتي.
ثم تابع:
_ أنا متأكد انها مش مايا اللي راحت...مي قالت انها بنت محجبة....بس أكيد حد من طرفها.
ثم أمسك هاتفه ينقر الشاشة عدة نقرات بغضب أعمى.
!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!!*!!!!
نظرت "مايا" للهاتف بعيون واسعة، غير مصدقة ما تراه أمامها، حتى نهضت من فراشها تسير في الغرفة ومازال الهاتف بيدها ثم رفعته على أذنها سريعًا:
_ عليييي!!!
استمعت قليلًا ثم أماءت بوجهها أكثر من مرة بلهفة لتنطق بعجالة:
_ بس كدة!!! ده أنا تلات دقايق وهكون عندك...مش هتأخر أبدًا أبدًا.
وبرغم بالهاتف الذي أغلق بوجهها لكنها تجاهلته تبتسم بفرحة عارمة، لتلقيه على الفراش وتتجه لخزانة ملابسها تسحب منها أفضل من لديها من ثياب.
_ ايه ده..بتعملي ايه يا مايا....ومالك مستعجلة كدة يا بنتي؟!
أجابت وهي تخرج فستان في غاية الأناقة:
_ علي كلمني يا دادة... وقال عايز يشوفني ..انتي متخيلة!!!
هتفت بعدم تصديق هي الأخرى:
_ صحيح!!!
_ أيوا يا دادة .. أيوا... أوعي بقى أغير هدومي عشان متعطلنيش.
صمتت وهلة بتفكير ثم همست بقلق:
_ بقولك ايه يا مايا.... الجدع ده أنا عمري ما أرتحتله يا بنتي... ورجوعه بعد الغيبة دي كلها يقلق...ما تستني هَنا تيجي معاكي أحسن.
هتفت بنفس عجالتها وهي تبدل ملابسها:
_ يا دادة هنا بتتأخر...وهو قالي مستنيني كمان دقايق في مكانا...كدة هتأخر.
_ لأ مش هتتأخري ولا حاجة... أنا هكلم هنا تجيلك جري ... على الأقل أكون مطمنة عليكي.
ثم تركتها وغادرت الغرفة بعجالة لتهاتف ابنتها، لتصيح"مايا":
_ قوليلها بسرعة يا دادة..بسرعااااا.
ثم همست لنفسها وهي تستكمل ما تفعله بنفس حركة يدها المتعجلة:
_ خليها تيجي بس تقف ساكتة ...تسيبني أنا أكلمه واسأله وألومه.
ثم تنهدت وتابعت بابتسامة واسعة:
_ وحشتني قوي...وحشتني.
ثم ألقت باقي ملابسها على الفراش تمسك بالهاتف بعجالة لتهاتف "هنا" بنفسها تتعجلها بالمجئ بأقصى سرعة وكأنها لو تأخرت دقائق إضافية سيختفي من الوجود مرة أخرى.
!!!!!!*!!!!!!*!!!!*!!!!!!!!
خرج "تميم" من المشفى قبل حتى أن ينتظر تصريح الطبيب بخروجه، ومازال ذراعه الأيمن الأقرب لمنطقة اصابته بالرصاص معلق بعنقه ليتحاشى ألم صدره من الحركة كما أمر الطبيب، فمنذ ان استيقظ صباحًا وعلم بأمر سفر "حسام" و"علي" الذي غادر هو الأخر فجر اليوم، هاتف والدتها على الفور يتراجاها أن تجعل الميعاد اليوم، وبالفعل، واقف أمام عيادة الطبيب ينتظرها لأكثر من نصف ساعة حتى رأها تقترب من بعيد بسيارتها، فأبتسم باتساع ليقترب هو منها.
ترجلت من السيارة تقترب وتهتف:
_ ايه يا تميم.... ليه يا حبيبي تسيب المستشفى وانت لسه بالحالة دي؟!
قالت جملتها وهي تشير لذراعه المعلق برباط طبي بعنقه ليرد هو بعجالة:
_ متقلقيش حضرتك.. أنا كويس.
ثم نظر للسيارة الفارغة ونظر اليها يسأل:
_ أنا... أنا حجزت وخلاص قدامنا حالتين وندخل.. أومال.. أومال مي فين؟
ردت والدتها وهي تعدل نظارتها الشمسية على عينيها:
_ مي في البيت... يعني محبتش تبقى معانا عشان نتكلم مع الدكتور براحتنا أكتر.
ضغط شفتيه بضيق ثم هتف على الفور وهو يضع يده على ذراعه المعلق بالوشاح الطبي:
_ اه طبعًا... حضرتك عندك حق..طب..طب يلا عشان نلحق.
نظرت اليه لحظة ثم هتفت:
_ ليك عليا لو الدكتور بشرنا اخدك ونطلع عليها نفرحها...بس انت قول يارب.
ابتسم "تميم" ينظر اليها قليلًا ثم هتف:
_ أنا عايز أقول لحضرتك... اني بجد...
صمت لم يعرف ماذا يقول ثم هتف بولع:
_ بحب حضرتك جدًا.
رانيا أبو خديجة
٣٦٥ يوم أمان
رأيكو وتوقعاتكم... قراءة ممتعة ♥️
بتحب حضرتها برضو ولا مى 🤣🤣
ردحذفهههه بخب حضرتك جدا وبنت حضرتك جدا جدا جدا جدا
ردحذفبرافو برافو عليكي يارونى تسلم ايدك ياقلبي
ردحذفتحفه
ردحذفطولي البارت شوية مش عم بلحق اشبع من الرواية 🤭🤭
ردحذفروعة تسلم ايدك
ردحذفروعه روعه روعه روعه روعه 😍😍😍😍
ردحذفجميله جدااا
ردحذفده انا اللي بحب حضرتك جداااا ❤️❤️
ردحذفتسلم ايدك تحفه واحداث مشوقه
ردحذفهى الرواية قيد الكتابة ؟
ردحذف