U3F1ZWV6ZTMxMjc0MDY2Mjc3MzYyX0ZyZWUxOTczMDM4NTMwMzE2MA==

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل الثامن والأربعون بقلم رانيا أبو خديجة

 رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل الثامن والأربعون بقلم رانيا أبو خديجة 

رواية 365 يوم امان 

رواية ٣٦٥ يوم أمان الفصل الثامن والأربعون بقلم رانيا أبو خديجة

الفصل الثامن والأربعون
#٣٦٥_يوم_أمان
#رانيا_أبو_خديجة

أحكم كفيه على يدها الصغيرة المرتجفة بينهم، تحاول سحبها دون فائدة، ثم نظر بعينيها وقال دون تردد:
_ هنا، أنا معجب بيكِ جدًا.
ثم تنهد بعمقٍ أشد وتابع منهيًا حيرته بتفكيره بها خاصتًا مع تقلباتها تلك التي لم يفهمها حتى الآن:
_ أنا بحبك يا هنا، وعايز أرتبط بيكِ.

على بعد خطوات تبدو بعيدة لكنها متابعة لهم منذ ابتعاده بابنتها بسيارته جانبًا حتى لا يراهم أحد، تراها من الشباك، توسعت عينيها فور رؤيتها اقترابه من ابنتها ورؤية نظرها للأسفل بعيون ترمش كثيرًا دلالة على توترها وعدم ارتياحها؛ ابنتها وتعلمها، بل تعلم كل همسة تصدر منها ولو من على بعد، ترى ذلك الشاب يحدثها بعيون ثابتة على ابنتها، وابتسامة حالمة تستطيع اخبارها بما يقول، بينما صامتة هي، لتزيد من احتراق والدتها.

 دق قلبها بخوف ممزوج بالغضب والقسوة فى نظرتها اليها قبل أن تتوجه اليه.
فتحت والدتها باب الشقة بقوة وسرعة عالية، واتجهت اتجاه السيارة لتتوقف فجأة عن السير بالمنتصف، تتوسع عينيها مع فتحة فمها بشهقة عالية؛ عند تعرفها على هيئة الجالس مع ابنتها بهذا الشكل، نعم هو تعلمه و...ويعلمها هو الآخر جيدًا، لكن ذلك لم يمنعها بل زاد من غضبها هاتفة قبل أن تسرع في خطاها اتجاهه:
_ يالهوي، خلصلي على بنتي مايا، وجاي دلوقت يخلصلي عالتانية، والله لأفرج عليك الحتة كلها، الحتة ايه، دا أنا هفرج عليك أمة لا اله إلا الله، ياللي منك للي خلقك انت!!!

حاولت سحب يدها من تحت يده فأطبق عليها أصابعه، نظرت اليه وأخيرًا نطقت:
-علي!!
أجاب ومازالت عينيه معلقة بعينيها وعلى وجهه تطغى ابتسامة حالمة:
-نعم.
 شعرت بأن قلبها تزداد دقاته تنبأها بأن ما يحدث لا يمت لها ولغرضها بصلة، فقلبت يدها بقوة ثم انتزعتها بحدة وقالت:
- اوعى يا علي متلمسنيش، مينفعش اللي بيحصل دا.
أبعد يده بالفعل بعد أن انزاحت ابتسامته ثم عاد يقول:
_ وأنا مش قصدي أي حاجة وحشة يا هنا، أنا بقولك اني عايز أرتبط بيكي رسمي، اديني بس ميعاد أجي أقابل والدتك وانتِ هتشوفي نيتي اتجاهك ايه.
عادت لصمتها من جديد تحدق به، تفاجأت بصدرها يعلو بتنهيدة عالية لم تعلم سببها مما جعلها تلتفت بعينيها تنظر بالفراغ أمامها، توسعت عينيها فجأة عندما وجدت تلك الأتية من بعيد تهرول اتجاههم.

أسرعت في خطواتها اتجاه السيارة تحاول أن تُسرع في خطواتها أكثر عندما لاحظت فزع ابنتها بشهقة تكاد تصلها من بعيد ثم أمام عينيها نزلت من السيارة تصرخ به وتشير اليه بسرعة في الرحيل لكنه لم يفهم ولا يستجيب لتلك الحالة من الفزع التي انتابتها، حاول النظر لبعيد ليرى ما جعلها تقفز من سيارته بتلك الحالة وهنا أتت عينيه بأمها التي لحقت بابنتها الناظرة اليها في رعب.
!!!!!*!!!!!*!!!!*!!!!!*!!!!!
وضع يده خلف رأسه يستريح على الوسادة من خلفه، ثم تنهد بألم يضع الكف الأخر على الجرح بصدره، رغمًا عنه التفت اليها عندما سألت باهتمام وعيون تمر على جرحه رغم بعدها واستلقائها بجانب الصغير من الجهة الأخرى.
-لسة الجرح بيوجعك، أجبلك مسكن تاني من جوا؟
مرر "حسام" يده على خصلات الصغيرة المستغرقة بالنوم بجانبه ثم أجاب:
-لا متخافيش أنا كويس.
ثم عاد يرفع نظره اليها:
-نامي انتِ يا رقية، أنا كويس متخافيش.
انزلقت بجسدها للأسفل بالفعل، تسحب الغطاء عليها بعد أن سحبته بيدها على الصغير المتشبث بحضنها مستغرق بنوم هانٍ كتوأمه تمامًا لا يناله سواهم ذوات الطفولة وفراغ البال، عاد "حسام" يتطلع أمامه بشرود ويتنهد، يعود بتفكيره اليها؛  تشغل باله منذ أن تركها بشقتها منذ الصباح مع زوجها، قلبه لن يهدأ لم يعلم لمتى، يظل قلق بشأنها طوال العمر، خاصتًا بعد زواجها وبعدها عن والدته التي كانت خير بديل له في غيابه باهتمامها بتفاصيلها ودوائها وصحتها، تنهد بقوة مازال لم يثق كل الثقة "بتميم" لم يحضر تلك القصة من الحب والعشق المزعوم الخاص بعلاقتهم، متى نشأت بينهم؟!
ومتى عاش "تميم" تلك الحالة معها دون علمه بل دون حتى أن يشعر به، وجد نفسه يهمس بغضب مازال يأتيه بمجرد التفكير بهم:
-كلب، واطي.
 عاد يزفر بتراجع عن بغض صديق عمره، عندما تذكر حالتها هي الأخرى وتعلقها الواضح به، متى!! متى نشأت تلك الحالة بينهم، همس يحدث ذاته:
_ أكيد في الفترة اللي كان بيوديها المستشفى والمتابعات في غيابي.
أومأ أكثر من مرة يؤكد ما خطر بباله ثم همس وهو يغمض عينيه بندم بغيابه تلك الفترة:
- ينعل أبو الشغل والغياب.
- بتشتم مين في ساعة زي دي، اوعى يكون بتشتمني، قولتلك مكنش قصدي.
التفت اليها، مازالت مستيقظة، هز رأسه يغمض عينيه لحظة بذات تنهيدته المعبئة بالكثير سواء هنا أم هناك بعيدًا عند من ترك عندهم جزءً من عقله وقلبه القلق بشأن شقيقته.
ثم عاد برأسه اليها وجدها تتطلع اليه بعيون مفتوحة على أخرها تتابع تغييرات ملامحه المتتالية، لم يعلم يبغض العمل والغربة والمهمات التي نتج عنها تواجده بعيدًا..هنا أم...تنهد بقوة ثم همس بصوت مسموع وعينيه اليها:
-ولا أحبها، حيرة.

عاد يعتدل باهتمام ليواجهها ثم سألها:
-رقية، انتي كنتِ مخبية سكينة معاكِ وانت نايمة ليه؟!
اعتدلت هي الأخرى تستند بذراعها لتراه، وقالت:
-من يوم ما سافرت وهي دايمًا تحت مخدتي، سواء في أوضتي او هنا عالكنبة، أومال هنام ازاي، أنا عيني مكنتش بتغمض.
نظر اليها قليلًا بحاجبين مرفوعين ثم قال بقلق:
-أيوا وكنتِ هتعملي بيها ايه يعني؟!
صمتت بتفكير وحيرة كانت تخطط لتفعل...ماذا!! ماذا تود أن تفعل بها، مررت يدها على خصلات "زياد" تزيحها عن وجهه الصغير المستغرق بالنوم ثم أجابت وعينيها بعيني"حسام":
- مش عارفة، بس أهي أمان معايا برضو لحد ما كنت ترجع.
ظل ناظر اليها بقلق من ردها ثم قفز يتخطى الصغيرين حتى اقترب يجلس أمامها وقال سائلًا:
_ أنا نفسي أعرف ايه يخليكِ تخافي بالشكل دا، يارقية خلاص لازم تصدقي ان من يوم مأنا جيت محدش يقدر يأذيكوا.
ثم اعتدل في جلسته يربع ساقيه وتابع:
_ أنا كل اللي طالبه منك أشوفك كويسة وحاسة بالأمان زي باقي أخواتك.
اعتدلت هي الأخرى ثم قالت:
_ اخواتك حاسين بالأمان عشان عارفين ان فيه حد أكبر بيتصدى لأي خوف أو خطر، أحلام بتنام عشان عارفة ان أنا صاحية، وأميرة وزياد مبيفكروش في الخوف أصلًا عشان وجودي أنا وأحلام، وأنا بقى فمبنامش ولا بتغمضلي عين إلا بوجودك أنت.
ظل ناظر اليها ثم قال دون تردد:
_ بحبك، والله العظيم بحبك يا رقية.
ابتسمت بأمان أشد ثم تابعت:
_ عارف اني بحسدك قوي.
ظل يتنقل بعينيه بين عينيها وقالت هي:
_ أنت الوحيد اللي ولا لحظة بحسك خايف من حاجة أبدًا رغم ان كلنا في رقبتك ومفيش حد غيرك.
ثم تابعت بذات ابتسامتها التي خطفت عينيه:
_ ياريتني كنت راجل زيك، أكتشفت منك انكوا مبتخافوش من حاجة أبدًا، أصل احساس الأمان دا مهم قوي، والخوف دا أبشع احساس في الوجود، بكرهه قوي يا إياد، قوي.
تردد قليلًا رافع يده بالهواء ثم أنزلها يربت على يدها بحنان وقال بعد أن أزاحها:
_ وأنا مش عايزك تخافي من حاجة أبدًا، ويلا بقى أدخلي نامي في أوضتك بأمان وأنا هحاول أدخل أميرة وزياد أوضتهم من غير ما يصحوا.
نظرت للصغيرين ثم قالت بصدق:
_ بلاش تسافر تاني أبدًا، لوعايزنا علطول حاسين بأمان يبقى بلاش تسبنا تاني.
نظر اليها قليلًا ثم أومأ بهدوء في صمت ظاهري عكس ما يدور بداخله تمامًا.
!!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!!*!!!!! 
_ حضرتك بس ممكن تهدي وتسمعيني، أنا والله هدفي كويس واسأليها أنا كنت لسة بقولها ايه.
توسعت عينيه أكثر من حدتها في الصراخ بكلمات لم يستطع فهمها، لكنه نفخ بضيق يتجاهل ما وصل أذنيه بملل لينظر إلى تلك الواقفة في فستانها وحجابها تخطف عينيه بانفعالاتها المتعددة وتحولات تعابير وجهها من الصمت الغامض الى الفزع يليه التوتر والارتجاف الشديد أمام والدتها وصراخها، لو تعلم والدتها الصارخة بانفعال لم يعلم سببه ما يكنه لابنتها ما تابعت صراخها الذي كاد أن يصم أذنيهم.
_ وأنتِ مسايرة الدنيا وفاكرة نفسك بتنتقمي وانتي بتنتقمي مني ومن روحك.. ولا عاملة فيها مش فاهمة حاجة وبتستهبلي يا بنت ....
_ مامااااا.
التفت من التحديق بها على صراخها بوالدتها ثم أمسكت بذراعها بحدة وأشارت اليه بنظرة خائفة من رد فعله مما سمعه لكنها ما وجدت بداخل عينيه سوى الحيرة وعدم الفهم ورحلت محاولة سحب والدتها بالقوة.
ظل واقف يتابع مقاومة والدتها لها، لكنه انتبه على تحديق المارة به، فركب سيارته ورحل.
!!!!!*!!!!!*!!!!*!!!!*!!!!!
بالصباح دخلت "هنا" بخطوة مُسرعة يليها مترددة، بيدها حقيبة عملها، تخشى مقابلته بسبب ما حدث أمس، ظلت طوال الليل تحلل ملامحه ورد فعله أثناء حديثه ورده على ثرثرة والدتها، العجيب أنه لم تبدو عليه أي علامات أنه رأى والدتها من قبل، ألم يتذكرها!!
لكنها تظل قلقة، خائفة أتت ولم تريد أن تأتي، يكفي صراخ والدتها من الليل حتى صباح اليوم قبل خروجها من البيت بعدم رضاها عن ما يحدث، محقة والدتها محقة بكل شيء، الأمر أصبح معقد جدًا خاصتًا بعد طلبه بزواجها منه، يجب أن تنهي تلك اللعبة بأسرع وقت ويكفيها فقط رؤية عينيه تفيض بالمشاعر اليها دون فائدة، نعم يكفي.

 توقفت برهة، ثم تهادت في مشيتها قليلًا وعينيها تتجول بوجوه من حولها من الضباط التي تعرفهم جيدًا بالمكان هنا.

تخطاها الشاب الخاص بالمشروبات وقام بغمزة من عينيه ثم قال قبل أن يسير هناك حامل صينية عليها كوبان من الشاي:
_ مبروك يا أستاذة هنا، ألف مبروك يا ست البنات.
ارتفع حاجبيها بدهشة، سارعت للداخل لتتقابل به واقف أمام مكتبه، لكن ما لفت انتباهها وجعلها تتوقف لتنظر اليه بتمعن حقيقي، تلك الضحكات التي يضحكها مع صديقيه الواقفين معه، رغمًا عنها انحنت بعينيها لحلته البيضاء الخاصة بالعمل ذات أنصاف أكمام تليق به للغاية مع ضحكاته تلك، التفت "علي" اتجاهها وكأنه شعر بوجودها بينما مازال يتحدث لصديقيه ويضحك، صمت يكتفي بابتسامة اليها ثم استأذن صديقيه واقترب منها هامسًا:
_ اتأخرتي كدا ليه، مش قولتي عندك شغل كتير هنا النهاردة؟
لم تجب ظلت ناظرة اليه تنتظر التوبيخ أو الصراخ بوجهها مما فعلته أمها، لكنه تابع بعد تنهيدة قوية:
_ قلقت تكون مامتك ضايقتك تاني على فكرة.
لاحظت نظرات الجميع حول وقفتهم، فانحنت بعينيها تبتلع لعابها بتوتر لاحظه هو في رفرفت أهدابها بشكل متكرر كعادتها ثم قالت:
_ علي هو...
صمتت تعود بعينيها لمن حولها، يتهامس صديقيه بعيدًا بابتسامات غير مفهومة، لم تفهم ما الأمر، هز رأسه اليها بمعنى المتابعة فأشارت بيدها إلى مكتبه وقالت:
_ مش... مش عارفة اتكلم هنا، ممكن دقايق بس.
ابتسم متعلقة عينيه بعينيها التي ترمش بتوتر دون توقف وقال:
_ دقايق بس!!! معاكِ اليوم كله.
ثم اتجه لمكتبه وصارت معه.
دخلت "هنا" المكتب ثم ألقت بحقيبتها على المقعد بحدة هاتفة بذات توترها الملحوظ:
_ ممكن أعرف ايه اللي بيحصل هنا عشان أنا مش فاهمة حاجة؟
أشار بيديه بعدم فهم:
_ ايه اللي بيحصل مش فاهم!
صرخت بتوتر واضح بصوتها:
_ اللي بيحصل هنا من ساعة ما دخلت.
اقترب منها ثم قال يشير لها بالهدوء:
_ طب ممكن بلاش العصبية دي وتهدي كدا وتفهميني فيه ايه؟
زفرت بحدة ثم قالت:
_ بصات الناس ليا أول ما دخلت المبنى غريبة قوي، ومتنساش ان كلهم عرفيني هنا كويس، و..و وكلام مصطفى الساعي مبروك يا أستاذة، مبروك على ايه بالظبط!!
ابتسم باتساع ثم تحولت ابتسامته لضحكات خافتة وهو يهز رأسه ثم اقترب منها وقال:
_ مصطفى دا ان مرماش ودنه تبقى باظت منه خالص، دا أكيد سمعني وأنا بتكلم مع محمد وزين فأكيد نشر الكلام، يعني أنا مليش ذنب.
توسعت عينيها وقالت:
_ وقولتلهم ايه عني يخليهم يبصولي كدا؟!
ابتسم ابتسامته التي أصبحت تراها كثيرًا خاصتًا عندما يحدثها هي لا غيرها:
_ كانوا بيسألوني على حاجة خاصة بالشغل اللي بيني وبينك فلقيتها فرصة أقولهم انك بقيتي تخصيني لانك باختصار هتكوني خطيبتي في خلال أيام وبعدين بالظبط شهرين بالكتير قوي هتكوني في بيتي، مراتي يعني.
صمتت تتطلع اليه وكأنه يحدثها في لوغاريتمات رياضية، فأقترب خطوة اضافية وتابع:
_ عايز منك ميعاد دلوقتِ حالًا عشان أجيب أخويا وأمي وأجي أتقدم لوالدتك رسمي، أنا عايز أصلح اللي حصل امبارح في أسرع وقت، لما لقيتك في عربيتي وأكيد فهمتني غلط. 
ثم تابع بسعادة بالغة غير مدرك لحرارة جسدها التي ارتفعت فجأة:
_ وساعتها نتفق على كل حاجة وأهم حاجة ميعاد الجواز اللي عايزه يكون قريب قوي.
ثم تابع:
_ يااه عاللحظة اللي هتكوني فيها مراتي وقتها بقى هتبقي تخصيني رسمي قصاد كل اللي هنا دول، تصدقي محدش منهم مصدق خالص، فكريني بهزر أكمن يعني هما أكتر ناس عارفة اني كنت بعيد كل البعد عن فكرة الجواز دي.
تنهدت تنهيدة قوية وتابع هو بابتسامة ازدادت:
_ ميعرفوش ايه اللي حصلي على ايديك، وانك جيتي في أكتر وقت مناسب وأكثر وقت كنت محتاجلك فيه يا هنا.

ظلت صامته فقال:
_ التلات الجاي كويس؟
توسعت عينيها وأخيرًا تفوهت:
_ التلات اللي هو بعد بكرة!!
_ اه، قولتي ايه.
صمتت تتطلع اليه فقط، فهز رأسه يريد رد، فكان ردها إيماءة بالموافقة.

!!!!!*!!!!*!!!!*!!!!*!!!*!!!
تطلع اليهم "حسام" بترقب، فنظروا لبعضهم بشكٍ به، خرج اليوم بعد انتهاء العمل بالورشة لأجل ذلك على وجه الخصوص، يشعر بأنه يقترب من هدفه، فقد تعرف على مصدر التوزيع بالبلدة، يبدو أن انتهاء مهمته قد حان.
لكن رنين هاتفه بتكرار وإعادة غلق الاتصال مرارًا جعله يتوتر رغمًا عنه فقال كبير الواقفين بالمخزن الذي تتم به كل التوزيعات:
_ ما ترد على البتاع دا، وبلاش خوته.
اضطر بالفعل لفتح الخط بعد أن ابتعد خطوات لنهاية المخزن ركن بعيد هاديء، وبعد توتره وابتعاده بتلك الطريقة لحقت به نظرات الشك الذي ما دومًا يكون موازي لعملهم، بل يمتزج به، فأشار برأسه لأحد أفراده ليسير من الجهة الأخرى ويحاول الاستماع بينما لا يفصل بينهم سوا حائط.
_ مبتردش ليه يا أبني، زهقتني.
_ أنت يلا حمار، أنا مش قولت محدش يكلمني، مأنا كدا كدا بكلمكوا كل يوم.
_ بتكلم ماما أو مي، لكن أنا ياعالم بقى، المهم أنا عايزك في حاجة مهمة.
أخفض "حسام" صوته للغاية قائلًا:
_ علي، متتصلش تاني، أنا هكلمك، أنا مش ناقص يا غبي، دول بيشكوا في صوابع ايديهم، أنا هكلمكوا لما أخلص.
استمع لأخر جملة ثم أسرع يخبر بما سمع.
!!!!!*!!!!*!!!*!!!!!
بعدما أنتهى خرج من المكان يسير كثيرًا على قدميه حتى جلس في مكان يحيط به السكون والظلام، نفخ بضيق قبل أن يهاتفه قبل حتى أن يهاتف أمه وشقيقته ككل ليلة.
 -عايز ايه يلا؟!!
-في ايه يا حسام ما براحة شوية يا عم.
أجاب "حسام" بغضب:
-فيها اني في شغل يا حيوان وانت عارف، مش قولتلك قبل كدا متتصلش على الأرقام دي الا لما أنا اكلمك، أختك وأمك بيفهموا أحسن منك.
- ياعم مانت بقالك كام يوم مكلمتنيش، وأنا عايزك في موضوع مهم.
 زفر بقوة يرد:
- -عايز ايه؟
- -لا اهدى كدا عشان بجد مش هعرف اتكلم في العصبية دي.
 -اخلص يا علي.
صمت لوهلة ثم أخذ نفس قوي حتى قطب "حسام " حاجبيه منه،  وقال بابتسامة:
- -أنا عايز أتجوز يا حسام.
قطب "حسام" حاجبيه ثم هتف قائلًا:
-نعم، من امتى دا!
ردد "علي" بابتسامة مدركة اندهاش أخيه:
-بصراحة لما شوفت الواد بدير وتميم بيتجوزوا حاسس الواحد نفسه اتفتحت عالجواز.
-وانت بقى هتتجوز عشان نفسك اتفتحت.
تنهد "علي" بقوة، ثم أضاف:
-بصراحة كدا، أنا أخيرًا ربنا كرمني ولقيت البنت اللي تنفع تكون مراتي.
جلس "حسام" على حافة حجرية ثم وضع يده بجيبه وقال:
-ودي تبقى مين بقى، حد نعرفه؟
-لا لا متعرفهاش دي محامية اتعرفت عليها من خلال شغلنا، لكن مكدبش عليك يا حسام أنا بصراحة بقيت خايف واحدة زيها تضيع من ايدي أكتر ما بقيت خايف حتى على شغلي اللي مش عارف أركز فيه دا من يوم ما شوفتها وعرفتها.
ابتسم "حسام" بعدما انحنى برأسه ينظر بشيء وهمي بالأسفل، يفهم شعوره جيدًا، تلك الحالة الخاصة من الخوف يتعايش فيها على الدوام، تنحنح يجلي صدره ويعود برأسه من تلك الدوامة التي لن تنتهي سوى بانتهاء عمله وعودته لحياته الطبيعية وقال:
-طيب بما انك خايف انها تضيع من ايدك زي ما بتقول فمفيش حل غير انك تفاتحها في الموضوع وتعرف رأيها بشكل مبدئي ولو في قبول نروح يا سيدي ونطلبها من أهلها.
وصله صوته به سعادة طاغية وحماس عالي بالحديث:
-أنا متأكد ان هي كمان بتحبني مش بس في قبول من ناحيتي و.. و..
ثم تابع:
-وكنت أخدت منها ميعاد عالتلات الجاي وعايزك معايا انت وماما يا حسام، عشان خاطري حاول تنزل بأي شكل.
صمت قليلًا وكأنه يفكر بالأمر ثم قال:
-طيب انت سألت عليهم كويس، عيلة كويسة يعني ولا ايه الدنيا، أنا مش هاجي وبعدين اتفاجى انك بتعُك يا علي.
-لا لا أبدا والله دي بنت كويسة جدًا وعايشة مع والدتها لواحدهم، و.. و..
صمت بتردد فقال "حسام":
-في ايه؟
-بصراحة اللي لاحظتوا وعرفته يعني انهم ناس بسيطة، وصراحة قلقان الموضوع يفرق مع ماما.
تنهد "حسام" ثم قال:
-افتكر طلام ناس محترمين وكويسين يبقى مش هتفرق قوي يعني، وبعدين هنحتاج غناها في ايه يعني هو مين هيصرف على مين!
ضحك بخفوت وحماس:
-بالظبط كدا، والله بقول برضو، المهم هتيجي؟
صمت كثيرًا ثم قال:
- ماشي.
ثم نهض يسير عائدًا:
_هي دي حاجة يعني تكون محتاجني فيها واطنشك.

!!!!!*!!!!*!!!!*!!!*!!!!
تزداد ابتسامته أكثر فأكثر حتى تحولت لضحكات خافتة وعينيه معلقة بشاشة الهاتف يلتقط لها عدة صور بعيني محب عاشق، بينما جالسة هي على "عربة حنطور" يقبع صاحبها على حصانه بسكون، بعد أن انتهوا من تجولهم بها في كافة أحياء تلك المدينة الساحلية رائعة الجمال كما وصفتها بعد رؤيتها لأول مرة كما أخبرته مرارًا بسعادة غامرة حتى تنتهي من صورها.
ابتسمت أجمل ابتسامتها وهي ترفع يدفها تمسك بطرف القبعة على رأسها ثم تميل برأسها وتشير بالأخرى على الحصان في لونه البني الرائع.

لمحته يضحك بينما يلتقط الصور فتحولت ابتسامتها لضحكة افسدت وضعية الصورة لتنهرة بمرح على ما فعله، ليقترب "تميم" بعد أن وضع هاتفه بجيب بنطاله ويحملها ينزلها قبل أن يقبلها من خدها قبلة خاطفة.
أبعدته "مي" بخجل ممزوج بالمرح وسألت بنبرة طفولية حماسية محببة لقلبه:
_ حلوة الصور؟
رفع يده يعدل من وضعية القبعة كبيرة الحجم على رأسها وأجاب بابتسامة واسعة:
_ صاحبة الصور قمر، مابالك صورها بقى.

ابتسمت في صمت خجول، ثم وضعت يدها بيده يسيروا ليستكملوا سيرهم ليريها أجمل الأماكن كما وعدها، يشير اليها هنا وهناك فتفتح هي فمها بانبهار بجمال الأماكن ليلًا، منها السياحية ومنها الساحلية الطبيعية من خلق الله سبحانه وتعالى تقسم أنها رأت دنيا أخرى غير التي تعرفها معه.

حتى دخلوا مجمع كبير مليء بالعروض الترفيهية المسلية وغيرها من الألعاب للصغار والكبار.
مال عليها "تميم" قائلًا:
_ أنا ميت من الجوع تعالي ندخل مطعم هنا نتعشى وبعدين نشوف نكمل لف ولا نرجع الاوتيل.
أومات بوجهها بسعادة بالغة لكنهم في سيرهم أشارت على عربة حلوة ملفوفة، قائلة:
_ عايزة غزل البنات.
ابتسم "تميم" ثم هتف:
_ طيب استنيني هنا بعيد عن الزحمة دي، هجيبها وأجيلك.
تنهدت تضع يدها تضغط قبعتها وهي تلتفت حولها بسعادة وكأنها تريد اخبار كل من حولها بسعادة قلبها التي لم تذوق مثلها من قبل، ظلت تشاهد الأضواء والألعاب من حولها بابتسامة عريضة حتى وصلها صوت بجانبها.
_ قولت لأ يا سما، أنا بخاف مش هركبها ومش هينفع أسيبك تركبيها لوحدك.
نظرت "مي" لما تشير اليه الأم وجدتها لعبة عاليه تدور براكبيها بسرعة كبيرة حتى تتصاعد ضحكاتهم ممزوجة بصراخهم الواصل اليها من على بعد، وجدتها الطفلة تنظر للعلبة وكأنها طفلة مثلها تتمنى ركوبها فأقتربت تشير لوالدتها:
_ هركب وطنط هتركبها معايا عشان خاطري يا ماما.
نظرت اليها بصمت حتى اقتربت والدتها:
_ عيب كدا يا سما، تعالي هنا.
_ عشان خاطري يا ماما عشان خاطري، وطنط حتركب معايا يعني مش هبقى لوحدي.
تطلعت اليها الأم وهي تنظر للعلبة العالية بابتسامة مغامرة، وكأنها غلبت طفلتها في شوقها لها.
_ حضرتك فعلا هتلعبي اللعبة دي تخديها معاكِ؟
نظرت اليها قليلًا ثم أومأت بوجهها ممسكة بيد الطفلة قائلة بحماس كبير وكأنها تود تحقيق كل ما حلمت به وحرمت منه:
_ أيوا هلعبها.
ثم أخذت الطفلة الضاحكة بسعادة من يدها واتجهت، تجلس الطفلة أمامها ليغنوا بطفولة وسعادة معًا، غير أهبة بحالتها وما سيحدث لها.

!!!!!*!!!!!*!!!!*!!!!*!!!!
باليوم المنتظر من قبله، واقف بغرفته ممسك بالهاتف وكأنه يحاول مهاتفة أحد، لكن لم يصله رد، استمع لطرقات على باب غرفته يليه صوت أخيه الحاضر منذ الصباح:
_ علي، يلا انجز مش عايز اتأخر.
زفر وهو يغلق شاشة هاتفه ثم يعود وينتظر لذاته بالمرآة بابتسامة يعدل من ثوبه الأكثر أنيق، يتذكر عينيها التي كلما تخجل منه ومن حديثه معها تخفضهم لثيابه وحذائه بخجل.

 توقف "علي" بالسيارة أمام الباب الذي رأها تخرج منه من قبل، ثم هبط حامل بيده علبة أنيقة من اللون الوردي وتزينها شريطة بيضاء معقودة عليها بشكل جميل وباقة من الورود المختلطة ما بين الأبيض والأحمر، بينما هبط "حسام" يتوجه ليساعد والدته ويضع يده بيدها.
ساروا خلفه حتى توقف أمام باب منزلي بسيط للغاية، ابتسم بحماس واقترب يطرق على الباب، أخيرًا يتوقف على تحقيق حلمه بها سوا بعض الخطوات الروتينية الازمة، لكنها... هانت.
بابتسامة متسعة وتنهيدة عالية تعبر عن شوقه لرؤية فرحتها بمجيئه في سبيل جعل ما بينهم يدور في اطار رسمي، يرضي الله كما يعلم أنها تتمنى، يتوق لرؤية خجلها عند رفعة يدها أمام وجهها لقراءة فاتحة طريقهم معًا بينما تتطلع اليه من أعلاهم في خجل ممزوج بفرحة تشبة فرحته وحماسه الأن، ستكون له أمام الله والجميع باذن الله، سيدور كل حديثه في تلك الجلسة على التعجل بكل شيء وقرب كافة المواعيد، يريد رؤيتها معه في حلال الله في الغد على الأقرب.

اختفت ابتسامته تلك ليخرجه من تلك الدوامة من الأفكار اللذيذة على صوت والدته في ضجر:
-هما نايمين على ودانهم ولا ايه يا أبني، يعني كل دا مش سامعين!!
نظر اليها "علي" ثم زاد من ضغط اصبعه على جرس الباب،  ليتركه ويطرق بيده على الباب مباشرتًا بخفة لكن دون رد، التفت سريعًا يتطلع في قلق الى أخيه ووالدته، تأففت والدته غير شاعرة تمامًا بسوء الموقف مازالت لم يصلها الحدث، بينما "حسام" فتحولت نظرته من مندهشة لقلقة خاصتًا من نظرة أخيه غير الواثقة تمامًا.
وهنت يد "علي" على الباب وهو يشرد بالهاتف الذي لم ترد عليه منذ الأمس، فأخرجه من جيب بنطاله يعيد مهاتفتها مرات ومرات ليجده قد أغلق في نهاية الرنين.
بدأ يزداد التوتر بداخله وعاد يزيد من طرقاته التي أصبحت قوية حتى أشفق عليه أخيه فأمسك يده قائلًا:
-براحة براحة يا علي يمكن...
اقترب منه ثم تابع محاولًا تهدئته:
-يمكن..يمكن برة ونسيت الميعاد أو حاجة.
فُتح الباب الذي يبعد عنهم عدة خطوات لتطل منه امرأة خمسينية بسيطة الهيئة، على وجهها ضيق وغضب قائلة:
-اية الرزع دا كله، هتهدوا الحيطة المايلة علينا يا بُعدا.
اقترب "علي" منها في عجالة قائلًا:
-لو سمحتي مش دا برضو منزل المحامية هنا ال..
أجابت في ضجر:
-ايوا هو زفت، بس اللي اعرفه انها مش موجودة.
صمت لتتطلع والدته لأخيه ثم اقتربت وقالت بهدوء:
-أومال فين يا حبيبتي، ابني واخد منها ميعاد.
وقبل أن تكمل حديثها التفتوا جميعهم على صوت من خلفهم:
-حضرة الظابط علي!!
التفت اليه "علي" الصامت في صدمة فتابع الأخر بينما يوزع نظره بين الواقفين الى أن استقرت عينيه على باقة الورد بيده:
-متعرفش حضرتك المحامية اللي اسمها هنا اختفت فين، أصل الأستاذ هاني محتاج منها ورق ضروري دا غير ما وراها قضايا في المكتب ولا سائلة فيها، وهو بعتني أدور عليها في كل حتة أنا حتى كنت رايح أشوفها عندكوا في المركز برضو.
مازال معلق عينيه بعيني محدثه بشتات وصدمة بينما قالت والدته في غضب رغمًا عنها:
-حضرتك مجوبتيناش، راحت فين الأستاذة، وازاي واحدة محترمة تدي مواعيد للناس كدا وتختفي، بقى دي عمايل بنات الأصول برضو!!
أشفقت السيدة عليهم خاصتًا بعدما استقرت عينيها على ذلك الواقف في صمت وصدمة ناتج عنها ذهول مميت حتى سقطت باقة الورود كبيرة الحجم أنيقة الشكل من على ذراعه، فمن هيئتهم ووجود تلك السيدة مع ذلك الشاب المسكين اتضحت لها الرؤية، فتقدمت منهم خطوة وقالت:
-لا اله الا الله، أنا صعب عليا الأستاذ، طب أنا هقولكوا على اللي شوفته وانتوا بقى افهموا.

365 يوم أمان 
رانيا أبو خديجة 
رأيكوا وتوقعاتكوااا ♥️♥️

تعليقات
14 تعليقًا
إرسال تعليق
  1. See😥😥😥😥

    ردحذف
  2. لا اله الا الله صدق صعبت عليا ياعلي موقف مهبب 😢

    ردحذف
  3. اي الجمال دا كله تسلم ايدك ياروني علي العظمه دي ❤

    ردحذف
  4. استعد ياعلي اللي جاي تقيل قوي 😢

    ردحذف
  5. تحفه عودا حميدا

    ردحذف
  6. جميله جداا عودا حميدا حبيبتي

    ردحذف
  7. جميله جدا وحمدلله ع السلامه يا قمر

    ردحذف
  8. ❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  9. تسلم ايدك يارانوش علي الجمال ده

    ردحذف
  10. عظمه علي عظمه والله تسلم ايدك

    ردحذف
  11. تسلم ايديك جميلة جدا ❤️
    على برغم انه مش حباه بس في الموقف ده وجعني🥺💔

    ردحذف
  12. عودا حميداً يا روني

    ردحذف
  13. رو عه روعه بس ربنا يستر على مي

    ردحذف
  14. برافو عليكي ابدعتي كالعادة رغم اني حسيت شوية مط بس مش وحش
    امتى الفصل الجديد يا مبدعة 🤔

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة